الخميس 29 كانون الأول 2022
كمال جنبلاط والتجربة اللبنانية ملف خاص بمناسبة ذكرى ولادة المعلم كمال جنبلاط
يقظان التقي
ماذا لو كان كمال جنبلاط معنا اليوم ؟ ربما تكلم الينا بلغة أخرى ، من نوع أن الوقت ، هو وقت العمل ، ليس وقت التمنيات من دون طائل ، بل وقت السياسات، ذلك أن ادارة هذا الصراع ، وظبطه ، والولوج بهدوء الى زمن التغيير، هو ما يحتاج اليه لبنان والعالم ، وفي سلم الأولويات التغيير في معنى مهنة السياسة ، التي تفتقر الى النضوج .
خمسون سنة ونيف ، مضت على اغتيال جنبلاط ، انتجت 5 اجيال لبنانية، كبرت في أحضان الوصايات ، من دون أن يكون عندها ، أو يتشكل لديها معنى فكريا ، وسياديا ، واستقلاليا ، بمعنى فكرة الحرية ، والنضال المستمر من أجل الكرامة الانسانية . تعثر الشباب طويلا في مراكب البطولة في مسار مضطرب ، أدى في نهاية المطاف الى حالة من التقهقر السياسي والاجتماعي ، والفكري ، ومن غياب المضامين التي ، يؤكد عليها علم السياسة والأوطان .بلد مثل لبنان يفتقد الى الخيال السويولوجي ، لا يتبصر بالتجارب التاريخية ، كيف يمكن لمواطنيه حل مشكلاتهم الداخلية ، بغياب اتجاهات حديثة تنخرط في خضم التحولات والمتغيرات السياسية ، والاجتماعية ، والثقافيه ، كجزء من تجريب سياسي يجد وقتا للعمل ، للنهوض بالبد من اخفاقاته المرتبطة بممارسات السلطة المتأخرة . سلطة بعيدة عن أعراف وتقاليد الممارسة السياسية المتعارف عليها ، أو بمقارنة مع مثيلاتها في دول أخرى. لم تحتكم الى ما يشبه التجربة السياسية اللبنانية ، التي كانت كارثية على كمال جنبلاط وبعضا من رفاقه . ليس صعبا فهم مصادر تلك الأعراف المستحدثة ، واستحالة البناء عليها في مجالات التحول .كأن الوقت غدا متأخرا . فالطبقة السياسية أهدرت الكثير من الوقت في الابتعاد عنها ، وأكتفت بحكم البلد عائليا ، وهو البلد الوحيد في العالم ، الذي تحكمه عائلات سياسية متباعدة ، ومتنافذة ، ومتنافسة في حقل من اللاانتاجية ، في ميدان تعزيز الانتماء الوطني الواحد، الذي يسوده كساد كبير بغياب مفكريين تقدميين وتغييريين أمثال كمال جنبلاط ، ونظرائه ، ممن بنوا هذه الفكرة التقدمية / المتجذرة وطنيا ، وعربيا وانسانيا ، منذ ثلاثينات القرن الماضي ، وفي ستيناته / العصرالذهبي لنمو الأفكار، والثقافات،والفنون ، والابداعات .
دخل البلد بعد اغتيال كمال جنبلاط العام 1977 في ركود سياسي كبير في كل المجالات ، من دون تواصلية مع المستقبل المنظور، لدرء مخاطر المجتمع المغلق ، والتخفيف من كلفة الأنغلاق ، "الغباوة السياسية "، على ما نشهده من ارتطام كبير حصل أخيرا ، وفي تطور نحو الاسوأ .
جاءت لحظة اغتيال الرجل في ستيناته ، تجريدية ، لا ندري اذا كانت ضرورة تجريدية لمن يتتبع مسار الأوضاع ، التي تنامت خلال العقود الأخرية على اللاشيئ ، اللاشي ء السياسي ، وما كان جنبلاط ليرضى بما يحصل للبنان وفلسطين مطلقا ، كجزء اساسي من تعامله السياسي، والعقلاني ، والواقعي مع الأوضاع . لكانت دعوته الى الغضب صارمة أمضى من صرخة الرجل التسعيني هيسيل " اغضبوا " في نيويورك ، وللخروج من البنى الزمنية المتهالكة ، باعتبارها ، لن لا تتلاقى مع نوازعه ، ودوافعه ، وخبرته ، وشواغله الفكرية والسياسية ، والاجتماعية ، والانسانية . كمال جنبلاط ، رجل متكامل ، من قلة تفكر استراتيجيا شرق أوسطية ، ما كان ليغفل في خطابه عن رفض السياق المتنامي لظاهرة الاستبداد السياسي ، وصعود الأفكار الماضوية الشعبوية ، ولا السياق الأقطاعي في القرن الواحد والعشرين للراسمالية المالية ، ما يذكر بفترات حكم الشخص الواحد في القرون الوسطى، وطغيان الميكافيلية السياسية ، والانقطاعات الراديكالية عن المسارات المستقبلية في شؤون الاجتماع الحديث ، وفهم عناصر البيئة والطبيعة ، والأنثروبولوجيا اليسارية ( تيلار دو شاردان وشيشرون ) وفي الممارسة السياسية .
كل ما جرى منذ اغتياله ، يتعارض مع فنون الحكمة التقليدية ، ويعبرعن مفاهيم خاطئة في ممارسة الشأن العام ، قريبا من مجتماعات الصيد ، وقد أ صبح معها مفهوم القدرة البشرية تركيبة مادية ( علما أن كل حواري السيد المسيح كانوا من طبقة الصيادين ..! ) ، مفاهيم خاصة بقيم البرجوازية ، وديمقراطية السوق ( جاك أتالي ) . حتى يمكن فهم الزمن في تلك المجتمعات انثروبولوجيا وتاريخيا ، وهي مجتمعات قديمة ناجحة ، خلقت انتاجات مهمة ، مجتمعات أكثر انسانية من الآن ، كان يمكن أخذها نموذجا أفضل ، من العودة الى مرحلة القرون الوسطى ، مع تحكم افراد الشركات المالية الكبرى بثالوث مجال الأرض ، والمال ، والاتصالات نموذج مايك ايلسون وشركائه ( الغافيين ) . بالعودة الى لبنان ، لا شيئ يبرر هذا الفراغ السياسي ، الذي قضى على الجماعة اللبنانية ، التي مثلت أدوارا جيدة في النهوض الثقافي والصحافي ، والسياسيي ، والادبي ، والفكري العربي الحديث ، وشكلت مرجعيات بنيوية في مسارات أممية مشتركة ، ما يتعلق بكل هيئات الأمم المتحدة الانسانية وحقوق الانسان ، والتي تعنى بالسلم والأمن الدوليين ، وشكلت استقطابات مهمة منحازة الى المجتمع الانساني المفتوح . لا شيئ يبرر هذا الشعور باليأس من عدم كفاية الوسائل السياسية للهرب من مأزق فقر وجوع اللبنانيين ، ومشاعر القلق من خطر وجودي على كيان البلد الصغير ، الذي قارب العالم السفلي في مستوى حياة منخفض عالميا .
كمال جنبلاط ، الرجل الذي التزم على الدوام برؤية ساعته ، كان ينظر الى أبعد من الساعة ، الى لبنان ، الى زمن ليس قديم / ليس جديد ، كميدان طبيعي لكل فعل، فيه خيرللبشرية والانسان ، ومنفعة عامة ، ونشاط تضامني مع الحقوق المدنية والحريات العامة . انتهى لبنان بعد أغتياله الى غياب الزمن ، الذي تزعزع خارج المنتظم السياسي ، المجتمع السياسي ، بفعل ممارسة نرجسية للسياسة ، عصر من النرجسية السياسية ، لم تؤثر في مستوى التطور الاجتماعي الحديث ، الذي ينخرط في الشباب اللبناني بكل طاقاته الايجابية ، التي أصبحت عمليا ، في الخارج الاغترابي . مع ذلك لم تنطو صفحة كمال جنبلاط . عادت في بحث اللبنانيين عن نموذج جديد ، ما بعد الطائف ، لادارة ذاتية لمشكلات التنوع والتعددية. سقطت مقايضات الوقت المتاح ، وغياب سياسات تدعم الأفكارالأصلاحية ، وترجمتها ما تزال واقعية سياسيا في البرنامج المرحلي للاحزاب والقوى التقدمية ، مع الأخذ بعين الاعتبارعمق التحولات والمتغيرات الاجتماعية ، الاقتصادية ، والديمغرافية . تتلمس مع كمال جنبلاط امكانية الحدّ من " الدنيّية " السياسية ، والنهوض بمستوى الحد الادنى من بساطة الحياة ، والمساواة المعيشية والطبيعية ، على قاعدة حرية وكرامة الانسان وسعادته ، وانتشاله من اشكال القلق والرعب اليومي .المقارنة قد تكون مشاعة بين جحيم الازمات اللبنانية الموصولة ، وبين الفشل السياسي الشامل في ادارة مرافق الحياة والبلاد . عالم يمشي من دون أفكار ، من دون وعي جماعي معاصر ، لفكرة الاصلاح ، والتقدم ، بوصفه ليس انتقالا من حال الى حال ، بل بوصفه وسيلة تطويرية في بناء مجتمعات حديثة ، وما يؤكد على مسؤولياتها الاجتماعية والانسانية ، والا ما معنى السياسة اذا لم تخدم هذا الانسان وشروط تعافيه في العمل والفكر والحياة . لا حاجة للتذكير بكمال جنبلاط الظاهرة المتعددة في الفكر ، والسياسة ، والفلسفة ، والانثروبولوجيا والتاريخ ، وانخراطه في العمل المباشر والثورة وادارة التسويات . أكمل رسالته بجهود كبيرة ، هي عرضة مجددا للنقاش ، والتفكر ، والـتأمل . ما يدل على حساسية الرجل ازاء مجمل القضايا الراهنة، والحقائق ، لا نقول الحقائق المطلقة ، بل نقول مع نيتشه ودولوز ، لحقائق النسبية ، في مجتمعات ما بعد استهلاكية ، مجتمعات سيّالة مجتمعات ما بعد الحقيقة ، قاربها جيدا كمال جنبلاط في كتابيه " ثورة في عالم الانسان " ، و" وفيما يتعدى الحرف " في محترفه الوجودي والسياسي ، ما جعله وحيدا في عين العاصفة التي أودت بحياته باكرا ، في مواجهته سادة السياسة البلطجيين . لم يمارس السياسة كبدعة ، وسحرا ، وانما انخرط مع المناضلين الفقراء ، البسطاء ، المساكين ، الذين لم تغادر قمصانهم المهترئة جسد المكان ، الذي ضاق به ، ما يدعونا الى الغضب في كل مرة يترائء لنا في وجهه البهي ، لغته النظيفة ، والعالم الجديد كان يليق به . عالم تحول ميادين من الغضب والاحتجاجات ، اذ لا تعكس الافكار القائمة في السلطات العليا ، الا أوهام افكارماضوية ، تناقض مستويات جديدة من العلم والترقي في أحلام الشباب ، نساء ورجال في آن ، في وجه المجتمعات المغلقة . رجل شاعر كما هاينريش هاينه ، قضى في خدمة النضال السياسي . ما زال يزعجنا في اسئلته المركبة ، وردة الفلسفة الحديثة جنبلاط ، تلك التي فتنت هايدغروريلكه ، تختبئ خلفها ماساة الارض ، ماساة كمال جنبلاط المرتحل من لبنان بين المآسي وكثرة اللغات ، وفي مناقشاته حاجات الانسان ( اريك فروم ) . حسبه أنه كان السيد المعاصر الذي لم يفقد السيطرة على ذاته، وعلى قراره الحر والمستقل . وهو الذي قرأ العالم بمجازات موحية ، روحية مجازية . اسماً كبيرا في موسوعه الفلاسفة والمفكرين الكبار . لم تسقط مبادئه، الراسخة في ضمير ووجدان تاريخ متحرك من الحياة الانسانية . يمكن نعت من اغتال كمال جنبلاط ، يمكن نعت لبنان ، الذي لم يعرف جيدا كمال جنبلاط ، بالكارثي / بالعبثي ، الذي لا يحب الحياة .
مقالات أخرى للكاتب عودة النازحين السوريين تنتظر الحلول السياسية يقظان التقي
تعود قضية اللاجئين السوريين في بلدان الجوار الى الواجهة ، وهذه المرة من الزاوية اللبنانية التي تعاني اشباعات في السجالات ، التي تجري بشأنها موسميا ، وبمحصلة تطوى على اللاشيء ، لجهة انحراف الملف عن أهدافه ، في ظل غياب الحلول السياسية . هي العودة الى المراوحة والشعبوية السياسية ، تضاف اليها معاناة العائلات السورية النازحة ، هربا من المجازر والتنكيل ، والممارسات التعسفية التي رافقت الحرب . يتحول الملف الى قنبلة على طاولة اللبنانيين اليومية ، الغارقة بالأزمات الداخلية ، ما يعزز التوترات التي تثير
لبنان بلد مؤجل يقظان التقي
حالة سياسية معقدة جدا !
دخل لبنان مع سرعة التطورات الدولية الاخيرة سواء ما يحدث على حدود اوكرانيا او ربطا بنتائج مؤتمر فيينا حول الملف النووي الايراني منعطفا انتظاريا غاية في الخطورة .
السياسة تعاسة كبيرة في لبنان يقظان التقي
" السياسة تعاسة كبيرة في لبنان " ، خلاصة من كتاب التربوي الكبير منير ابو عسلي الذي يعرض لتجربة فؤاد شهاب في بناء المؤسسات ، والتربية من عوالمها الرئيسة والحساسة .