نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 65

الثلاثاء 30 آب 2022

عودة النازحين السوريين تنتظر الحلول السياسية

يقظان التقي

تعود قضية اللاجئين السوريين في بلدان الجوار الى الواجهة ، وهذه المرة من الزاوية اللبنانية التي تعاني اشباعات في السجالات ، التي تجري بشأنها موسميا ، وبمحصلة تطوى على اللاشيء ، لجهة انحراف الملف عن أهدافه ، في ظل غياب الحلول السياسية . هي العودة الى المراوحة والشعبوية السياسية ، تضاف اليها معاناة العائلات السورية النازحة ، هربا من المجازر والتنكيل ، والممارسات التعسفية التي رافقت الحرب . يتحول الملف الى قنبلة على طاولة اللبنانيين اليومية ، الغارقة بالأزمات الداخلية ، ما يعزز التوترات التي تثير فوضى على فوضى ، لن يفيدها تحميل النازحين مسؤولية الانهيارات القائمة .

11 عاما مضت على بداية الثورة السورية ، تحولت الى حرب عشوائية / تدميرية ، اعتمدها النظام السوري وحلفائه ضد السوريين ، أسفرت عن نزوح نصف الشعب السوري ، في نكبة انسانية تعد الأكبر بعد نكبة فلسطين العام 1948، وما زالت تتوالى مأسويا .

لبنان من دول الجوار ، التي نزح اليها السوريون من مدنهم وقراهم ، وتثير عملية نزوحهم ، قلقا كبيرا ، تحول وجوديا بأبعاده الديمغرافية ، الأجتماعية ، الأقتصادية ، الإثنية .

11 عاما ، لم تقدم فيها السلطة اللبنانية على أي خطوة متكاملة ، لتنظيم عملية انتشار النازحين في مخيمات عشوائية ، وفي مدن وبلدات لبنانية شتى، في ظل انقسام أجندات السلطة والأطراف الداخلية ، وفاقم من تعقيدات الأزمة مشاركة حزب الله في القتال في سوريا ، تحت حجج متغايرة ، انتهت بمجملها ، الى وظيفة وحيدة ، منع النظام من السقوط عمليا ، وعززت الانقسامات الداخلية .

لبنان ليس وحده في مواجهة أزمة شغلت دول الجوار، التي لجأ اليها النازحون بحثا عن ملاذ امن . لكن الدول المعنية لجأت الى سياسات تدخلية مركزية ، اجتماعية واسكانية ، زراعية ، صناعية ، خففت من الأعباء ، التي مثلها النزوح القسري ، وساهم في حماية الموارد ، والبنى التحتية ، التي ساهمت في احتضان اللاجئين في ملاذات امنة منذ بدايات الأزمة .

اكثر من عقد مضى ، والحكومات اللبنانية المتعاقبة تفشل في ادارة الملف ، أسوة بتركيا ( 3 مليون نازح ) ، الأردن ( مليون نازح ) ، مصر والسودان ( نصف مليون نازح ) ، المانيا ( مليوني نازح ) ..، وتوظيفه في قطاعات صناعية ، زراعية ، واستثمارات فندقية ، سياحية ، يشكل فيها اللاجئون عوامل مساعدة في الاندماج المجتمعي وسدّ الحاجات الى طاقات عمالية في المشاريع المتوسطة والصغيرة ، وتحت السيطرة المباشرة الأمنية . فيما شكل اللاجئون في لبنان عبئا ( رعويا ) ، استنفد البنى التحتية ، وتسببّ بخسائر اقتصادية ، متراكمة ، يقدرها خبراء بين 10 الى 14 مليارات دولار، ضعف ودائع المتمولين السوريين في المصارف اللبنانية .

بعد سنوات من " اللا خبر " ، من سوريا ، عاد الملف الى الواجهة عشوائيا ، على ايقاع مقاربة ملف العودة حكوميا ، بزيارة قام بها أخيرا وزير المهجرين عصام شرف الدين الى سوريا ، عاد منها بتطمينات وانطباعات غامضة .

خياران أمام النازحين السوريين لا ثالث لهما ، اما العودة الى سوريا ، التي أصدرت العفو عن العائدين ، أوكل من يرفض ذلك ، عليه أن يذهب الى بلد ثالث ، أو ان يقدم عبر محام ، تبريرا موجبا لبقائه .

زيارة لم تأت ، بجديد غير مسبوق بالاتصالات اللبنانية – السورية ، ومن دون ترسيم خارطة طريق تنفيذية لعودة النازحين ( اخر الارقام غير الرسمية تتحدث عن مليونين ونصف مليون نازح ) . عاد الوزير ،" باستعداد الحكومة السورية لاعطاء تطمينات لعودتهم الى ديارهم" ، من دون تحديد اليات عمل لهذه التطمينات ، مراحل العودة ، والمناطق التي سيعودون اليها ( 60 % مناطق آمنة ، تخضع لسلطة السلطة السورية ) ، وباي أعداد ممكنة ، وحكيّ عن عودة 15 الف نازح شهريا . ليست المرة الأولى ، التي يعود فيها الموفد اللبناني بهذا الموقف الايجابي السوري ظاهريا ، الذي من الصعب معه توقع عودة النازحين ، اذ يكتفي الجانب السوري بمواقف اعلانية ، عاطفية /متأخرة ، تصطدم بمطالب النظام ، التطبيعية مع المجتمعين العربي والدولي . سيما أن لا كلفة مادية وقانونية / معنوية ، على تواجدهم في لبنان . نجح النظام في تحويل قضية النازحين في دول الجوار أداة ضغط ، وورقة تفاوضية ، لمساومات سياسية ، مستفيدا من انشغالات العالم بأوضاع الحرب في اوكرانيا ،زأزمة كوفيد 19 ، وانشغال الدول بأوضاعها الداخلية . هذا يتسبب بالمزيد من الاستنزاف في موارد لبنان ، والإخلال بشرعية توازنات داخلية ميثاقية ، قام عليها كيانيا ، مع أعداد تتزايد سنويا ، تتحول الى قنبلة سكانية ،غير متوازنة على جغرافيا ضيقة متفجرة ، تهدد بتحويل لبنان الى محافظة سورية خامسة بالحد الاقصى . سيما مع أخطار ، قد تأتي من الغيتوات السكنية الفقيرة ،التي قد تتحول نهبا للعنف والجريمة وتجارة المخدرات ،ومخابئ للجماعات المتشددة ، انعكاسا للحرب المستمرة في سوريا ، ومشاركة حزب الله فيها كطرف رئيسي في الحرب . عامل نزوح ، استغرق نقاشات قانونية من دون جدوى ، يخالف نبض كل أشكال التسويات الداخلية المقبلة . بلد مثل لبنان غير قادر على الوقوف على قدميه ، ويفشل في وقف انهيارات مؤسساتية ، كيف يستطيع الإيفاء بالتزاماته الانسانية والاجتماعية ، لما يقارب نصف عدد سكانه المقيمين ؟ ثم أن اشكالية العودة، معقدة ، قائمة باشكال مغايرة لعدد كبير من النازحيين، زاروا بلداتهم ومدنهم باشعارات مسبقة، ومتكررة في الاعياد الرسمية ، وساهموا بأعداد كبيرة في إضفاء شرعية التجديد لنظام الاسد في انتخابات السفارة السورية في بعبدا . . يعني أن مسألة العودة الطوعية والامنة ، التي تشدد عليها المفوضية السامية لشؤون النازحين في الأمم المتحدة جرى تجاوزها بصيغة "الأمر الواقع "، من قبل السلطات السورية وأجهزتها الأمنية . فيما تواصل المنظمات الدولية تقديم مساعداتها الشهرية النازحين ، ما يوازي معاشات وزراء وجنرالات حرب في سوريا ، وتساهم التقديمات في التخفيف من حدة الازمة الاقتصادية ، نتيجة العقوبات الغربية المفروضة على سوريا ، الى انغماس موجات من النازحيين في أعمال التهريب عبر المعابر غير الرسمية ، لمواد الطاقة ، والامدادات الغذائية، بالتعاون مع اقرانهم اللبنانيين أرباب الاقتصاد الموازي ، الذي لا يدخل في قيود الدوائر المالية الشرعية.

اجراءات العودة ، التي تحدث عنها وزير الداخلية السوري اللواء محمد الرحمون معروفة تقليديا على الحدود ، لجهة أن يبرز النازح اوراقه الثبوتية ، ولكن لم يذكر شيئا عن الآلاف من الولادات غير المسجلة في دوائر القيود الرسمية اللبنانية ، أو في دوائر المفوضية الاممية ، ولا عن الباسبورات المنتهية الصلاحية . صحيح الوضع الأمني تحت السيطرة في مناطق النظام . لكن ماذا عن المناطق الاخرى والشمالية ، والمناطق التي ما تزال تسيطر عليها جماعات ارهابية ؟ . فيما خص اقتراح تشكيل لجنة تنسيق بين الجانبين اللبناني والسوري، والامم المتحدة والمنظمات الانسانية ، يرغب الجانب السوري ، بالتمييع بحجة تحديد دورها واهدافها ، قبل الولوج الى هذه الشراكة .

يتضح اكثر ، أن الاندفاعة اللبنانية مجرد حركة ( هايبر- سياسية ) ،نهاية العهد، لتسجيل نقاط شعبوية تعزز الاصطفافات المذهبية ،وترتدي نزعات شوفينية / عنصرية ، وتأتي في مناخ من الانعطافات السياسية اقليمية ودولية في الشأن السوري . لكن المجتمع الدولي بطريقة واخرى منغمس في انشغالاته ، ويساهم في تأجيل فتح ملف العودة، تحت شعار تأمين العودة الطوعية والآمنة . ويبرر ذلك بتعثر الوصول الى حل سلمي للازمة السورية مع توقف مفاوضات وفدي النظام والمعارضة الى جنيف وسوتشي . لا خبر في السنوات الاخيرة من سوريا ! لا خبر عن مبعوث أمين عام الامم المتحدة الى سوريا ، ولا تصريح ! . لا تغيير في المقاربة القانونية الدولية لملف حقوق الانسان وتعزيز مسار الديمقراطية في سوريا ، لضمان مسار العودة ، من اعادة اعمار )مشروطة بضوء أخضر عربي أساسي الى الان ) ، استشفاء وتعليم ، وفرص عمل ، وقف أعمال العنف ، الاعتقالات التعسفية ، والحوكمة ، والمحاسبة على جرائم وابادات جماعية ، ارتكبت من دون محاكمات عادلة . بالمحصلة النظام السوري مرتاح بعودة ، وبلا عودة النازحين . يمسك الملف براغماتية نفعية تحت سيطرته ، يبقى على الجانب اللبناني أن يحسم قراره سياسيا ، أسوة بالجانبين التركي والاردني . قرار العودة قرار مركزي ، سيادي ، تتخذه الحكومة مجتمعة ، ولا يتحول الى مادة سجالات ، وصلاحيات متضاربة ، وبازارات سياسية . قد يكون وراءها روائح صفقات مالية من تطبيقات مؤتمرات دولية .هذا يقتضي وضع الية تنفيذية، للامن العام اللبناني والأجهزة الامنية المختلفة دور حاسم فيها ، من دون انتظار قرار بعيد ، ومؤجل من الخارج . إذن ، لا انعطافات سياسية في المسألة . ويا لها من تهكمية سياسية ساخرة ، أن يقترن الحراك الرسمي في ملف العودة ، مع صفقة تجنيس 4 آلاف أجنبي ، وإعطاء جوازات سفر لبنانية تشغلها غالبية أسماء سورية. مفارقة ! كأنها لعبة اثارة دخان سياسية للتغطية لا أكثر. والله أعلم .


الكاتب

يقظان التقي

مقالات أخرى للكاتب

العدد 69

الخميس 29 كانون الأول 2022

كمال جنبلاط والتجربة اللبنانية

يقظان التقي


ماذا لو كان كمال جنبلاط معنا اليوم ؟ ربما تكلم الينا بلغة أخرى ، من نوع أن الوقت ، هو وقت العمل ، ليس وقت التمنيات من دون طائل ، بل وقت السياسات، ذلك أن ادارة هذا الصراع ، وظبطه ، والولوج بهدوء الى زمن التغيير، هو ما يحتاج اليه لبنان والعالم ، وفي سلم الأولويات التغيير في معنى مهنة السياسة ، التي تفتقر الى النضوج .

العدد 59

السبت 26 شباط 2022

لبنان بلد مؤجل

يقظان التقي


حالة سياسية معقدة جدا ! دخل لبنان مع سرعة التطورات الدولية الاخيرة سواء ما يحدث على حدود اوكرانيا او ربطا بنتائج مؤتمر فيينا حول الملف النووي الايراني منعطفا انتظاريا غاية في الخطورة .

العدد 54

الخميس 30 أيلول 2021

السياسة تعاسة كبيرة في لبنان

يقظان التقي


" السياسة تعاسة كبيرة في لبنان " ، خلاصة من كتاب التربوي الكبير منير ابو عسلي الذي يعرض لتجربة فؤاد شهاب في بناء المؤسسات ، والتربية من عوالمها الرئيسة والحساسة .


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك