مناسبة هذا العنوان كلام مجتزأ نسب الى المعلم كمال جنبلاط، وخلق التباساً حول رؤية صاحبه للبنان الحداثة، وصوّره داعية للتقسيم الطائفي وفدرالية الطوائف. وبما اننا في رابطة اصدقاء كمال جنبلاط مؤتمنون وحريصون على ابراز تراث كمال جنبلاط الفكري والسياسي على حقيقته، فهو في رؤيته المستقبلية للبنان الوطن، ناضل بعناد ضد النظام القائم على الطائفية السياسية ، واعتبرها اخطر ما يواجه لبنان ويمنع تطوره وتحوله الى دولة مدنية علمانية تحقق للجميع العدالة والمساواة وتكافؤ الفؤص.
الكلام المجتزأ المسنوب لكمال جنبلاط مأخوذ من محاضرة له القاها في الندوة اللبنانية بدعوة من رئيسها الاستاذ ميشال اسمر بتاريخ 10 كانون الاول 1956 مدوّنة في منشورات الندوة، وواردة في كتاب له عنوانه: "لبنان في واقعه العربي ومرتجاه" في الصفحات من 16 الى 94.
وابرازاً للحقائق وتوضيحاً لفكر كمال جنبلاط ومسيرته،، نورد ما يأتي:
"من الوجهة المكانية والجغرافية والمناخية والسكانية يشكل لبنان اتحاداً فدرالياً وواقعيا للقرى والاقاليم والتقاطيع الجغرافية الطبيعية.وفي واقعه الحديث يشكل اتحاداً فدرالياً ما بين جبل لبنان الصغير والمدن الساحلية ، والوهدة البقاعية، بين لبنان المقيم ولبنان المهاجر. لبنان السياسي قائم على هذا التنوع العجيب، منه يستمد هذه الحرية وهذه المساحة وهذه التقاليد الراسخة في الشورى والديموقراطية. لبنان وجد فعلاً ليكون بلد اللامركزية، ولم ينجح حكم في لبنان سوى حكم اللامركزية." ص. 35 – 36
وفي مكان آخر من المحاضرة تحت عنوان : "وحدة العيش وحدة الحياة المشتركة" اورد كمال جنبلاط ما يلي:
"في هذا الاطار الجغرافي – واقع المكان – وفي هذا القالب المعنوي التاريخي الحضاري المتصل – واقع الزمان – كان لبنان، ولا يزال ، بالرغم من التناقضات والتعاكسات والتنوعات التي يحتضنها، كان ولا يزال يشكل وحدة للعيش واحدة، وقد يكون في ذلك السر والسبب الذي يجعل التناقضات والمفارقات والاختلافات والازمات كافة تجد في النهاية لها حلا واقعيا منسجماً وتسوية معقولة. فوحدة العيش، وحدة الاقتصاد، وحدة الحياة، وحدة الاختلاط والاشتراك هي الغالبة على الدوام. وفي الواقع، ان الكيان اللبناني رغم ما يمر به من عواصف يتأكد ويتثبت على الدوام، وقد يدرك ابناؤه مستقبلاً انهم ابناء هذه الوحدة الحياتية قبل ان بكونوا نصارى وسنة وشيعة ودروز وسواها من المذاهب." ص. 66 – 68
وتحت عنوان "ما نرتجيه للبنان"، حدد كمال جنبلاط بعض ما يلحظه من اتجاهات واهداف:
- لبنان بلد العقلانية: ففي واقعه انه مجهز لكي يلعب دور العقلانية السليمة في الشرق الاوسط المجردة من شتى تيارات الجهالة. فلولا العقلانية لما قام لبنان ونما وتطور وسط هذا الكومنولت، هذا الاتحاد الفدرالي الغريب لتنوع اغرب من الاقاليم والعائلات الروحية وملتقى الحضارات القديمة والحديثة وسواها من وجوه التنوع في المنطقة المتوسطية . فجميع دول المنطقة تستطيع ان تتوجه الى الروح الفدرالية التي تؤمن الاستقرار الداخلي وترضي الاقليات المذهبية والاثنية." ص. 70 – 71
- لبنان بلد التقدم والمبادرة الحرة "ان ما نرتجيه للبنان ان يكون بلد التقدم على ان يبقى دائماً بلد المبادرة الحرة والحياة الحرة" (ص.81)
- لبنان بلد التسامح الديني الحقيقي، هذا ما نرتجيه للبنان لا بلد التعايش الديني، اي بلد التعصب والحقد الديني الدفين. (ص. 91)
- وفي مطلع ستينات القرن الماضي حدد كمال جنبلاط رؤيته للبنان المستقبل تحت عنوان : "علمانية الدولة شرط بقاء لبنان وضمان وحدة بنيه" جاء فيه:
• " لبنان قطر عربي وكيان سياسي مستقل ودولة علمانية لا تمييز فيها بين مواطن ومواطن.
• الاعتراف بالقومية العربية بمفهومها العلماني كدافع اساسي لتوحيد الشعور ونشر روح الاخوة والمساواة.
• في المرحلة التي يمر بها العالم العربي ويجتازها لبنان يعتبر قيام كيان لبنان والحفاظ على استقلاله ضرورة وطنية، على ان يتحرر اللبنانيون من العصبية السياسية الطائفية ونزعاتها الهدامة.
• مهمة العهد القائم وكل عهد ورسالة الوعي الوطني في لبنان يجب ان تنحصر في توجيه نشاطات المواطن وجهود السلطة الى علمنة الدولة.
• احترام حقوق الاقليات المعنوي : لا وطناً قومياً مسيحياً في لبنان – ولا وطناً قومياً اسلامياً، ولا طغياناً سياسياً لطائفة على طائفة، بل دولة مدنية علمانية تحترم مبادئ الاديان، فعلمانية الدولة شرط بقاء لبنان وضمان وحدة اللبنانيين ."
(المرجع: كتاب كمال جنبلاط "اسس بناء الدولة اللبنانية وتنظيم شؤونها" ص. 263 - 264)
وهكذا:
ان كمال جنبلاط كان دوماً ضد الطائفية والتقسيم الطائفي، ونصيراً مناضلاً للدولة المدنية العلمانية