نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 62

الخميس 02 حزيران 2022

كيف يمكن لجم تقلبات سعر صرف الدولار الأميركي في الاقتصاد اللبناني؟

مقال اقتصادي

نسيب غبريل

شهد لبنان في أيلول 2019 ظهور سوق موازي لسعر صرف الدولار الأميركي، وذلك لأول مرة منذ تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية في منتصف التسعينات من القرن الماضي، أي منذ ما يقارب الخمسة وعشرون سنة.

وسبب ظهور سوق موازي هو شحّ السيولة بالعملات الأجنبية في لبنان بسبب تباطؤ تدفّق رؤوس الأموال من الخارج مع بداية اﻠ2018 ولاحقًا التراجع الحاد لتدفّق رؤوس الأموال ابتداءً من أيلول اﻠ2019، وتوقّف شبه كامل لهذه التدفقات منذ قرار حكومة الدكتور حسان دياب التعثّر عن تسديد التزاماتها الخارجية فيما يتعلّق بسندات اليورو بوند للدولة اللبنانية، وهذا ما يُعرف بالتوقّف المفاجئ (Sudden Stop) لتدفّق رؤوس الأموال.

وفي هذه الحالات، تلجأ السلطات إلى الاسراع باتخاذ إجراءات فوريّة لتهدئة السوق ولجم تدهور الثقة والحفاظ على استقرار القطاع المصرفي، إذ انّ هكذا حدث يؤدّي إلى هلع المودعين واقبالهم على سحب أو تحويل ودائعهم من المصارف المحليّة إلى الخارج.

والواضح أنّ السلطات اللبنانية لم تتلقّف اللحظة ولم تستجيب لإلحاح وفد جمعيّة المصارف في تشرين الأول من العام 2019 بتطبيق إجراءات لضبط خروج رؤوس الأموال من لبنان، أو ما يُعرف بالكابيتال كنترول. وهذا ما أدّى إلى ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في السوق الموازي، واستغلال المضاربين للشلل السياسي وعدم وجود إرادة جامعة لاتّخاذ إجراءات تلجم التدهور وتبدأ باستعادة الثقة تدريجيًا من خلال الإصلاحات.

وجاء قرار الحكومة السابقة بالتعثّر عن تسديد مستحقّات سندات اليورو بوند في آذار 2020 ليضرب مصداقيّة الدولة اللبنانية التي بنتها على مرّ العقود من خلال تسديد التزاماتها الخارجيّة بغض النظر عن الظروف القائمة. وهذا ما فاقم الأوضاع وأدّى إلى تهميش لبنان عن النظام المالي والمصرفي والتجاري الدولي، والى تدهور إضافي وسريع لسعر الصرف. في موازاة ذلك، طلبت الحكومة من مصرف لبنان دعم استيراد المواد والسلع الأساسيّة المستوردة، مما أدّى إلى استنزاف بين عشرة و12 مليار دولار من احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، في حين جفّت بشكل شبه كامل مصادر العملات الصعبة التي كانت تغذّي احتياطي المصرف المركزي، مما أدّى إلى استنزاف هذه الاحتياطات لتبلغ 11 مليار دولار في منتصف أيار من العام 2022 مقابل 32 مليار دولار حين اندلاع الأزمة.

والجدير بالذكر أن سعر صرف الليرة اللبنانية تدهور بشكل مفاجئ وحاد في السوق الموازي في أوّل أسبوع من كانون الأول الماضي، ما دفع مصرف لبنان إلى إصدار التعميم 161 الذي يهدف إلى لجم هذا التدهور من خلال ضخّ الدولار الأميركي النقدي في الأسواق اللبنانية وسحب جزء من الكتلة النقديّة بالليرة اللبنانية من الأسواق. وقد نجح المصرف المركزي بلجم تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية وتقليص الهامش بين سعر صرف الدولار على منصّة صيرفة وسعره على في السوق الموازي إلى حدّ إلغاء هذا الهامش في شباط، واستطاع مصرف لبنان سحب تسعة ألاف مليار ليرة نقديًّا من الأسواق اللبنانية في أوّل ثلاثة أشهر من السنة الحاليّة. ومع تدهور سعر صرف الليرة مجددًّا في الأيام التي تلت الانتخابات النيابيّة في 15 أيار لعدّة أسباب، معظمها لأسباب سياسيّة، اخذ مصرف لبنان المبادرة مجددًّا من خلال إصدار قرار يطلب من جميع حاملي الليرة اللبنانية من مواطنين ومؤسسات يريدون تحويلها إلى الدولار الأميركي على سعر منصّة صيرفة التقدّم بطلباتهم إلى المصارف اللبنانية، على أن تتمّ تلبية هذه الطلبات كاملة في غضون 24 ساعة. وسرعان ما هبط سعر صرف الدولار في السوق الموازي، ووصل قبل فتح المصارف أبوابها نهار الإثنين 30 أيار إلى ما كان عليه قبل الانتخابات النيابيّة. وهذا ما يظهر التقلّبات الحادّة في السوق الموازي وضرورة إلغاء هذه السوق لعدّة أسباب:

أولًا، إن السوق الموازي لسعر صرف الدولار الأميركي هي سوق غير رسميّة وغير قانونيّة، وبالتالي هي غير شفّافة ولا تخضع لأيّة قوانين أو رقابة.

ثانيًا، وضع السوق الموازي يجعل جهات سياسيّة معيّنة، والمضاربين والانتهازيّين، التلاعب بسعر الصرف لأسباب سياسيّة أو لجني أرباح سريعة على حساب المواطن والاقتصاد.

ثالثًا، إنّ التعميم 161 والقرارات التي أصدرها لاحقًا مصرف لبنان ليست حلّ نهائي لوجود سوق موازي ولا يدّعي ذلك مصرف لبنان، بل هي قرارات مؤقّتة وموضعيّة تعطي بعض الوقت للسلطة السياسيّة لبدء العمليّة الإصلاحيّة. لذلك لا يجب على أي جهة أن تعتبر أنّ قرارات مصرف لبنان هي حلّ نهائي، والدليل على ذلك أنّ المصرف المركزي جدّد العمل بالتعميم مؤخّرًا لشهرين متتاليين، وليس لفترات طويلة من الزمن.

رابعًا، إنّ معظم التعاميم والقرارات التي أصدرها مصرف لبنان منذ اندلاع الأزمة في تشرين الأول من اﻟ2019 جاءت لتملأ جزء من الفراغ الذي تركته المناكفات السياسيّة، والفراغ الحكومي، والشلل المؤسّساتي، وعدم وجود إرادة جامعة لتطبيق الاصلاحات البنيوية الضروريّة للخروج من الازمة.

خامسًا، يبقى توحيد أسعار الصرف المتعدّدة في السوق الموازي التحدّي الأبرز ولكن هو الحلّ الأساسي لإلغاء السوق الموازي لسعر صرف الدولار الأميركي.

سادسًا، إنّ الاتفاق المبدئي الذي وقّعته الحكومة الحاليّة مع صندوق النقد الدولي يفرض على السلطات اللبنانية تطبيق تسعة شروط مسبقة قبل أن يوقّع المجلس التنفيذي لصندوق النقد على قرض بثلاث مليار دولار للدولة اللبنانية، وأحد هذه الشروط المسبقة هو توحيد أسعار صرف الدولار المتعدّدة في الاقتصاد اللبناني، وذلك من خلال تعويم سعر صرف الليرة الرسمي الذي ما زال معدّله عند 1507.5 للدولار الأميركي.

سابعًا، إنّ حجم التداولات اليوميّة على منصة صيرفة لا يعكس تدخّل مصرف لبنان بالضرورة في السوق، إذ انّ احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبيّة وصل إلى 11 مليار دولار في منتصف أيار، أي بتراجع بلغ 1.8 مليار دولار منذ بداية السنة بينما مجموع حجم التداول على منصة صيرفة بلغ ما بين 2.7 مليار وثلاث مليارات دولار في الفتة ذاتها. وهذا يعني أنّ المصرف المركزي لا يستخدم بالضرورة الاحتياطي الإلزامي للمصارف، وأنّه يملك مصادر أخرى تغذّيه بالسيولة بالدولار الأميركي مثل العمليات مع شركات تحويل الأموال من الخارج، العمليّات المتعلّقة بالمساعدات الخارجيّة، عمليّات في سوق القطع في الخارج، وتوزيع أرباح شركة طيران الشرق الأوسط التي بلغت 700 مليون ليرة للسنوات الممتدّة بين اﻟ2011 واﻟ2020. ولكن هذا لا يعني أنّ على السلطة السياسيّة الاعتماد على هذه الوسائل، إذ انّ مصرف لبنان لا يدّعي أنّه حلّ وهو مجرّد تهدئة لسوق القطع من أجل بدء العمليّة الإصلاحيّة وتوحيد أسعار الصرف.

لذلك، لا يمكن التعويل على حلول مجتزئة او قرارات موضعية لإيجاد حلّ لتعدد أسعار صرف الدولار الأميركي في الاقتصاد اللبناني.

وتتضمن الإجراءات إقرار قانون الكابيتال كونترول الذي هو مطلب أساسي لصندوق النقد الدولي والذي هو احدى الاجراءات التي تمهد لتوحيد أسعار الصرف من خلال تشجيع التعامل بالليرة اللبنانية بدل الدولار و الدفع نحو استخدام آليات للدفع غير النقد مثل الشيكات و بطاقات الدفع و التحاويل الداخلية. ويجب ان يكون إقرار هذا القانون أولوية مجلس النواب الجديد وان يأتي ضمن اهداف اقتصادية واجتماعية غايتها الاستقرار المالي والنقدي من جهة وإعادة تنشيط الدورة الاقتصادية من جهة أخرى. أيضا"، أحد اهداف هذا القانون هي لجم الطلب على العملات الأجنبية محليا".

ولكن لا يمكن للسلطات الاكتفاء بتوحيد أسعار الصرف من جهة، واهمال او تأجيل الإصلاحات البنيوية الأخرى من جهة أخرى لأسباب برعت السلطة السياسية بابتكارها.

اذ يجب ان يسبق او يواكب توحيد أسعار الصرف معالجة الاختلالات المزمنة في المالية العامة، وإعادة هيكلة القطاع العام، ومكافحة التهرب الضريبي وتفعيل الجباية، ووقف احتكار القطاع العام لإدارة المرافق الحيوية مثل الكهرباء والاتصالات، ومكافحة التهريب عبر الحدود والتهرّب الجمركي، واصلاح نظام التقاعد في القطاع العام، و بدء المفاوضات بين الحكومة و حاملي سندات اليوروبوند بسبب قرار الحكومة السابقة التعثر عن تسديد مستحقاتها الخارجية، وتحسين بيئة الاعمال والمناخ الاستثماري، ورفع مستوى تنافسية الاقتصاد، وإعادة تأهيل البنى التحتية، وضمان استقلالية القضاء، وتطبيق مبادء الحوكمة و الإدارة الرشيدة في القطاع العام. ولكن يبقى تطبيق هذه الإصلاحات المعيار الوحيد لمصداقية السلطة السياسية، اذ انها كانت وما زالت مدرجة على جدول اعمال الحكومات المتعاقبة منذ عشرين سنة على الاقلّ.


الكاتب

نسيب غبريل

مقالات أخرى للكاتب

العدد 54

الخميس 30 أيلول 2021

كيف يمكن استخدام حقوق السحب الخاصة التي خصصها صندوق النقد الدولي للبنان؟

نسيب غبريل


أعلن صندوق النقد الدولي في 23 آذار من العام الحالي قراره بتخصيص ما يوازي 650 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة (Special Drawing Rights) للبلدان الأعضاء في الصندوق؛ وذلك من أجل دعم احتياطي هذه البلدان بالعملات الأجنبية وتقليص فجوة احتياجات هذه البلدان من التمويل الخارجي.

العدد 49

الثلاثاء 04 أيار 2021

إمكانية توحيد أسعار صرف الدولار الأميركي في الاقتصاد اللبناني

نسيب غبريل


يعاني الاقتصاد اللبناني من تعدد لأسعار صرف الدولار الأميركي، وذلك بسبب التراجع الحاد لتدفق رؤوس الأموال الى لبنان منذ أواخر الـ 2019 وخصوصا" بعد قرار الحكومة الحالية التعثر عن تسديد مستحقاتها على سندات اليوروبوند. فالأسعار الموجودة هي سعر الصرف الرسمي، وسعر صرف لسحوبات الودائع المصرفية بالدولار بالليرة اللبنانية، وسعر صرف المنصة الالكترونية، وسعر صرف السوق الموازي، وسعر صرف مُقترح للمساعدات الإنسانية.

العدد 48

الخميس 01 نيسان 2021

الأسباب الرئيسية لتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية

نسيب غبريل


تدهور مؤخرا" سعر صرف الليرة اللبنانية في السوق الموازية ووصل سعر صرف الدولار الأميركي الى حدود الـ 15 الف ليرة، و لكنه عاد و تراجع في ما الى ما دون الـ 13 الف ليرة بعد ان تراوح سعر الصرف لعدة اشهر بين الثمانية آلاف ليرة و التسعة آلاف ليرة. فما هي أسباب تدهور سعر صرف العملة الوطنية؟


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك