نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 48

الخميس 01 نيسان 2021

الأسباب الرئيسية لتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية

مقال اقتصادي

نسيب غبريل

تدهور مؤخرا" سعر صرف الليرة اللبنانية في السوق الموازية ووصل سعر صرف الدولار الأميركي الى حدود الـ 15 الف ليرة، و لكنه عاد و تراجع في ما الى ما دون الـ 13 الف ليرة بعد ان تراوح سعر الصرف لعدة اشهر بين الثمانية آلاف ليرة و التسعة آلاف ليرة. فما هي أسباب تدهور سعر صرف العملة الوطنية؟

أولا"، ظهور سوق موازي لسعر صرف الدولار يعود الى التراجع الحاد في تدفق رؤوس الأموال الى لبنان منذ أيلول 2019 نتيجة ازمة الثقة التي نشبت منذ أواخر الـ 2017 والتي تفاقمت تدريجيا" لتتحول الى انتفاضة شعبية في 17 تشرين الأول من سنة الـ 2019. وأزمة الثقة هذه جاءت بسبب التلكؤ والتغاضي عن تطبيق الإصلاحات البنيوية وتصحيح الاختلالات في المالية العامة ومعالجة ازمة الكهرباء التي تستنزف موارد الخزينة، بالتوازي مع إنفلاش حجم القطاع العام والتوظيف العشوائي وعدم مكافحة التهرب الضريبي والتهريب عبر الحدود والتهرب الجمركي، بالإضافة الى فرض ضرائب بشكل عشوائي على القطاع الخاص وعلى الأُسَر. فهذه العوامل اجتمعت لضرب ثقة المواطن اللبناني والقطاع الخاص والاغتراب اللبناني وأدّت الى تراجع تدفق رؤوس الأموال الى لبنان تدريجيا"، وخصوصا" منذ ايلول الـ2019.

ثانيا"، ادّى التراجع الحاد في تدفق رؤوس الأموال الى لبنان الى شح في السيولة بالعملات الأجنبية في الاقتصاد اللبناني مما ادّى الى ظهور سوق موازي لسعر صرف الدولار لأول مرة منذ 25 سنة، أي منذ بدء تنفيذ سياسة تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية. وأهمية هذه التدفقات تكمن في انها تساهم في تمويل

ثالثا"، التراجع الحاد في تدفق رؤوس الأموال ليس حكرا" على لبنان، اذ ان العديد من البلدان عانت من نفس المشكلة. ولكن الفرق بين لبنان والدول الُأخرى هو ان سلطات هذه البلدان اتخذت فور اندلاع الازمة إجراءات أدّت الى استقرار الوضع النقدي والمصرفي مما ساهم باستعادة الثقة تدريجيا" والخروج من الأزمة مع الوقت. وأول وأبسط هذه الإجراءات هي إقرار قانون تنظيم التحويلات المالية الى الخارج والسحوبات النقدية بالعملات الأجنبية في الداخل، أي ما يعرف بقانون الـ.Capital Controls ولكن، بعد سنة ونصف السنة على اندلاع الأزمة، وبالرغم من الحاح جمعية المصارف في لبنان منذ تشرين الأول من الـ2019 كما العديد من الخبراء على ضرورة إقرار هكذا قانون، ما زالت السلطات المعنية تهمل هذا الموضوع لأسباب مجهولة بالرغم من انه أحد شروط صندوق النقد الدولي لتوقيع اتفاق تمويلي إصلاحي مع لبنان يؤدّي الى إعادة تدفق رؤوس الأموال الى لبنان تدريجيا".

رابعا"، ان قرار الحكومة الحالية في التعثر عن تسديد مستحقات لبنان الخارجية على سندات اليوروبوند و التي اتخذته في آذار الـ2020 فاقم أزمة السيولة اذ ان هذا القرار ادّى الى توفق بالكامل للقليل من رؤوس أموال التي كانت ما زالت تأتي الى لبنان. كما ان هذا القرار ادّى الى تهميش القطاع المصرفي اللبناني عن النظام المصرفي العالمي وعزل الاقتصاد اللبناني عن النظام المالي والتجاري العالمي. ولحين نشر هذا المقال، لم تبادر الحكومة على بدء المفاوضات مع حاملي سندات اليوروبوند أي مع المؤسسات المالية اللبنانية والأجنبية، أي بعد أكثر من سنة على قرار التعثر. وهذا ما فاقم ازمة الثقة وشح السيولة في السوق اللبناني. وبالتالي تسارعت وتيرة تدهور سعر الليرة منذ هذا القرار من ما يقارب الألفين ليرة لكل دولار أميركي قبل قرار التعثر الى أكتر من ثمانية آلاف ليرة في الأسابيع و الأشهر التي تلت هذا القرار.

خامسا"، استيراد المشتقات النفطية والأدوية والمعدات الاستشفائية وما يقارب ثلاث مئة سلعة غذائية من جهة، وجفاف مصادر العملات الأجنبية التي كانت تغزّي احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية من جهة اخرى، ادّى الى استنزاف هذا الاحتياطي. اذ بلغت موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية 22,5 مليار دولار في منتصف آذار 2021، أي بتراجع بقيمة 13,2 مليار دولار، أو بنسبة %37، من 35,7 مليار دولار في منتصف آذار 2020. تشمل الموجودات بالعملات الأجنبية سندات يورو بوند لبنانية بقيمة 5,03 مليار دولار مقارنة بـ5,35 مليار دولار في منتصف آذار 2020. وعند استثناء سندات اليورو بوند اللبنانية، بلغت موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية 17,5 مليار دولار في منتصف آذار 2021، أي بانخفاض بقيمة 12,9 مليار دولار، أو بنسبة %42,4، من 30,4 مليار دولار في منتصف آذار 2020. و قد حذر مصرف لبنان مرارا" ان تراجع الاحتياطي سيلامس الودائع الإلزامية للمصارف التجارية أي أموال المودعين.

سادسا"، ان الجمود السياسي وعدم تشكيل حكومة تحظى بثقة الداخل والخارج وعدم انطلاق العملية الاصلاحية شجع المضاربين على استغلال الفراغ الحالي والتحكّم في تقلبات سعر الصرف في السوق الموازي. كما ان استفحال تهريب المواد والسلع المدعومة عبر الحدود لجني الربح السريع وعدم وقف هذا التهريب، بالإضافة الى عدم وجود إرادة سياسية جدية لتعديل آلية الدعم من اجل وقف نزيف احتياطي مصرف لبنان ساهمت في الهلع القائم وبالتهافت على السوق الموازي من اجل شراء الدولار، وهذا يدوره أدّى الى تشجيع المضاربة واستغلال المضاربين للوضع القائم.

سابعا"، ان الإجراءات التي أُعلن عنها مؤخرا" للجم تدهور سعر الصرف تشكل قرارات موضعية ومؤقتة و لا تعالج جذور الأزمة. اذ ان المطلوب هو إعادة تدفق رؤوس الأموال الى الاقتصاد اللبناني وتوحيد اسعار صرف الدولار المتعددة الموجودة حاليا" في الاقتصاد اللبناني. و هذا يتم فقط من خلال استعادة الثقة التي بدورها تحتاج الى الاتفاق مع صندوق المقد الدولي على برنامج تمويلي إصلاحي للنهوض من الأزمات الني بعاني منها الاقتصاد اللبناني.


الكاتب

نسيب غبريل

مقالات أخرى للكاتب

العدد 62

الخميس 02 حزيران 2022

كيف يمكن لجم تقلبات سعر صرف الدولار الأميركي في الاقتصاد اللبناني؟

نسيب غبريل


شهد لبنان في أيلول 2019 ظهور سوق موازي لسعر صرف الدولار الأميركي، وذلك لأول مرة منذ تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية في منتصف التسعينات من القرن الماضي، أي منذ ما يقارب الخمسة وعشرون سنة.

العدد 54

الخميس 30 أيلول 2021

كيف يمكن استخدام حقوق السحب الخاصة التي خصصها صندوق النقد الدولي للبنان؟

نسيب غبريل


أعلن صندوق النقد الدولي في 23 آذار من العام الحالي قراره بتخصيص ما يوازي 650 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة (Special Drawing Rights) للبلدان الأعضاء في الصندوق؛ وذلك من أجل دعم احتياطي هذه البلدان بالعملات الأجنبية وتقليص فجوة احتياجات هذه البلدان من التمويل الخارجي.

العدد 49

الثلاثاء 04 أيار 2021

إمكانية توحيد أسعار صرف الدولار الأميركي في الاقتصاد اللبناني

نسيب غبريل


يعاني الاقتصاد اللبناني من تعدد لأسعار صرف الدولار الأميركي، وذلك بسبب التراجع الحاد لتدفق رؤوس الأموال الى لبنان منذ أواخر الـ 2019 وخصوصا" بعد قرار الحكومة الحالية التعثر عن تسديد مستحقاتها على سندات اليوروبوند. فالأسعار الموجودة هي سعر الصرف الرسمي، وسعر صرف لسحوبات الودائع المصرفية بالدولار بالليرة اللبنانية، وسعر صرف المنصة الالكترونية، وسعر صرف السوق الموازي، وسعر صرف مُقترح للمساعدات الإنسانية.


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك