نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 61

السبت 30 نيسان 2022

هل تريدون دولة مدنية حقاً؟

ملح الارض

عباس خلف

"اننا نتوجه من المسؤولين اللبنانيين ان يتركوا جانباً امور نجاحهم اوفشلهم في الانتخابات ، وان يترفعوا عن طوحاتهم الشخصية ، ويهتموا بمصلحة الوطن والمواطنين بعد المعاناة التي حلت بلبنان في هذا العهد من تفاهة الحكم وضعف السلطات وانحطاط القيم الاخلاقية وتصاعد العصبية الطائفية والانقسامات."

(كمال جنبلاط : كتاب "اسس بناء الدولة اللبنانية وتنظيم شؤونها" ص. 329)

نحن في رابطة اصدقاء كمال جنبلاط ، على ضوء ما يتردد على السنة بعض السياسيين اللبنانيين من دعوات لاقامة دولة مدنية في لبنان ، ووفاء منها لفكر المعلم كمال جنبلاط ، ورؤاه المستقبلية ، نعلن التزامنا بما كان اعلنه ، عن قناعة في 30 ايار سنة 1959 "يهمنا ان نعلن تمسكنا بكيان لبنان ، وباستقلاله، وبتعاونه اايجابي مع الاشقاء العرب. وندعو جميع اللبنانيين الى نبذ العنف ، ووقف الدعوات الطائفية والمذهبية والفئوية والشخصية الضيقة. ونوجه نداء الى الشعب اللبناني بأن يتجاوز كل ما يباعد بين اللبنانيين لكي ينهض لبنان ويتقدم ويناضل شعبه من اجل اقامة دولة مدنية علمانية هي الشرط الاساسي الكفيل يتوحيد اللبنانيين وبصهرهم شعباً واحدا في كيان مستقل."

كان قد سبق لرابطتنا ان طرحت جائزة كمال جنبلاط التقديرية لمن تميز بحثا او ممارسة من اجل بناء الدولة المدنية في لبنان سنة 2015، ومنحت الجائزة للمغفور له المطران غريغوار حداد على نضاله من اجل المجتمع المدني والدولة المدنية.

ونعود اليوم الى هذا الطرح لنحدد مع المعلم كمال جنبلاط الاسباب الموجبة والشروط اللازمة لاقامة دولة مدنية فعلية في لبنان.

لبنان الذي قام سنة 1920 كان دولة هجينة : دستورها مدني لا ينص على دين معين للدولة ، ونظامها طائفي مذهبي على مستوى السلطات الحاكمة ، وعلى مستوى الانتخابات وتوزيع الوظائف ، ولكل طائفة فيها قانونها الخاص للاحوال الشخصية . ومنذ ذلك التاريخ، وحتى اليوم ، رغم التعديلات الدستورية ، وخاصة تلك التي اجريت مع اعلان الاستقلال سنة 1943، وبعد اتفاق الطائف سنة 1989 و 1990، استمر ارباب النظام الطائفي في تمسكهم بهذا التركيب الذي ورد في المادة 95 من الدستور عند وضعه بأنها مؤقتة ريثما تقوم في لبنان الدولة المدنية ، واستمر رغم تعديلات سنة 1990 التي رسمت خريطة طريق مرحلية لهذا الغرض. طوال هذه المدة استطاع ارباب النظام الطائفي في انتاج انفسهم او في انتاج ذويهم ، محاصصة حيناً ومناكفة احياناً مصحوبة بتوترات وحروب الغائية تقتل على الهوية.

اليس قمة الاستغراب والتعجب فيما لبنان يعاني من تفاقم الاوضاع على كل المستويات وفي كل المجالات ، ان يتبارى بعض اركان النظام الطائفي في الدعوة الى تغيير النظام واقامة دولة مدنية في لبنان ؟ الا يدرك هؤلاء انهم يطلبون الشيء من نقيضه؟ هل يريدونمن اللبنانيين ان يصدقوهم ويصفقوا لهم وان يعيدوا انتخابهم للاستمرار في النهج الذي اعتمدوه واوصل البلد الى هذا الانهيار؟

من حق كل مواطن لبنان اليوم ، في ظل المعاناة الشاملة والنقمكة العارمة على المنظومة الطائفية للسلطة ، ان يوجه الى بعض اربابها هذا السؤال: هل تريدون حقاً اقامة دولة مدنية في لبنان ؟ وعن اية دولة مدنية يتحدث الطائفيون؟

وحده كمال جنبلاط انفرد بين السياسيين اللبنانيين منذ بدء تعاطيه الشأن السياسي في اربعينات القرن الماضي ، بالتحرر من القيود الطائفية والعائلية ويناضل من اجل قيام دولة المشاركة والتضامن والمساواة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص من اجل "وطن حر وشعب سعيد ".

وقد اثمر نضاله لبوغ الوعي السياسي اوجه في لبنان في اواخر ستينات وبداية سبعينات القرن الماضي ، وارتفعت اصوات المثقفين وطلاب الجامعات للمطالبة بقيام دولة مدنية علمانية . قاد كمال جنبلاط هذه الدعوة ورسم لها خطة مرحلية للاصلاح السياسي الهادف الى اقامة دولة مدنية علمانية حقيقية يرى فيها السبيل الوحيد لتحديث لبنان وضمان استقلاله وسيادته واستمراره. واعلن عن هذا البرنامج في 17 آب من العام 1975 .

رأى الطائفيون في الداخل والطامعون في الخارج في هذا البرنامج خطراً على مصالهم وانظمتهم وفتآمروا على كمال جنبلاط واغتالوه في 16 آذار 1977 .

وعلى الاثر تراجعت موجة التنوير وتهاوت امام ضربات ارباب الرجعية والطائفية والديمكتاتورية في لبنان والمنطقة، واوصلت لبنان الى هذا الكم الهائل من المعاناة.

واذا كانت الدعوات الصادرة اليوم عن بعض القيادات لاقامة الدولة المدنية ناتجة عن صحوة ضمير فاننا ندعوهم الى التبصر والافادة من الرؤية التي رسمها كمال جنبلاط في دراسة له نشرها في جرية اليوم في 12/2/1969 تحت عنوان :

"لا ديموقراطية مع الطائفية ولا شعب موحد بدون العلمانية" اوضح فيها كيف افسدجت الطائفية نظام الحم الديموقراطي البرلماني في لبنان ، وعطلت تطبيق الدستور ، وحالت دون اقامة الدولة المدنية :

" اولاً: ان الطائفية السياسة مزقت شمل الشعب اللبناني وجعلته شعوباً متنوعة ومتعددة سياسياً على قدر ما كانت تنتمي الى طوائف متنوعة ومتعددة، ولاؤها للطائفة على حساب الولاء للوطن، فيما النظام البرلماني الدستوري يستلزم في مقوماته وركائزه الجوهرية قيام شعب موحد سياسياً . ووقف الطائفيون ولا زالوا يقفون في وجه اي محاولة لتوحيد اللبنانيين وصهرهم في وحدة معيشية وسياسية .

ثانياً: ان الطائفية السياسة المعمول بها في لبنان حالت ولا زالت تحول دون تطبيق المبدأ الرئيسي الذي ترتكز اليه كل ديموقراطية سليمة ونعني به المساواة الكاملة امام السلطات وامام القانون في الحقوق والواجبات الشخصية والسياسية ، وفي التمتع بالحريات العامة . وحيث تنعدم هذه المساواة لأي سبب من الاسباب لا يمكن ان تقوم ديموقراطية للتناقض المبدئي بين الطائفية والديموقراطية.

ثالثاً: ان تطبيق قاعدة الطائفية السياسية في الدستور او في الحكم او في القوانين العامة اقفل، في معظم الاحيان ، الابواب في وجه ارباب الكفاءة السياسية والمعنوية والعلمية وحال دون الافادة من كفاءاتهم في ادارة شؤون الدولة .

رابعاً: ان النظام الديموقراطي والبرلماني بشكل خاص يفترض قيام وتحقيق علمانية الدولة وبدون علمانية لا يتحقق توحيد الشعب . فيما نظام الطائفية السياسية يقوم على اساس انتساب الدولة الى معتقد ديني معين او مشاركة وتعايش معتقدات دينية مختلفة ومتنافرة بحكم واقعها في مستوى الاحكام على شكل فدرالية الطوائف.

نحن نرى ان لا وطن قومي مسيحي في لبنان ولا وطن قومي اسلامي ، ولا طغيان سياسي لطائفة عل سائر الطوائف بل دولة مدنية علمانية تلتزم بالقيم المعنوية والروحية والاخلاقية التي تجلّت في تعاليم الاديان وشراعها الاخلاقية ودورها الانساني انطلاقاً من شعار الله محبة."


الكاتب

عباس خلف

مقالات أخرى للكاتب

العدد 48

الخميس 01 نيسان 2021

مواقف لكمال جنبلاط ترسم خريطة طريق لانقاذ حاضر الوطن ومستقبل الكيان

عباس خلف


في السادس عشر من شهر آذار سنة 1977، اغتالت يد الغدر المعلم كمال جنبلاط قبل ان يتم الستين من عمره. وترك على هذه الارض الطيبة التي ناضل من اجل مستقبل افضل لمواطنيها، دعوة للبنانيين للثورة على الظلم والوصاية والتبعية والفساد والتحرر من السجن الكبير. لقد اغتالوا جسد المعلم ، ولكن فكره باق بقاء هذه الارض والتغيير آتٍ لا محالة اذا اراد اللبنانيون لوطنهم ان يستمر ويدوم

العدد 47

الثلاثاء 02 آذار 2021

كلمة حق

عباس خلف


"ان كلمة الحق التالية نشرتها على الفيسبوك بتاريخ 22 نيسان 2014، وقد كتبت بموضوعية وصدق بصرف النظر عن علاقة الصداقة التاريخية بين جان عبيد وبيني. وقد وجدت من المناسب ان اعيد نشرها في "ملح الارض" للتاريخ والذكرى، ولأن الفقيد الغالي حافظ على الالتزام الصارم بالقيم الاخلاقية والانسانية الى آخر يوم من حياته. تحية محبةٍ ووفاء الى روحه الطاهرة."

العدد 46

الإثنين 01 شباط 2021

عن اية دولة مدنية يتحدثون؟

عباس خلف


لبنان اليوم مهدد بكيانه ، وبمعاناة شعبه التي لم يشهد لها مثيلاً في اصعب مراحله التاريخية : انهيار مالي واقتصادي، اختناق اجتماعي، فقر مدقع وبطالة، هجرة تواجه اقفال ابواب السفارات في وجهها، دول شقيقة وصديقة تحولت عن الاهتمام بالقضايا

العدد 43

الثلاثاء 03 تشرين الثاني 2020

ملح الارض - قضايا الفكر يسيئ اليها الاجتزاء ، وتستدعي التجرد وحسن الاطلاع

عباس خلف


مناسبة هذا العنوان كلام مجتزأ نسب الى المعلم كمال جنبلاط، وخلق التباساً حول رؤية صاحبه للبنان الحداثة، وصوّره داعية للتقسيم الطائفي وفدرالية الطوائف. وبما اننا في رابطة اصدقاء كمال جنبلاط مؤتمنون وحريصون على ابراز تراث كمال جنبلاط الفكري والسياسي


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك