"ان المشكلة اللبنانية لا تحلّ الا على اساس وطني لا طائفي ، ومنهج حازم في آن واحد يوصل الى اقامة دولة مدنية علمانية في لبنان تصهر المجتمع اللبناني في البوتقة الوطنية ."
كمال جنبلاط
في السادس عشر من شهر آذار ، اربعة واربعون عاماً مضت على استشهاد كمال جنبلاط ، وما زالت آراؤه وتطلعاته الاصلاحية تلهم من يريد ان يعمل فعلاً لا قولاً لإخراج لبنان من ازماته المتفاقمة ، بعد ان اضاع المسؤولون الذين توالوا على السلطة عشرات الفرص الانقاذية ، فوصلنا الى الانهيار الذي فقدنا معه كل مقومات الدولة ، بعد الاستشراء الذي بلغته صراعات الطائفية السياسية الحامية للفساد والمحسوبية ، والمرتبطة بالاجنذات الخارجية .
وفي مواجهة ما يعانيه اللبنانيون اليوم من ازمات لا سابق لحجمها وفداحتها ، دون اي افق للحلول في ظل الحكم المتعثر والعاجز عن تحقيق اي عمل ايجابي انقاذي، طالما القرار ليس عنده بل عند الدويلة ، نعود مرة اخرى الى فكر المعلم كمال جنبلاط الذي طالما نبّه الى ما يحول دون قيام دولة فاعلة وقابلة للحياة والتطور في لبنان ، لعل في ذلك ما يساعد على التوعية ويرسم خريطة طريق لانقاذ لبنان من معاناته.
ففي العام 1962 ، مع بدء المحاولة الشهابية اقامة الدولة الراعية والعادلة في لبنان ، والعراقيل التي واجهتها من ارباب الطائفية السياسية ، اعلن كمال جنبلاط المشارك في هذه المحاولة كوزير للتصميم والتربية ، في مقال له لجريدة الانباء بتاريخ 20/1/1962، رؤيته لتحقيق الاصلاح المنشود ، نقتطف منه ما يلي:
"ان ازمة لبنان حالياً لا يمكن ان تعالج الا اذا حاولنا العمل لاصلاح الاخطاء الماضية التي ارتكبت ، والتي ادت الى وقوعنا في المأزق الذي نحن فيه ، ولا مجال لنكرانه. فالازمة التي نعانيها هي ازمة حكم ، وازمة سلطة ، وازمة قيادات ، وازمة مجلس نيابي لا يريد ان يفهم انه مجلس للتشريع والمحاسبة ، لا ساحة للمهاترات التي لا طائل منها . وخلاص لبنان لا يتحقق باستخدام العنف ايا كانت مبرراته ، وباستخدام وسائل الكيدية الرسمية من استدعاءات قضائية واعتقالات وسجن وقطع اعناق ، بل يتجاوز ذلك الى وضع تخطيط وطني جديد ، والى اعتماد نهج وطني جديد سواء في الحكم اما خارج الحكم ، لا تسوية فيه على مصالح لبنان الحقيقية ، وتسليم كامل السلطة الى سلطة مدنية التفكير والنهج."
وفي مواجهة ما زال لبنان ما يعاني منه اليوم ، كلام من الماضي يبدو وكأنه يحاكي الحاضر، يصف الداء ويحدد الدواء قاله كمال جنبلاط في مقال له في جريدة الانباء بتاريخ 24/4/1953 جاء فيه ، "ما كان اغنانا عما نراه اليوم في احوال البلاد والناس والاخطار الداخلية والخارجية التي تحيق بها فعلاً، وتكاد تهدد كيانها ووحدتها. فالاجواء مشحونة ومسمومة ومحمومة ، وكأن العاصفة الآتية على وشك الهبوب وتدمير كل شيء. الحزبيات والمنازعات السياسية والمناكفات تمزق البلد، وتباعد بين المواطنين ، والعصبية الطائفية تتقوى ، والتدخلات الغريبة عن لبنان تساعد على اندلاع العنف بين اللبنانيين ."
وفي كل يوم يمر نرى اخطاء ارباب السلطة تتزايد وتتفاقم ، والازمة تزداد تعقيداً ، ولا حلول ممكنة في الافق المنظور ، يقابل ذلك اخطاء ايضاً يرتكبها بعض المعارضين لا تغتفر ايضاً، وكأن قدراً محتوماً يلعب بمصيرنا جميعاً. ورغم كل ذلك نرى ان المسؤولين يأخذهم الغرور الشديد والخداع ، فيبصرون الامور على عكس ما هي عليه تماماً، فيستمرون في ارتكاب اخطاء جديدة الى ما لا نهاية ، لانهم لا يرون ابعد من رؤوس انوفهم.
ان ما نطلبه ويطالب به الناس من السلطة ، ومن ارباب السياسة هو الصدق مع الذات ومع الاخرين لان الكذب والخداع هو سبب رئيسي لتأخرنا كأفراد وكشعب.
يواجه رئيس البلاد اليوم اعنف عاصفة تهب بالعهد وبمن فيه . والنقمة على ما يسمونه العهد تتزايد ، ولا نجد احداً راضياً من الحالة المتدهورة، حتى ولا من اتباع الرئيس واقربائه وحلفائه . بكلمة واحدة "فلت الملقّ" واذا لم يتداركه المسؤولون ويعودوا عن اخطائهم فسيفلت اكثر. الحالة خطيرة جداً ايها المسؤول ، فماذا تنتظر ، البيت اللبناني يحترق!!!؟؟"
لم يستجب المسؤولون وقتئذ لمطالبة كمال جنبلاط ومناشداته فانفجر الوضع واحترق البيت اللبناني ، وما زال مهدداً بالاحترااق.
لذلك نجدد اليوم مناشدة جمسع المسؤولين عن ادارة شؤون البلد تحمل مسؤولياتهم الوطنية فالبلد مأزوم ، وعلى شفير الانهيار ، ولن ينقذه من ذلك المصير المشؤوم، استمرار تعثر الحكم ، والعجز عن تشكيل حكومة المهمة الانقاذية ، ولا ربط مصير لبنان بأحداث خارجية ، بل التخلي عن الانانيات والمصالح الفئوية او الطائفية او الحزبية ، لصالح لبنان لكي يبقى الوطن ويسلم الكيان قبل فوات الأوان .