نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 51

الخميس 01 تموز 2021

سياسة الدعم الذكية

مقال اقتصادي

لويس حبيقة

 مشكلة أي سياسة دعم هو صعوبة الغائها أو حتى تعديلها بسبب المصالح السياسية والاستفادة المادية الناتجة عنها. مشكلة سياسات الدعم عالميا انها توضع لمساعدة الفقراء، لكنها تصب عموما لمصلحة الأغنياء أي عكس السبب الذي وضعت من أجله. رفع الدعم في العديد من الدول كمصر والأردن وتونس وغيرها سبب فوضى ومعارضات شعبية كبيرة، وبالتالي تكلفة الدعم ليست مادية فقط لكنها سياسية واجتماعية أيضا. هذا هو حال سياسات الدعم اللبنانية التي تتوجه نحو عدد من السلع الغذائية والمحروقات كما الأدوية والتي تفيد نسبيا الميسورين أكثر من الفقراء بسبب حجم استهلاكهم ومستوى الحياة التي ينعمون بها. هكذا يبقى الفقير بعيدا عن المستوى المعيشي اللائق الذي يستأهله ويرغب في تحقيقه.

 يهدف الدعم الحكومي عموما الى أمرين. أولا التوجه نحو العدالة في الاستهلاك الضروري أي تسهيل الحصول على السلع والخدمات الأساسية كميا وبأسعار مقبولة. الهدف الثاني هو جعل المجتمع يستفيد بطريقة غير مباشرة من الدعم أي من توافر السلع والخدمات ومن النمو والتنمية التي تلحق به كما من الأسعار المساعدة بشكل عام.

هنالك نوعان من الدعم أي عبر الطلب أو العرض. دعم الطلب يعني اعطاء المساعدات للشاري مباشرة وهو حال البطاقة التمويلية التي وعدنا بها في لبنان. يقول المشروع أن العائلات غير الميسورة ستحصل على 137 دولار أميركي شهريا لمدة سنة ولا تزيد التكلفة السنوية العامة على 1,3 مليار دولار. تكمن المشكلة في اختيار العائلات المستفيدة ومن يختارها وما هي القواعد والشروط وكيف يتم التنفيذ وثم الرقابة والشفافية.

هنالك دعم للعرض أي للمنتجين مما يمكنهم من تخفيض أسعار البيع وبالتالي يستفيد المستهلك أيضا كما المجتمع بشكل عام. هل نريد وضع الدعم الذي يذهب الى المنتج أو المستهلك؟ في لبنان ندعم حاليا الواردات لأن انتاجنا ضعيف وبالتالي ندعم عدد من التجار ولا بد من تغيير هذه السياسات غير المجدية على المدى الطويل. لا بد من ترشيد التكلفة المادية المرهقة المتواصلة منذ سنوات وتحسين فوائدها.

من الضروري التفكير جديا قبل وضع أي سياسة دعم لأنه من الصعب جدا أن تكون قصيرة الأجل. سياسة دعم الزراعة في أوروبا كما في الولايات المتحدة مستمرة منذ عقود وتقضي باعطاء المليارات سنويا للمزارعين كي يستطيعوا الانتاج والبيع في الأسواق الداخلية والعالمية. معظم الاقتصاديين كما السياسيين يعتقدون أنها سياسة خاطئة اذ تشجع على الكسل والاهمال وهي مكلفة جدا على الاقتصاد العام كما على الموازنات الوطنية. تكمن المشكلة في عدم القدرة السياسية على الغائها أو حتى على تعديلها لتجنب غضب المزارعين ومن يؤيدهم لكافة الأسباب السياسية والانتخابية والاقتصادية.

 عندما توضع أي سياسة دعم يجب دراسة السلع والخدمات التي يرغب المجتمع بدعمها. يجب معرفة هوية المستفيدين أي المنتجين أو المستهلكين مثلا. يجب دراسة التكلفة المتوقعة وكيفية تمويلها. هنالك سلع وخدمات يعتبرها المجتمع الدولي من حقوق الانسان ويجب على كل دولة دعمها كي تتوافر في الكمية والنوعية والسعر. في سنة 2010 مثلا، اعتبرت الأمم المتحدة وجود ماء عذبة وتجهيزات صحية مناسبة من أولويات حقوق الانسان وبالتالي وجب دعمها. هنالك ثلث العالم تقريبا لا يحصل على مياه عذبة ونظيفة، وهنالك حوالي الثلثين لا ينعم بالتجهيزات الصحية السليمة والنظيفة.

 ما هي سياسة الدعم الذكية للبنان والتي وان تكن مكلفة في البداية، لها فوائد كبيرة على المدى الطويل أي على النمو والتنمية للاقتصاد ككل؟ لسياسة الدعم أهداف خيرة للبناء وليس لتشجيع المافيات الواضحة والمقنعة كما يحصل اليوم:

 أولا: وقف النظام الحالي واعتماد البطاقة التموينية لمدة سنة والتفتيش جديا على مصادر مالية مستقبلية لنظام جديد ذكي. يجب دعم القطاعات المنتجة مباشرة لمدة سنة أي اعطاء المال للصناعات والزراعات المختلفة كما لبعض الخدمات اذ أن معظمها لن يحتاج الى دعم. عموما الاقتصاديون هم ضد الدعم لأنه يشجع على الاهمال والكسل وسؤ الاداء، الا أننا اليوم في وضع لبناني لا نحسد عليه وبالتالي وجب وضع العقائد حتى الصحيحة منها جانبا واعتماد الجراحة المباشرة. هذا الدعم يسمح للمستفيدين بالانتاج والبيع في الأسواق الداخلية والعالمية وبالتالي استقدام "الفريش دولار" أي أوكسيجين الاقتصاد الحالي.

 ثانيا: لا بد من الدعم المادي المباشر للبحث والتطوير حيث أن جامعاتنا كما مؤسساتنا العامة تملك الأرضية التحتية والبشرية المناسبة للاستمرار في عمليات بحث وتطوير أكثر طموحا وشمولا. سيعطى الدعم خاصة للزراعة والصناعة ضمن المؤسسات العامة الحالية المرتبطة بوزارتي الصناعة والزراعة. هذا الدعم القطاعي يفيد المجتمع بطرق أخرى أيضا أي يساهم في تخفيف التلوث الذي نعاني منه في مدننا. نحتاج لدعم قطاعات تفيد المواطن مباشرة كالنقل العام الذي يخفف تكلفة النقل والازدحام كما ضرر البيئة.

 ثالثا: لا بد من الدعم المباشر للشركات الناشئة كي تكبر وتبدأ انتاجها وتصدر فيما بعد. هنالك تقنيات معروفة عالميا وممارسة في العديد من الدول النامية في أسيا وغيرها والتي توفر الخدمات الأساسية التي تحتاج اليها الشركات الجديدة كما الصغيرة والمتوسطة.

رابعا: تغيير سياسات الدعم اللبنانية من الاستيراد الى الانتاج سيوسع حجم الاقتصاد ويحسن مع الوقت معيشة اللبنانيين. المهم أن نكون واضحين الى أي قطاعات وشركات سيذهب الدعم ونحن بحاجة الى نتائج ايجابية سريعة لأننا لا نملك ترف الوقت. سياسة الدعم الحالية هي مكلفة تهدر الأموال ولا تفيد الاقتصاد على المدى الطويل. سياسة الدعم المقترحة هي أقل تكلفة اليوم وتصب في المكان الصحيح وتضرب التهريب والفساد الى حد بعيد.

خامسا: كي تنجح أي سياسة دعم جديدة لا بد من حصول 3 أمور بسرعة منعا للغرق. يجب أن تحصل على دعم سياسي داخلي كبير لأن التغيير سيحدث معارضات من المستفيدين السابقين الذي سيحاولون منع التغيير. يجب أن تضع الحكومة وسائل تواصل مع المجتمع لشرح أهداف السياسات الجديدة وجدوى التغيير. كما من الضروري وضع آليات تعديل الدعم أو الغائه اذا احتاج المجتمع لذلك. كلما دام الدعم كلما صعب تغييره، وبالتالي يجب أن تكون لنا رؤية واضحة حول كيفية التغيير أو الخروج كليا من النظام المتبع.

اذا نجحت سياسات الدعم الجديدة في الأشهر الأولى، ستأتي أموال جديدة اضافية سخية اليها ليس فقط عامة وانما أيضا خاصة فتصب كلها في صالح وقلب الاقتصاد وليس في جيوب بعض المستفيدين من المجتمعين المدني والرسمي.


الكاتب

لويس حبيقة

مقالات أخرى للكاتب

العدد 64

الإثنين 01 آب 2022

الأزمة اللبنانية والتوقعات

لويس حبيقة


لم يتوقع أحد الانحدار الخطير والكبير في لبنان خلال وقت قصير. كان هنالك الكثير من الخلل في الاداء وفي السياسات المالية والنقدية، لكن سقوط من هذا النوع كان مفاجئا ليس فقط للداخل وانما أيضا للمؤسسات الدولية التي تزور لبنان ومنها ممثلة في بيروت. مجموعة أمور

العدد 56

الخميس 02 كانون الأول 2021

التفوق مع "اكسبو 2020"

لويس حبيقة


من يزور "اكسبو 2020" في دبي يقدر حجم الجهد المادي والمعنوي الذي استثمر لبناء هذه المدينة الكبيرة التي تحتوي على انجازات ورفاهيات مدهشة. زيارة الأجنحة الوطنية ضرورية لتقدير حجم الانجازات الاماراتية، كما تلك المرتبطة بالدول نفسها. هنالك أجنحة ركزت على رسالة الدولة أو المجتمع وأخرى ركزت على الابداع في تصوير الأوضاع وتقديمها للرأي العام العالمي. هذا التنوع في الانتاج يميز "الاكسبو"، فيجعله فريدا وربما من الصعب انتاج مثيل له حتى مستقبلا في اليابان. للنجاح والتفوق شروط بل قواعد أساسها الجدية والعم

العدد 46

الإثنين 01 شباط 2021

الاقتصاد والصحة اولويتان

لويس حبيقة


تمر كل المجتمعات بأزمات كبرى تجعلنا نترحم على مشاكل الماضي القريبة قبل البعيدة. كان هنالك حد أدنى من الرفاهية ينعم بها كل أفراد المجتمع. أما اليوم، فالأوضاع الصحية قبل الاقتصادية والاجتماعية تدعو لليقظة والتنبه والقلق. ليست هنالك دولة لا تتوجع اجتماعيا


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك