نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 54

الخميس 30 أيلول 2021

كيف يمكن استخدام حقوق السحب الخاصة التي خصصها صندوق النقد الدولي للبنان؟

مقال اقتصادي

نسيب غبريل

أعلن صندوق النقد الدولي في 23 آذار من العام الحالي قراره بتخصيص ما يوازي 650 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة (Special Drawing Rights) للبلدان الأعضاء في الصندوق؛ وذلك من أجل دعم احتياطي هذه البلدان بالعملات الأجنبية وتقليص فجوة احتياجات هذه البلدان من التمويل الخارجي.

وحسب تعريف صندوق النقد الدولي، فإن حقوق السحب الخاصة هي أصل احتياطي دولي استحدثه الصندوق في عام 1969 ليكون مكمّلا للاحتياطيات الرسمية الخاصة ببلدانه الأعضاء. وكان هذا التوزيع الأخير للمخصصات يستهدف معالجة حاجة العالم للاحتياطيات على المدى الطويل، ومساعدة البلدان على تجاوز تأثير جائحة كورونا. وتتحدد قيمة حق السحب الخاص وفقا لسلة من خمس عملات هي الدولار الأمريكي واليورو واليوان الصيني والين الياباني والجنيه الإسترليني. ويُستخدم حق السحب الخاص كوحدة حساب في الصندوق والمنظمات الدولية الأخرى.

في هذا السياق، قال صندوق النقد الدولي في 23 آب أنه خصّص للبنان 607.2 مليون من السحوبات الخاصة، أي ما يوازي 864 مليون دولار. وقد حصل لبنان رسميًا في 16 أيلول على ما يوازي 1.135 مليار دولار من السحوبات الخاصة، مقسّمة إلى 863 مليون دولار للعام 2021 و275 مليون دولار من العام 2009، حيث خصّص صندوق النقد في ذلك العام 250 مليار دولار للدول الأعضاء لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية في ذلك الوقت.

ومنذ أن أعلن الصندوق عن تخصيص هذه الأموال للبنان، تسابق عدد كبير من السياسيين لتحديد وجهة إنفاق هذا المبلغ، وكأنهم عثروا على كنزٍ قذفته أمواج البحر الأبيض المتوسط إلى الشاطئ اللبناني. فهناك من يريد صرف اﻠ1.135 مليار دولار على البطاقة التمويلية، ومن يريد استخدام المبلغ لاستمرار مصرف لبنان بدعم استيراد المشتقات النفطية، ومن يريد انفاق هذه الاموال لإنشاء شبكة نقل عام، ومن يريد تخصيصها لدعم القطاع الصحي والمستشفيات، ومن يعتقد أن المبلغ يجب أن يذهب لزيادة رواتب وأجور ومخصصات العاملين في القطاع العام، ومن يريد إنفاق المليار على التعليم العام، ومن يعتقد ان المبلغ يجب ان يُنفق على مكافحة جائحة كورونا، بالإضافة الى تخصيصه لدعم سعر الدواء و حتى لمحاربة الاحتباس المناخي، على سبيل الذكر لا الحصر. وإذا جمعنا كل هذه الأفكار والاقتراحات، نرى أن النفقات عليها، إن تحققت، قد تتخطى ليس فقط المبلغ الناتج عن السحوبات الخاصة، بل تتخطى العشر مليار دولار على أقلّ تقدير.

وهذا لا يجب أن يفاجئ أحد، إذ أن شهية الطبقة السياسية لإنفاق السحوبات الخاصة فُتِحَت على مصراعيها مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، ومع الاعتقاد أن المبلغ هو هدية من صديق عزيز يمكنهم التصرف بها كما يشاؤون. ولكن الواقع مختلف تمامًا، إذ أن طريقة ووجهة استخدام السحوبات الخاصة التي خصصها الصندوق للبنان، ستكون بمثابة مؤشر عن جديّة السلطة السياسية بالتعاطي مع الأزمات المتراكمة التي تعصف بلبنان، وسيعكس مدى إرادة السلطة بتطبيق الإصلاحات البنيوية الاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية والاجتماعية.

وقد أشار صندوق النقد الدولي أن حقوق السحوبات الخاصة ستدعم احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، وستساعد البلد لمواجهة الضرورات الملحّة للشعب اللبناني. كما أضاف الصندوق أن هذه المخصصات ليس من شأنها أن تكون الحلّ لمشاكل لبنان البنيوية الطويلة الأمد. كما حث الصندوق السلطات اللبنانية على استعمال السحوبات الخاصة بشكل مسؤول وعقلاني، واستخدامها بطريقة يستفيد منها البلد والشعب اللبناني بشكل فعّال وبطريقة مستدامة. وأضاف أن صرف السحوبات الخاصة هو قرار سيادي ويعود إلى الدولة اللبنانية، لكنه اعتبر أنه من حق الشعب اللبناني أن يعرف كيف ستُستخدم هذه الأموال. لذلك دعى الصندوق شركاء لبنان المحليين والدوليين على تأمين الشفافية والمحاسبة في طريقة استخدام وصرف مخصصات لبنان من حقوق السحوبات الخاصة.

ويوازي مبلغ اﻠ1.135 مليار دولار خمسة بالمئة من الناتج المحلي اللبناني في2021، أي أن صرف المبلغ بكامله سيكون له تداعيات على الاقتصاد اللبناني، نظرًا لحجمه نسبة لحجم الاقتصاد. لذلك من الضروري وقف المزايدات الانتخابية المغلّفة بالشعبوية الزاحفة فيما يخص هذا المبلغ، واعتباره بنفس مرتبة احتياطي الذهب لدى مصرف لبنان والتعامل مع السحوبات الخاصة كما يعامَل احتياطي الذهب، أي بعدم المساس بالمبلغ واحتسابه من ضمن احتياطي مصرف لبنان للعملات الأجنبية.

أما بالنسبة لشهية الطبقة السياسية، فمن الأجدى توجيهها نحو الإصلاحات البنيوية لتقليص النفقات العامة، وتفعيل الجباية، ومكافحة التهرّب الضريبي والجمركي، واتخاذ قرار بوقف التهريب، واشراك القطاع الخاص في إدارة القطاعات الحيوية التي يحتكرها ويديرها القطاع العام لغاية اليوم كالكهرباء والاتصالات والمياه والمرافق. وهذا ما سيسمح بارتفاع إيرادات الخزينة وبتقليص العجز في الموازنة العامة وبإيجاد أموال لصرفها على إنشاء شبكة استقرار اجتماعي، والأهم، باستعادة ثقة المواطن والمغترب اللبناني والمجتمع الدولي، وبكفّ يد ويطفىء شهية السياسيين عن المال العام.


الكاتب

نسيب غبريل

مقالات أخرى للكاتب

العدد 62

الخميس 02 حزيران 2022

كيف يمكن لجم تقلبات سعر صرف الدولار الأميركي في الاقتصاد اللبناني؟

نسيب غبريل


شهد لبنان في أيلول 2019 ظهور سوق موازي لسعر صرف الدولار الأميركي، وذلك لأول مرة منذ تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية في منتصف التسعينات من القرن الماضي، أي منذ ما يقارب الخمسة وعشرون سنة.

العدد 49

الثلاثاء 04 أيار 2021

إمكانية توحيد أسعار صرف الدولار الأميركي في الاقتصاد اللبناني

نسيب غبريل


يعاني الاقتصاد اللبناني من تعدد لأسعار صرف الدولار الأميركي، وذلك بسبب التراجع الحاد لتدفق رؤوس الأموال الى لبنان منذ أواخر الـ 2019 وخصوصا" بعد قرار الحكومة الحالية التعثر عن تسديد مستحقاتها على سندات اليوروبوند. فالأسعار الموجودة هي سعر الصرف الرسمي، وسعر صرف لسحوبات الودائع المصرفية بالدولار بالليرة اللبنانية، وسعر صرف المنصة الالكترونية، وسعر صرف السوق الموازي، وسعر صرف مُقترح للمساعدات الإنسانية.

العدد 48

الخميس 01 نيسان 2021

الأسباب الرئيسية لتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية

نسيب غبريل


تدهور مؤخرا" سعر صرف الليرة اللبنانية في السوق الموازية ووصل سعر صرف الدولار الأميركي الى حدود الـ 15 الف ليرة، و لكنه عاد و تراجع في ما الى ما دون الـ 13 الف ليرة بعد ان تراوح سعر الصرف لعدة اشهر بين الثمانية آلاف ليرة و التسعة آلاف ليرة. فما هي أسباب تدهور سعر صرف العملة الوطنية؟


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك