نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 76

الخميس 03 آب 2023

بين ضرورة إدارة الأزمة وتعثر السلطة السياسية في إقرار الإصلاحات

مقال اقتصادي

د. محمد فحيلي

أيام قليلة تفصلنا عن إتمام الولاية الخامسة لرياض سلامة حاكماً على المصرف المركزي، ولن يكون 31 تموز 2023 نهاية لبصمات سلامة على المشهد النقدي والمالي والإقتصادي. إستقالة مكونات الطبقة السياسية (كلن يعني كلن) من مسؤولية إدارة الأزمة من تاريخ إندلاعها جعل من موقع حاكم مصرف لبنان من أهم المواقع في الكيان اللبناني وأكثره مسؤولية. وكان هذا من إنجازات شخص رياض سلامة الذي لا يُحسد عليها، أو من الخطأ تكريمه عليها! ما توجب على رجال السلطة وعجزوا في تحقيقه قام به مصرف لبنان بكل مسؤولية ومهنية.

محمد فحيلي، خبير المخاطر المصرفية والباحث في الإقتصاد

تبدلت الظروف على الساحة النقدية والمالية والإقتصادية عدة مرات بين تشرين 2019 واليوم، واللاعبين على الساحة السياسية والنقدية هم أنفسهم من سنوات عديدة. عند أول إنطلاقة لشرارة الأزمة سارع كل طرف لتوجيه أصابع الإتهام للطرف الآخر مع التنصل من المسؤولية مهما كان حجمها وطبيعتها. وعندما نجحت مكونات الطبقة السياسية بتحويل كل معانات لبنان في الأزمات إلى أزمة واحدة فقط وهي أزمة مودعين ومصارف وليست أزمة مواطنين ومؤسسات تحولت الأعين نحو مصرف لبنان كالسلطة صاحبة الاختصاص لإنقاذ الوطن من هذا الوضع المتأزم!

عندما يُطلب من المراقبين والمحللين الحديث عن الوضع النقدي في لبنان سرعان ما يتناسون التداعيات الإقتصادية السلبية لجائحة كورونا من التباعد الإجتماعي، والتوقف عن الإنتاج وضخ فائض من السيولة للتعويض على الأفراد والمؤسسات؛ والحرب بين روسيا وأوكرانيا وما تسببت به من إضطرابات في أسعار المواد الغذائية والمحروقات، ويُحَمِلون طِباعة العملة لتمويل المصاريف التشغيلية للدولة اللبنانية مسؤولية التضخم والضغوطات التضخمية المتواصلة على الإقتتصاد الوطني. الحقيقة هي غير ذلك كلياً وما يفعله المركزي يعزز من القدرة الإستهلاكية لأصحاب الدخل المحدود، ويضبط الإنفلات في سعر الصرف. مصرف لبنان قام بالمستطاع، والطبقة السياسية تتابع بالأداء المستهجن.

قد تكون منصة صيرفة الأداة الوحيدة المتوفرة بأيدي السلطة النقدية والأكثر تأثيرا في الإقتصاد لإدارة سعر صرف الدولار والحد من الضغوطات التضخمية. المنصة، حتى هذه اللحظة، مخصصة لعرض (لبيع) الدولار بسعر مدعوم من قبل مصرف لبنان وليست منصة للتداول الحر (عرض وطلب من دون قيود)، والحديث عن هذه المنصة لجهة الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية وتداعياتها التضخمية، والكتلة النقدية بالدولار الفريش، وأن لبنان مازال يغرق بأزماته من دون أفق والآتي أعظم! كل ذلك يستند إلى معطيات غير دقيقة ويلجأ إلى إعتماد أسلوب الترغيب والترهيب وليس لعرض الأمور بموضوعية وكما يجب.

الكل يعلم بأن فشل السلطة السياسية الحاكمة بإقرار الإصلاحات وتنفيذها، وإعطاء مصرف لبنان الوكالة الحصرية في إدارة الأزمة والإقتصاد قد يكون قد ساعد على منع الانزلاق الحاد والعميق في تداعيات الأزمة، ولكنه لن ينقذ الإقتصاد الوطني ويدفعه بإتجاه التعافي والنمو. الغائب الأكبر عن الساحة الوطنية هي الحلول المستدامة. عدة محطات مرت على لبنان وكان لكل واحد منها تداعياتها على الإقتصاد الوطني بكل تفاصيله، وهي التي أسست لهذه المرحلة التي نعيشها اليوم:

1. تشرين 2019 وإنطلاقة الانتفاضة الشعبية العفوية دفعت المصارف إلى الإقفال بحجة تعذر الموظفين من الوصول إلى مكان العمل بسبب المظاهرات والإحتجاجات على معظم الطرقات الرئيسية. شكل هذا الإقفال المفاجئ صدمة سلبية على الإقتصاد المحلي على محورين أساسين: تدني حاد وسريع بالإستهلاك والإنتاج بسبب عدم قدرة المواطن الوصول إلى أمواله، وكان بمثابة "رصاصة الرحمة" على الثقة بين المصارف والمودعين بسبب أداء المصرفية وسوء إدارة تلك المرحلة، والتمادي في هذا الأداء السيء في ظل غياب كامل للرقابة على أداء المصارف من قبل لجنة الرقابة على المصارف.

2. آذار 2020 والتعثر الغير منظم. إستمر زخم الإنتفاضة في أواخر ال 2019 وانتشرت الإحتجاجات على معظم الأراضي اللبنانية وواكب ذلك أعمال شغب ضد المصارف والمصرفيين وارتفعت الأصوات مطالبة السلطة التنفيذية بعدم سداد إستحقاق آذار لسندات اليورو بوند، بعد أن كانت قد سددت إستحقاق تشرين الثاني 2019، ظناً منهم بأن هذه الأموال سوف تبقى وتُحفظ لتوظيفها في المنفعة العامة - لكل اللبنانيين - في حال عدم دفعها للخارج، ولا أحد تكلم عن ما قد يحدث للقطاع المالي الوطني عند التعثر. هذا القرار السياسي البحت بالتوقف نهائياً عن خدمة الدين العام (بالجزء المكون بالعملة الأجنبية، وهو الأهم) ولأول مرة بتاريخ لبنان كان إنتكاسة:

• مالية: أخرج لبنان من الأسواق المالية العالمية.

• مصرفية: تدني حاد ومفاجىء بالتصنيف الإئتماني للبنان مادفع بالمصارف المراسلة إلى إعادة النظر بقواعد الإشتباك بينها وبين المصارف التجارية اللبنانية، وتسبب ذلك بإختناق في تمويل التجارة الخارجية (بحجم ما يقارب ال 25 مليار دولار بين إستيراد وتصدير)، إضافة إلى تجميد التحاويل من وإلى الداخل اللبناني.

• نقدية: بسبب فقدان الثقة بالنظام الذي يدعم العملة الوطنية، وبما أن القطاع المصرفي اللبناني كان مدولر (أي يعتمد في الجزء الأكبر منه على الدولار الأمريكي في الودائع والقروض)، كان من السهل جداً نبذ العملة الوطنية لصالح البديل الأقوى. والقيود والضوابط التي وضعتها المصارف، والتوقف التام عن إعتماد وسائل الدفع المتاحة من قبل المصارف فاقم من حدة الأزمة النقدية لجهة فقدان الثقة بالعملة الوطنية والنظام المصرفي.

3. نيسان 2020 وتحرك السلطة النقدية لإنقاذ النظام المصرفي. في 9 نيسان من ال2020 صدر عن مصرف لبنان التعميم الأساسي الذي يحمل الرقم 150 الذي بموجبه أسس لفتح حسابات بالدولار الفريش محررة من كل القيود شرط أن تكون الأموال مصدرها تحاويل من الخارج و/أو إيداعات نقدية. هذا التعميم كان بمثابة حكم بالإعدام على كل الحسابات المكونة والموجودة بالعملة الأجنبية قبل إصدار هذا التعميم (التي عرفت لاحقاً بحسابات الدولار المحلي) وفقدت هذه الحسابات قيمتها الإقتصادية الحقيقية (وخصوصاً أن وسائل الدفع المتاحة من خلال القطاع المصرفي كانت قد توقفت بمعظمها) في ظل ظروف غامضة وغياب تام للرقابة من قبل السلطات المختصة. التعميم 150 أحدث صدمة في القطاع المصرفي وجُمدّت تعامل المصارف مع أصحاب الودائع بالعملة الأجنبية وإرتفع منسوب إنعدام الثقة بين الطرفين. وبسبب عدم إهتمام السلطة التشريعية لإصدار قانون الكابيتال كنترول، كان لابد من أن يتحرك مصرف لبنان مجدداً، الذي كان دائما صاحب المبادرة، لإنقاذ هذه الودائع وأصدر التعميم الأساسي رقم 151 في اواخر نيسان 2020، التعميم الذي وضع آلية للسحوبات الإستثنائية من الحسابات بالعملة الأجنبية المكونة قبل نيسان 2020، وحدد قيمة الوديعة بالعملة الوطنية على سعر صرف 3900 ليرة للدولار الواحد وترك المركزي لكل مصرف تحديد سقوف السحب اليومية والأسبوعية والشهرية لكل مودع وليس لكل حساب.

رغم كل سلبيات هذه التعاميم (150 و 151) كان لها تأثيرات إيجابية عديدة:

• عودة الدماء إلى عروق القطاع المصرفي من خلال الحسابات الفريش وتنشيط التحاويل من وإلى خارج لبنان بعد أن توقفت نهائياً بعد التعثر الغير منظم عن سداد إستحقاق اليورو بوند.

• أسس التعميم 151 لقواعد إشتباك جديدة بين المصارف والمودعين سهلت ووفرت الوصول إلى أرصدت الحسابات المصرفية التي كانت قد فَقَدت أصحابها الأمل بالوصول إليها، ومكنتهم من توظيفها في تمويل فواتير الإستهلاك للأفراد والمصاريف التشغيلية (من رواتب وأجور وغيرها) للمؤسسات.

السماح للمؤسسات بإستعمال أرصدتها لدفع الرواتب والأجور ساعد جداً بالتخفيف من أعباء هذه المصاريف التشغيلية، وسياسة مصرف لبنان أعطت دعماً معييشياً إضافياً للمستفيدين.

لفهم تداعيات التعميم 151 دعنا نعطي مثلاً على ذلك:

إذا كان راتب الموظف في القطاع الخاص آنذاك ألف دولار اميركي، كان يُصرف بالليرة اللبنانية بقيمة 1،500،000 ليرة. بعد الإنتكاسة وبسبب التعميم 151، أصبح من الأسهل دفعه بالدولار في الحسابات المصرفية (المعروف حالياً بالدولار المحلي) بقيمته الأصلية، أي ألف دولار مقيم. بهذا يكون صاحب المؤسسة مستفيد لأنه سُمِح له باستعمال أرصدة حساباته في المصارف؛ وأصبح راتب الأجير بالليرة اللبنانية 3،900،000 ليرة عوضاً عن ال 1،500،000 الذي كان يتقاضاها قبل التعميم نقداً بالليرة. وعندما تعدل سعر دولار السحوبات الإستثنائية وأصبح 8،000 ليرة، إرتفع الراتب الشهري للأجير إلى 8 ملايين ليرة من دون أي كلفة إضافية لا على الأجير لأن ضريبة الدخل بقيت على سعر صرف ال 1،500 ليرة، ولا على صاحب المؤسسة لأن إشتراكات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي يجب أن تتناغم مع إحتساب الضريبة على الدخل. وقد يكون لهذه القفزة بحجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية بعض الآثار التضخمية.

هذا المتنفس ساهم بمساعدة المستهلك ومؤسسات القطاع الخاص على الصمود في وجه الأزمات الإقتصادية والمعيشية ولكنه جاء على حساب القطاع العام لأن إيرادات القطاع الخاص كانت تواكب سعر صرف الدولار في السوق الموازية، أما إيرادات القطاع العام (من ضرائب ورسوم) بقيت على سعر الصرف الرسمي، أي 1،500 ليرة للدولار الواحد. لهذا السبب أحدث إقرار الموازنة العامة للعام 2022 في تشرين من سنة ال 2022 (أي بتأخير سنة كاملة) زلزال مالي واقتصادي إستمرت إرتداداته لأسابيع طويله.

هذه التعاميم كانت ضرورية عندما أعدّها مصرف لبنان وأصدرها وألزم المصارف على الإلتزام لأحكامها، ولكنها وُلدت من رحم ظروف معينة، وعندما تبدلت هذه الظروف، بسبب الكسل المتعمد من قبل الطبقة السياسية لجهة إقرار الإصلاحات الضرورية وتنفيذها، إبتدأت إيجابيات هذه التعاميم بالتدني الملحوظ وأصبحت تتسبب بالأذية.

4. تعميم مصرف لبنان الأساسي رقم 161 جاء في شهر كانون أول من العام 2021 ليؤكد دائماً بأن مصرف لبنان قادر على إنقاذ الطبقة السياسية من فشلها وإيجاد الحلول لقراراتهم العشوائية للإنفاق من دون تأمين الإيرادات. إبتدأت السلطة السياسية بإستشعار أزمة كبيرة وهي عدم قدرتها على تمويل مصاريفها التشغيلية من رواتب وأجور وغيرها. وبهذا كان الأمر دائما للمركزي في إدارة الإقتصاد الوطني حتى تستيقظ مكونات الطبقة السياسية وتُطلق مسيرة الإصلاح المطلوبة. وكأن مصرف لبنان إستوعب خفايا السوق الموازي وقواعد إشتباك المحتكرين والمضاربين في الأسواق وقرر توظيف ما توفر له من إمكانيات لتوفير السيولة لتسديد فواتير المصاريف التشغيلية للدولة مع الحد من الضغوطات التضخمية التي قد تنتج من ذلك، وتأمين الحد الأدنى من الإستقرار في سعر الصرف وفي أسعار السلع الإستهلاكية. الأسباب الموجبة وراء هذه الخطوة كان خروج لبنان من الأسواق المالية (لم يعد باستطاعت الدولة اللجوء إلى الإستدانة لتمويل العجز) وإنخفاض حاد، لدرجة الإنعدام، في الإيرادات؛ بات السبيل الوحيد لتمويل نفقات الدولة هو طباعة العملة ومع هذا أصبح هم وإهتمام المركزي معالجة الضغوطات التضخمية. التعميم 161 أسس لمجلس نقد (Currency Board) من دون الإعلان عنه رسمياً. اليوم يحافظ مصرف لبنان على كتلة نقدية بالدولار يوظفها، أولاً، لدعم الكتلة النقدية المطلوبة بالليرة اللبنانية لتسديد رواتب وأجور موظفي القطاع العام (الحلقة الأضعف في الإقتصاد الوطني حالياً)، وثانياً لتجفيف السوق من الفائض من الأوراق النقدية بالليرة اللبنانية من خلال إستبدالها بالدولار، وأخيراً، جزء من هذه الكتلة يوظف لتأمين بعض الدولارات للقطاع الخاص. ويتم "تدوير" (recycling) هذه الأوراق النقدية عارضاً وطالباً الدولار مقابل الليرة وفق ما تدّعي الحاجة: يعرض الدولار من خلال منصة صيرفة، ويطلبه في السوق الموازي وهو اللاعب الأكبر لأنه يحمل الكم الأكبر من الأوراق النقدية اللبنانية. والعرض والطلب هذا يوظف ليس للتأثير على سعر صرف الدولار أنخفاضاً بقدر ما هو لضبط التضخم وتكريس الإستقرار النقدي ولو حصل ذلك على سعر صرف مرتفع نسبياً للدولار.

الأهم أنه كان للتعميم 161 (والتعميم الأساسي 157 الذي أنشأ منصة صيرفة) حصته بالمساهمة في تمكين المستهلك، صاحب الدخل المحدود، على الصمود وإليكم بعض التوضيحات:

إذا أبقينا على راتب ال 1،000 دولار في الحسابات المصرفية (الدولار المحلي) لموظف القطاع الخاص، و 8 ملايين ليرة لموظف القطاع العام، السماح لصاحب الدخل الحصول على راتبه وفق أحكام التعميم 161 (بالدولار الفريش على سعر منصة صيرفة) له إيجابياته المتعددة:

 لموظف القطاع الخاص، توأمت التعاميم 151 و 161 (و 157) يصبح الراتب 210 دولار فريش على سعر 38،000 ليرة للدولار الواحد. هذا هو سعر الصرف في تاريخ إصدار هذا التعميم.

 لموظف القطاع العام، ولأن راتبه بالليرة، وبفضل التعميم 161، يصبح الراتب ايضاً 210 دولار فريش لأن قيمة راتب موظف القطاع العام والخاص هي ذاتها بالليرة.

 ومن خلال السوق الموازي، يصبح الراتب بالليرة 8،845،000 ليرة على سعر صرف ال 42،000 ليرة للدولار الفريش الواحد في تلك الأيام، أي إضافة 845،000 ليرة على القدرة الإستهلاكية من دون أن تُحتسب هذه الإضافة عبء إضافي على المصاريف التشغيلية لمؤسسة القطاع الخاص ولا على الخزينة العامة.

هذا الفارق يتحمله مصرف لبنان وتداعيات هذا الفارق برواتب البعض هي على الجميع لأن هذا الفائض هو إضافة على الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية وهناك كلفة إضافية (إرتفاع في سعر صرف الدولار في السوق الموازية) لتجفيفها للحد من التأثيرات التضخمية؛ ويجب الإشارة هنا إلى أنه، وبسبب الضبابية التي تخيم على المشهد النقدي، إرتفاع في سعر صرف الدولار في السوق الموازي هو سف ذو حدّين – نعمة لمن يعرض الدولار ونقمة لم يطلبه.

هذه الضبابية المتعمده أنتجت ثغرات في إحتساب الكلفة الحقيقية للنشاط (أو النشاطات) الإقتصادية أو/و في إحتساب النمو او الإنكماش الإقتصادي. حتى أن هناك غموض، وهو أكثر من ضبابية، وسببه إنعدام ثقة المواطن بالنظام المالي وغياب الرقابة ساهم بتفاقم هذا الوضع. هذا الغموض أدى إلى إستحالة إحتساب حجم الكتلة النقدية التي تساهم في دوران العجلة الإقتصادية لأنه من الصعب معرفة كمية الأوراق النقدية المخزنة في الصناديق الحديدية في المنازل والمكاتب، والكمية التي توظف وتُضَخ في تمويل النشاطات الإقتصادية (الإستهلاك والمصاريف التشغيلية).

طباعة العملة يساهم في إنتاج ضغوطات تضخمية إذا تم توظيف مجملها في تحريك العجلة الإقتصادية ولهذا يجب عدم إحتساب الكمية المخزنة كجزء من الكتلة النقدية عند دراسة وتقييم التأثيرات التضخمية لطباعة العملة. ولهذا السبب يضطر، من وقت إلى آخر، أن يلجأ مصرف لبنان إلى إستهداف الأوراق النقدية المخزنة بالليرة عندما يرفع الضوابط عن طلب الدولار عبر منصة صيرفة (لحاملي الأوراق النقدية بالليرة من دون حدود)، والمخزنة بالدولار الفريش من خلال إنتاج سعر صرف مغري للدولار في السوق الموازي. لهذا السبب يجب إبقاء منصة صيرفة وتوظيفها حصرياً لصرف الرواتب والأجور لأن فتحها أمام حاملي الأوراق النقدية من دون حدود و/أو ضوابط يشجع على التخزين والمضاربة وإحداث إضطرابات في سعر الصرف عوضاً عن التقلبات في سعر الصرف التي هي من ضمن التوقعات.

ها هو لبنان اليوم على بعْد أيام قليلة من إنتهاء إقامة رياض سلامة على رأس السلطة النقدية ولكن بصمات سياساته النقدية والإجراءات الإستثنائية لن تترك المشهد النقدي والمالي في أي وقت قريب. تعاميم مصرف لبنان أعادت كتابة قانون النقد والتسليف في غفلة عن المُشَرع اللبناني الذي سوف يكون عاجز عن التخلي عنها في سياق إعادة هيكلة القطاع المصرفي. ومن الخطأ أن ننهي هذه اللمحة التقيمية للتعاميم من دون ذكر التعميم الأساسي رقم 165 الذي صدر في 19 نيسان 2023 والذي هدف إلى مواجهة تهم تبييض الأموال من خلال تجفيف وتخفيف الطلب والتداول بالأوراق النقدية، تفعيل العمل بوسائل الدفع المتاحة من خلال القطاع المصرفي، وتضييق المساحة على المضاربين والمحتكرين الذين يتغذون من "الكاش"، ونفي الحاجة إلى طباعة أوراق نقدية جديدة تفوق ما هو بالتداول اليوم، اي ما يتم الترويج له من طباعة ورقة ال 500 الف والمليون ليرة. ويبقى التأكيد على أن تعاميم مصرف لبنان التي صدرت خلال الأزمة هي ظرفية وإجرائية وليست حلول للأزمة أكانت مصرفية او نقدية او إقتصادية. ويبقى الإصلاحات هي الممر الإلزامي لإنقاذ لبنان، وطناً ومواطناً، وإخراجه من هذه الرمال الإقتصادية المتحركة!


الكاتب

د. محمد فحيلي

مقالات أخرى للكاتب

العدد 71

الثلاثاء 28 شباط 2023

لا لتوظيف القضاء للقضاء على ماتبقى من القطاع المالي

د. محمد فحيلي


إن رسالتي هذه هي للتأكيد على أنه لا جدوى إقتصادية من اللجوء إلى الدعاوى ضد المصارف وتقديمه على أنه الطريق الأوحد والأمثل للحصول على أموال المودعين. ومن هنا أبدأ... متحصنين بالقانون والدستور:


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك