نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 71

الثلاثاء 28 شباط 2023

لا لتوظيف القضاء للقضاء على ماتبقى من القطاع المالي

مقال اقتصادي

د. محمد فحيلي

إن رسالتي هذه هي للتأكيد على أنه لا جدوى إقتصادية من اللجوء إلى الدعاوى ضد المصارف وتقديمه على أنه الطريق الأوحد والأمثل للحصول على أموال المودعين. ومن هنا أبدأ... متحصنين بالقانون والدستور:
•    إمتنعوا عمداً عن إنتخاب رئيس للجمهورية وإتمام تكوين السلطة التنفيذية وإستوطن الفراغ الدستوري في لبنان.
•    عمداً، أوقفوا كل محاولة لإنتاج قرار يطلق عجلة الإصلاح ويضع لبنان على مسار الإنقاذ والتعافي والنمو الاقتصادي.
•    أعاق وعرقل مكونات السلطة السياسية مسار التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020.
•    جمدوا التعينات القضائية في أحد أدراج وزارة المالية.
•    أقروا قانون الموازنة العامة لسنة ال 2022 في آخر سنة الـ 2022 من دون حسيب ولا رقيب.
•    توقفوا عن إقرار الموازنات لسنوات عديدة وهدروا المال العام تحت مظلة للضرورة أحكامها.
•    تابعوا بالإستدانة المفرطة رغم وجود رزمة من القوانين الدستورية تمنعهم من القيام بذلك.
•    أوقفوا عمل الجهات الرقابية في لبنان: التفتيش المركزي، ديوان المحاسبة، مجلس الخدمة المدنية، لجنة الرقابة على المصارف، إلخ.
•    أخذوا ما يحلوا لهم من التفاوض مع صندوق النقد الدولي (الإتفاق على مستوى الموظفين) لتلميع صورتهم أمام الشعب اللبناني عشية الإنتخابات النيابية، وأسقطوا الباقي (الإصلاحات) بالضربة القاضية.
•    أدخلوا تعديلات بقانون السرية المصرفية بما يتناغم مع طموحاتهم لتحصين الفاسد والحد من محاربة الفساد.
•    حفاظا على مكاسبهم السياسية وعمداً أفشلوا التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان.

والحبل على الجرار! وعوضا عن محاسبتهم، أعدنا إنتخاب 90% من الذين وجهنا لهم تهمة الفساد وهدر المال العام.

وفي المقلب الآخر ومتحصنين بالقانون:
    تمنع أصحاب شركات التأمين عن دفع إلتزاماتهم إتجاه المتضررين بعد تفجير آب 2020.
    توقف أصحاب الأفران عن تأمين الرغيف.
    توقفت المستشفيات عن إستقبال المضمونين تحت سقف الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، وتعاونية موظفي الدولة.
    أقفلت محطات البنزين عن تأمين المحروقات، وتمنع الموزعين عن توزيعها.
    إحتجزت الصيدليات ومستوردي الأدوية الدواء في محاولة لتحصيل القسط الأكبر من الأرباح.
    توقف القضاء عن العمل!

وأيضاً هناك الكثير والحبل على الجرار ولا حسيب ولا رقيب!

بعد كل هذا، ماذا بإستطاعتنا القول عن جدوى اللجوء إلى القانون والدستور والقضاء لحل المشاكل المرتبطه بأموال المودعين؟ حركة من دون بركة!

تحاول نقابة المحامين اليوم إقناع المودعين بجدوى العودة إلى قانون 2/67 المعروف بـ "قانون إنترا" لتفعيل العمل على إسترداد أموال المودعين. المشكل ليس بالقانون بل بما نحن عليه اليوم وما كان لبنان عليه آنذاك. كان من مميّزات تلك الحقبة (1967) ممارسة المجلس النيابي دوره في النقاش السياسي، وكان هناك حرص داخل المجلس على فصل النقاش القضائي عن النقاش السياسي - عبر إقرار أغلب النواب بالسلطة القضائية، وعلى فصل النقاش السياسي بين سياسة (مالية) خارجية محكومة بتوازنات يضمنها غالباً رئيس الجمهورية، وسياسة (مالية) داخلية وهي المجال المتاح للمجلس للخروج بتشريعات إصلاحيّة أو رجعيّة في النظام. ولم تكن من معارضة فعليّة للنظام أو لصيغة التوازنات القائمة من داخل المجلس.

الكل بات يعرف ويعترف بأنه حين يجازف مصرف ما  بأموال ليست له (أموال المودعين)، فهو يجازف أيضاً بالثقة بالقطاع الإئتماني ككل. علماً أن هذه المجازفة يعظم شأنها في اقتصاد جُعل قائماً في بنيته على الخدمات المالية والتجارية وودائع المغتربين وودائع "ريع نفط الخليج العربي". وكيف يصبح حجم المشكلة وطبيعتها وتعقيداتها إذا قام بالمجازفة كل المصارف وعلى رأسهم المصرف المركزي!

وظهر أخيرا بعض المحامين الذين يدعون بإهتمامهم بمصير الودائع والمودعين ويتوجهون نحو تجييش المودعين وحثهم على تشكيل أكبر مجموعة ممكنة لرفع الدعاوى على المصارف التجارية العاملة في لبنان، من الداخل والخارج، في الوقت الذي تنشط فيه اللجان النيابية لمناقشة مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف والإنتظام المالي.

من دون التخفيف من أهمية اللجوء إلى القضاء في حل النزاع بين المودع والمصرف في "الظروف الطبيعية"، ومن دون التخفيف من أحقية وأهمية ما يُطالب به المودعين، ولكن يجب الإعتراف والقبول بأن ما جرى خلال السنوات الثلاث الماضية، بين المصارف والمودعين، لا يمكن أن يُصَنف أو يوصف بأنه "ظروف طبيعية":
    عدم الإستجابة لطلبات المودعين بالسحب نقداً أو/و التحويل إلى الخارج كان إجراء غير قانوني ولكنه كان ضروري آنذاك وساعد على إستمرار المصارف في خدمة المودع والإقتصاد ولو جزئياً.
    الإستنسابية في التعاطي مع الزبائن هي خطأ وتصرف لا يتناغم مع المناقبية المهنية، ولكنه ليس بجريمة!
    إمتناع المصارف عن التواصل الإيجابي مع المودعين للحدّ من التوتر بين الطرفين ساعد بتوسيع الشرخ بين الطرفين وزاد من منسوب ال "لا ثقة" بينهما؛ ولكنه ليس بجريمة!

وهناك الكثير ... والكثير...!

كان هناك إرتكابات وممارسات غير قانونية من قبل مكونات القطاع المالي في لبنان، ولكن عندما نتحدث عن الجرائم وتدمير الإقتصاد والمجتمع اللبناني يجب المباشرة من الطبقة السياسية الفاسدة والفاشلة. الجريمة الكيرى إرتكبتها مكونات الطبقة السياسية الحاكمة والدعاوى القضائية يجب أن تكون في هذا الإتجاه وليس ضد المصارف فقط. الجزء الأكبر من مسؤولية محاسبة الفاسد والفاشل في الحكم هي في أيدي الشعب وتحصل من خلال صندوق الإقتراع، وكان لنا فرصة في ذلك في إنتخابات الـ 2022 وتمنعنا عن ذلك! اليوم تجيش القضاء ضد المصارف يعيق المساعي لإعادة هيكلة القطاع لأن إعادة هيكلة القطاع وعودة الحياة إليه يتطلب ضخ رأسمال جديد ونظيف. من المستحيل إقناع أصحاب رأس المال على إستثمار أموالهم في مؤسسات تعاني من فائض من الدعاوى ضدها إضافة إلى الإتهامات الموجهة ضد القييمين على المؤسسة. العمل المنتج يكون، أولا، في طمأنت المودعين على أموالهم من خلال إطلاق عجلة التفاوض بين المصارف (كل مصرف على حده) والمودعين (الدائنين) ، والتوجه نحو تنظيم العلاقة بين المصارف والمودعين والزبائن بشكل عام. بعد ثلاث سنوات على الأزمة والأزمات المتفاقمة، لم يعد هناك أي قاسم مشترك يجمع بين المصارف لا من جهة الودائع ولا المخاطر التي تواجهها. العودة إلى تفعيل الشمول المالي (Financial Inclusion)، وإطلاق عجلة التواصل الإيجابي بين الطرفين من أجل المحاولة الجدية لإعادة ترميم الثقة؛ وهذا ليس لأن المصارف لم تخطأ. المصارف أخطأت ولكن أخطائها لا تصل لحد توصيفها وتصنيفها بأنها جرائم! الحفاظ على أموال المودعين يكون بالحفاظ على القطاع المصرفي (وليس على كل مصرف) من خلال إعادة هيكلة المصارف ودعم من منها قادر على الإستمرار في خدمة الإقتصاد. الممر الإلزامي للإنقاذ والتعافي والنمو الإقتصادي هو قطاع مصرفي سليم.

السلطة الفاسدة والفاشلة، بإعتراف الشعب اللبناني والأسرة الدولية، لن ولم تعمل على إنقاذ لبنان، الوطن والمواطن، لأنها كل ما يهمها هو المحافظة على مكاسبها السياسية. لهذا السبب يجب أن تولد المبادرات والحلول من رحم القطاع الخاص والمواطن. كما بنينا بيروت بعد تفجير مرفأ بيروت في آب 2020 علينا بناء، ما إستطعنا، من الإقتصاد. لو تأمن كل ما يحتاجه لبنان من أموال، وربح كل المودعين دعاواهم ضد المصارف، لن يعيد ذلك قطرة من الثقة المفقودة بين المصارف والمودعين. لذلك لا بديل عن إطلاق عجلة التواصل الإيجابي والتفاوض بين المصارف والمودعين لعودة الحياة والإنتظام للقطاع.



الكاتب

د. محمد فحيلي

مقالات أخرى للكاتب

العدد 76

الخميس 03 آب 2023

بين ضرورة إدارة الأزمة وتعثر السلطة السياسية في إقرار الإصلاحات

د. محمد فحيلي


أيام قليلة تفصلنا عن إتمام الولاية الخامسة لرياض سلامة حاكماً على المصرف المركزي، ولن يكون 31 تموز 2023 نهاية لبصمات سلامة على المشهد النقدي والمالي والإقتصادي. إستقالة مكونات الطبقة السياسية (كلن يعني كلن) من مسؤولية إدارة الأزمة


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك