بالنسبة لبكرا.. شو؟

مقال سياسي

د. رشيد درباس

ليست المشاهد الكوميدية هزلاً بحتاً، فالتراث مليء بالمؤلفين المسرحيين والسينمائيين والممثلين الفكاهيين الذين كانوا يتمتعون بالرصانة الفكرية والعمق الإنساني والبراعة الفنية، بدءاً بموليير وشارلي شابلن مروراً بنجيب الريحاني وزياد الرحباني وعادل إمام، بل إن كثيراً من أفلام شارلي شابلن الصامتة، كانت تتستدرج الدمعة، عقب الضحكة وتترك في النفوس آثاراً غائرة.

لم تخرج جلسة الأربعاء الماضي لانتخاب رئيس، عن إطار الفكاهة، وخاصة عندما كان بعض النواب ينتخبون ويخرجون من المسرح مسرعين كالممثلين الذين ينتهي دورهم بعد لقطة معينة،

فينالون من التمثيل حظ الظهور العابر، ليلتحقوا بعد ذلك بجموع المشاهدين الذين كانوا يعرفون النهاية سلفاً، ولكنهم يصرون على البقاء إلى أن يؤذن المخرج بإسدال الستار، فينصرفون بعد ذلك إلى التحليل والتدقيق ومحاولة استنتتاج ما هو معروف بأننا لما نزل في عقم سياسي لبناني مانع من الإنجاب، وأن الجلسة الثالثة عشرة قد تكون رقم الحظ، أي بعد حقن المبيض بأنواع العقاقير المستوردة، بعد مجيء لودريان على سبيل المثال أو ربما بعد الاستعانة بالبروفسور العالمي الدكتور جمال الأيوبي وهو ابن شمال لبنان، ليقوم بزرع رحم جديد يعيد الخصوبة إلى الجسد المتهالك.

رغم هذا، فإن الأمر لم يخل من جمل غريبة، ربما أقحمت على النص الأصلي، إذ يعلن نائب أنه سينتخب مرشحاً معيناً، وكأنه يتجرع المرَّ أو السم، فيجيبه زميله ضاحكاً، أما نحن فقد انتخبنا مرشحنا ونحن نشرب ماء الورد، وهكذا جرى تبادل الأنخاب الكلامية، بما يذكر بسقراط الذي شرب السمَّ راضياً مرضياً دون أن يمنن أحداً بفعلته النبيلة.

ليس القصد مما أقول السخرية بالحدث، لأنه على تكراره وعقمه انطوى على دلالات واضحة أهمها أن بعض الأطراف يستغلون الوقت الضائع لإظهار عضلاتهم واستعراض قوتهم، فيما أطراف أخرى تتجمع تحت شعارات متعددة، بل ومتناقضة، تتراوح بين الحرص على الإرادة المسيحية، إلى التشبت بالسيادة وتوجيه رسائل لحزب الله.

ما إن ظهرت الأرقام على الشاشة حتى تبارى المتبارون في إلباسها الأثواب السياسية التي تناسب الهوى، ولكنني، من موقع المراقب أجد في نفسي الجرأة للقول: إن سليمان فرنيجية لم يترشح تطوعاً لكسر الإرادة المسيحية فهو يرى نفسه مستحقاً ومستعداً منذ جرى التمديد للرئيس لحود، وربما قبل ذلك أيضاً، كما أن جهاد أزعور ليس خلاصة مؤامرة امبريالية أو صهيونية، جرى استيراده على عجل لطعن المقاومة في الظهر، بل هو، وخلافاً للتهم المتهافة والمتجنية التي ألصقت به، كان مسؤولاً عن برنامج U.N.D.P للإصلاح المالي، وخبيراً معتمداً من وزير المالية آنذاك الدكتور جورج قرم ثم وزيراً للمالية فوق الشبهات في حكومة الرئيس السنيورة إلى أن تولى مركزه الأخير بما يدل على أنه مجموعة من الكفاءات، إضافة إلى عقله السياسي المتكون في بيئة وطنية خالية من التعصب. معنى هذا، أننا وبغريزة التنابذ المزمنة، نبدد أصولاً وطنية يحتاجها لبنان، بغض النظر عما إذا كان أحد المرشحين هو الذي سيفوز، لأن العبرة، ليست في الشخص، بل بمقدرة الأطراف المتصارعة، على الوصول إلى تصور للإنقاذ، يقوم على إخراج لبنان من سياسة المحاور، وانتهاج حسن الجوار، والإصلاح السياسي والاقتصادي والمالي، ومعالجة السلطة من داء الازدواجية على أنواعه، واعتماد الحوكمة الشفافة وإعادة هيكلة الديون والمصارف، وما إلى ذلك من شروط لن تكون بدونها أية نهضة، فإذا جرى التوافق عليها، كان الأمر ميسوراً امام شخص ذي كفاءة ونزاهة وخبرة.

يحزنني الاعتراف بأن الجولة الأخيرة أظهرت استقطاباً طائفياً ومذهبياً فاقعاً رغم موقف بعض النواب التغييرين من جهة، وبعض نواب السنة من جهة أخرى، ولكن عدداً من النواب أعلن عدم انخراطه في المعمعة ولهؤلاء أقول إن الحياد السلبي عقيم، اما الحياد الإيجابي فربما يشكل وساطة خير.

 منذ أربعين سنة أو أكثر حدثنا زياد رحباني عن الفيلم الاميركي الطويل، وأرانا بأم عيون الأجيال أن العرض مستمر، ولكنه طلب إلينا بعد ذلك الإجابة على سؤال جوهري هو:

بالنسبة لبكرا.. شو؟

الكاتب

د. رشيد درباس