نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 53

الخميس 02 أيلول 2021

رفع الدعم لا يحمي مخزون النقد الأجنبي

مقال اقتصادي

غسان العياش

من الأوهام التي يجري بيعها للبنانيين أن ما سمّي أخيرا “رفع الدعم” يهدف إلى الحفاظ على الاحتياط الإلزامي، أي ما تبقّى لدى مصرف لبنان من أموال للمودعين بالعملات الأجنبية. وواقع الحال أن رفع الدعم بالطريقة التي ستتّبع لا يحمي مخزون العملات الأجنبية في المصرف المركزي، كما سنرى، بل إن المصرف مضطر إلى الاستمرار في استعمال الاحتياط، في وقت نشهد فيه ارتفاعات لا سابق لها في مستوى الأسعار.

أي أن الضرر الوحيد الجانب الذي كان ينحصر باستنزاف الاحتياط سيصبح ضررا متعدّد الجوانب، فيتزامن قضم مخزون العملات الأجنبية مع ارتفاع الأسعار.

ومن الأمور غير الواقعية أيضا فحوى خطاب رئيس الجمهورية حيال الأزمة، حيث يقول إنه قام بكل ما يمكنه من إجراءات لوقف التدهور، وطرق كل الأبواب التي يسمح له الدستور بولوجها، لكنه فشل في تحقيق غايته لأن مجلس النوّاب وحكومة تصريف الأعمال ومصرف لبنان خذلوه ولم يساعدوه ويساعدوا اللبنانيين في لجم أزمات المحروقات والغذاء والدواء. فغالبية اللبنانيون تعتقد أن رئيس الجمهورية قادر بمفرده على تحسين الشروط الاقتصادية والاجتماعية في البلاد إذا قدّم تنازلات سياسية محدودة في موضوع تشكيل الحكومة.

والنقطة المركزية في دفاع الرئيس عن موقفه أن مصرف لبنان تمرّد على تعليماته، بعدما وعد باستمرار الدعم حتى شهر أيلول كي يتزامن رفع الدعم التدريجي مع صدور البطاقة التمويلية، "إلاّ أن قرار حاكم مصرف لبنان وقفَ الدعم من دون العودة إلى الحكومة وقبل صدور البطاقة التمويلية، خرّب الوضع".

خلافا لذلك، فإن تمرّد مصرف لبنان، إذا صحّ، ليس هو سبب الأزمة. بالعكس، فإن مثابرة المصرف طيلة السنوات السابقة على تغليب أهداف الحكومة والمصالح السياسية لمكوّنات النظام على دوره الطبيعي وأحكام قانون النقد والتسليف، هذه المثابرة لم تكن سببا في انفجار أزمة المحروقات وحسب بل أدّت إلى فقدان الثقة بنظام الائتمان في لبنان.

بالإمكان معالجة موضوع سياسة الدعم من خلال مقاربات أعمق تتجاوز العلاقة بين مصرف لبنان والسلطة السياسية، أو نرجسية هذا الرئيس أو ذاك، وشعوره أن كلّ مؤسّسات الدولة رهن أوامره.

فإذا أخرجنا الموضوع من هذا الإطار الضيّق تتبدّى لنا العيوب الصارخة لنظام الدعم الراهن في لبنان، القائم على دعم الاستيراد بالعملات الأجنبية. فهو نظامٌ أعمى لا يساند الفئات الفقيرة في المجتمع اللبناني. بل إن أغنى الأغنياء في البلد لديهم فرصة الاستفادة من منافع هذا النظام قبل الفقراء وأكثر منهم.

من جهة أخرى، وفي عودة إلى نقطة البداية، فإن رفع دعم الاستيراد كما أعلن عنه لا يحمي موجودات مصرف لبنان بالعملات، لأن المصرف بموجب "رفع الدعم" التدريجي من الآن وحتى أيلول، سيستمرّ في فتح الاعتمادات المستندية ولكن وفقا لسعر صرف للدولار أعلى من الأسعار المتدنّية التي اعتمدت منذ انفجار الأزمة. أي أن مصرف لبنان سيفتح نفس الاعتمادات كالسابق، لكنه سيتقاضى تسديدا لها مبالغ أكبر بالليرات اللبنانية، فكيف سيخفّف ذلك من استعمال موجوداته بالعملات الأجنبية؟

من خلال قراءة رصيد المركزي بالعملات نتلمّس التدهور المستمرّ في هذا الرصيد بسبب الدعم في السنوات القليلة الماضية. ففاتورة استيراد المحروقات وحدها تصل إلى أربعة مليارات دولار، بما في ذلك البنزين والمازوت والفيول والغازولين لمؤسسة كهرباء لبنان. وإذا أضفنا إلى ذلك مبلغ استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية والقمح وسلة وزارة الاقتصاد تتراوح فاتورة الاستيراد التي يتولاها مصرف لبنان بين 6 و7 مليارات دولار سنويا.

ننتظر أن يوضح مصرف لبنان في وقت قريب كيف يؤدّي اعتماد أسعار أعلى لصرف الدولار إلى تخفيف استعمال مخزون النقد الأجنبي، لأن الانطباع السائد أن تسديد الاعتمادات بمبالغ أكبر بالليرة لا يساعد على الحفاظ على النقد الأجنبي.

أما إذا كان الرهان على أن رفع الدعم على هذا النحو يؤدّي تراجع التهريب، فقد لا يكون اعتماد أسعار أعلى سببا كافيا لتراجع التهريب، إلى سوريا على الأقلّ. لأن سوريا تحتاج إلى الدولارات في عصر العقوبات، وهي تحتاج إلى استيراد حاجاتها من خلال لبنان، مهما كان الثمن.


الكاتب

غسان العياش

مقالات أخرى للكاتب

العدد 53

الخميس 02 أيلول 2021

كتاب الدكتور غسان العياش – "المجمع اللبناني 1736: مخاض ما قبل الاصلاح"

غسان العياش


ليست مهمة هذا الكتاب معالجة المسائل الدينية الا عندما يقتضي البحث الاقتراب من قضايا العقيدة والايمان ، فالمهمة الرئيسية له هي القاء الضوء على الجانب السياسي والانتروبولوجي لاصلاح الكنيسة المارونية ، وتأثير هذا الاصلاح على الحياة السياسية والاجتماعية في جبل لبنان ، ومن ثم دوره غير المباشر في ولادة الجمهورية اللبنانية


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك