نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 85

الخميس 25 نيسان 2024

الدولار "المصرفي" مجزرة مستمرة

مقال اقتصادي

غسان العياش

التأخّر في إقرار قوانين الإصلاح المصرفي ليس عفويا، بل هو سياسة متعمّدة من قبل السلطات بقصد تمرير سنوات طويلة يجري خلالها تذويب الودائع المصرفية بالعملات الأجنبية. يتمّ التذويب عن طريق هرطقات التعاميم وبدعة "الدولار المصرفي" المخالفة للدستور والقانون والقواعد السليمة في إدارة الشأن المالي.

ومن حسن حظّ هذه السلطات بأن ظروفا غير منتظرة تحدث في لبنان أو في محيطه تعطي الحكومة ومجلس النوّاب الحجج والذرائع لتأجيل سنّ القوانين واتّخاذ القرارات المناسبة في الأوقات المناسبة. ففيما كان المودعون ينتظرون تحديد ما ليس بحاجة إلى تحديد، وهو "الدولار المصرفي"، اندلع أوّل صراع عسكري مباشر بين إسرائيل وإيران. بين الردّ الإيراني والردّ الإسرائيلي المحتمل، تأخذ الحكومة ومجلس النوّاب فرصة طويلة لتأجيل القرارات الملحّة، على حساب المودعين.

خلافا لتسميته "لبنان الكبير" عند إنشائه، قبل قرن ونيّف، بات لبنان اليوم بلدا صغيرا، تتلاعب به الرياح في منطقة تتميّز بقوّة الأعاصير التي تعصف بها من كل حدب وصوب.

ليلة الصواريخ البالستية والمسيّرات نقلت الصراع الإقليمي إلى مستوى جديد، ورفعت الستارة عن فصل جديد في المنطقة وهو الحرب المباشرة بين أكبر قوّتين عسكريتين في الشرق الأوسط. لا يمكن للبنان أن يكون بمنأى عن نتائج هذا التطوّر المدمّر ما دام جزءٌ منه مرتبطا مع إيران بحلف وثيق، معزّز بالمال والسلاح والعقيدة الدينية.

عاملان بإمكانهما الحدّ من مخاطر الجغرافيا السياسية على وجود الكيان اللبناني وديمومته، وهما وحدة الشعب وقوّة الدولة، إلا أن كل التطوّرات الوطنية تسير بعكس هذا الاتّجاه فتعزّز انقسام الشعب وتفكّك الدولة. النموذج اللبناني لانحلال الدولة لا يقتصر على انقسامها على نفسها وشللها وعجزها عن إدارة الشؤون والمرافق العامّة، كما هو واقع الحال، بل يتعدّى ذلك إلى انحراف أخلاقي خطير.

السلطات العامّة تتآمر، وهي بكامل وعيها، لكي تحرم اللبنانيين من ودائعهم المصرفية وحقوقهم المشروعة. فالتأخير في صياغة وإقرار برنامج للإصلاح المصرفي بقصد سدّ الفجوة الكبيرة في النظام المالي لم يعد، بعد خمس سنوات، مجرد إهمال أو تقصير، بل غدا إمعانا من الدولة وبعض المصارف في دفع المودعين لخسارة أموالهم عن عمد.

بإجبار المودعين على تحويل أموالهم بأسعار صرف بخسة وظالمة يكون شطب الودائع قد تحقّق برضى المودعين ولو بالقهر، وتصبح الحكومة بحلّ من وضع قوانين جائرة تعرّضها لسخط الشارع وغضب الرأي العام.

عدّة أشهر انقضت قبل تحديد سعر الصرف الذي سيعتمد في تحويل أجزاء صغيرة من الودائع باللولار إلى الليرة اللبنانية، وقد تردّد كثيرا أن السعر المنتظر سيكون في حدود 25 أو 30 ألف ليرة. إلا أن المراجع المعنية تردّدت في توقيع القرار لعلمها أن تحديد هذا السعر بأقلّ من 89 ألف ليرة هو مجزرة جديدة بحقّ المودعين وظلم يقع عليهم دون مسوّغ. فليس من حقّ الحكومة أو وزير المالية أو مصرف لبنان تحديد سعر صرف اعتباطي لليرة. منذ صدور قانون النقد والتسليف، اعتبر سعر الليرة هو ذلك الناتج يوميا عن العرض والطلب.

إن أي قرار مخالف، من حيثما أتى، يعتبر مذبحة جديدة للمودعين، بتوقيع الدولة هذه المرّة، لأن العرف المستمرّ من أكثر من نصف قرن يعتبر العرض والطلب في سوق القطع هما اللذان يحددّان سعر الصرف، دون تدخّل أو قرار من أي مرجع كان.

من جهة أخرى، فإن قرار مجلس شورى الدولة في شباط الماضي أبطل نصّا ورد في ما سمّي "استراتيجية النهوض بالقطاع المالي" يقضي بإلغاء قسم من التزامات مصرف لبنان تجاه المصارف، وتبعا لذلك شطب قسم من الودائع بالعملات الأجنبية. فتحديد سعر الدولار المصرفي بسعر يقلّ عن السعر المعلن يؤدّي بشكل من الأشكال إلى شطب قسم من الودائع.

ومن المفيد التذكير بأن تعميم مصرف لبنان رقم 167 نصّ على ضرورة إعادة تقييم موجودات المصارف ومطلوباتها على سعر صرف الدولار المعتمد في السوق أي 89500 ليرة، ولا يجوز إخضاع الودائع بصورة اعتباطية لسعر مختلف.


الكاتب

غسان العياش

مقالات أخرى للكاتب

العدد 70

الخميس 02 شباط 2023

تمويه الحقيقة وتجهيل الفاعل

غسان العياش


تميّز العقدان الأخيران من تاريخ لبنان بتوالي الأحداث المأساوية والانهيارات، رغم تماسك الأمن الداخلي والابتعاد عن العنف والحرب الأهلية. لكن ما طبع هذه السنوات الصعبة هو جهل اللبنانيين لأسباب هذه الظواهر والمسؤولين عنها، لأن الممسكين بالسلطة

العدد 65

الثلاثاء 30 آب 2022

المشكلة هي في تفكّك الدولة وسقوط المؤسّسات

غسان العياش


أكثر ما يثير ذعر اللبنانيين في المرحلة الراهنة من تاريخهم ليس احتدام الصراع السياسي ولا تعذّر تشكيل الحكومة أو البطء في اتّخاذ القرارات لمواجهة أزمة لا سابق لها منذ تأسيس الجمهورية اللبنانية. أكثر ما يخيفهم هو تفكّك الدولة وتوزّع مواقعها على أصحاب النفوذ مما ينعكس شللا كاملا على المؤسّسات والمرافق والخدمات.

العدد 59

السبت 26 شباط 2022

أرقام الموازنة غير موثوقة

غسان العياش


ينكبّ المجلس النيابي في الأيام والأسابيع المقبلة على درس مشروع موازنة سنة 2022، حتى التصويت عليها وإقرارها. وبالرجوع إلى المهل الدستورية لهذا العمل التشريعي الشديد الأهمّية، يتبيّن ان موازنة العام الجاري تأخّرت عن الموعد الأقصى المحدّد لصدورها، وهو اليوم الأخير من العام المنصرم.

العدد 51

الخميس 01 تموز 2021

دفع لبنان على طريق الانهيار ناجم عن فقدان الرؤية لدى المتحكمين بالنظام السياسي

غسان العياش


أمام استعصاء التوافق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف على تشكيلة وزارية ترضيهما معا، كما يقتضي الدستور، تسري تكهّنات بأن الجهود التوفيقية ستتّجه الآن نحو تشكيل حكومة انتقالية، تشرف على الانتخابات النيابية. غاية هذا الاقتراح هي تأجيل الخلاف بين الرئيسين إلى ما بعد انتخاب المجلس النيابي المقبل، الذي يبتّ المسائل المختلف عليها في ضوء التوازنات الجديدة في البرلمان الجديد.


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك