نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 97

الأحد 04 أيار 2025

حطب الخرائط ووليمة التفاوض

من الصحافة اخترنا لكم

غسان شربل

يفرك الشاب الحوثي عينيه. لا يصدق ما يقرأ. رسائل إيجابية تتطاير من الموعد الإيراني - الأميركي في مسقط. لم يكن يتوقع أبداً أن يجيز المرشد لوزير الخارجية عباس عراقجي، أن يلتقي ستيف ويتكوف مبعوث الرجل الذي أمر بقتل الجنرال قاسم سليماني.

ما أصعب الأيام اليمنية. الطائرة الأميركية تشبه الشبح. تكاد تشبه القدر أيضاً. تفتش بين ضلوع الجبال والأودية عن الصواريخ والمسيّرات التي هندس سليماني إقامتها بانتظار موعد الحاجة إليها. يقول في سره. الطائرة لا تسقط، والأسطول لا يغرق، رغم البيانات الحماسية للناطق باسم القوات المسلحة.

تزوره الشكوك. هل تهب رياح التقاعد على الترسانة الحوثية، أم على حكم الحوثيين؟ هل تنتهي وظيفة صواريخ البحر الأحمر، أم يتعلق الأمر بهدنة وفترة كمون؟ وما صحة ما يقال إن تضحيات الأذرع هي في النهاية مجرد حطب كان لا بد من إضرامه لإعداد وجبة التفاوض؟ لا يصدق.

يفرك الشاب اللبناني عينيه. في 13 أبريل (نيسان) 1975، انطلقت الرصاصة الأولى في الحرب. البلد الذي كان يتوهم أنه لاعب استحال ملعباً وتناسلت حروب كثيرة. تطاحن على أرض البلد الصغير قساة الداخل وقساة الإقليم. تدفق نهر الجنازات ولم يتوقف. انخرطت الجماعات اللبنانية في رهانات وأوهام تفوق قدرة البلاد الهشة على الاحتمال. اتكأ لبناني على حليف خارجي أقوى منه، ثم تحول محارباً في معركة أعطته موقع الأداة لا موقع الشريك.

جنازات. جنازات. جنازات.

تشييع كمال جنبلاط الذي أساء تقدير وطأة الجغرافيا في زمن حافظ الأسد. قال جنبلاط لجورج حاوي زعيم الحزب الشيوعي: «يبدو يا جورج أننا أطلقنا قضية أكبر منا». وسأسمع من حاوي لاحقاً قوله: «ليتنا لم نطلق أي رصاصة». حاربت الجماعات طويلاً وعادت مهزومة حتى حين توهمت انتصاراً واحتفلت به. تشييع بشير الجميل الذي جرفته الجغرافيا حين اتكأ على عاصفة إقليمية لقلب موازين الداخل. أقام في القبر قبل الإقامة في القصر. وتشييع رينيه معوض الذي راودته خطيئة تطبيق اتفاق الطائف على قاعدة الاعتدال وتضميد الجروح وتبديد الهواجس. سرقه القبر بعد أسابيع من استحقاقه القصر.

وتشييع رفيق الحريري. الرجل الذي حاول إخراج البلاد من ركامها، واستعادة الزمن اللبناني من زمن الأسدين والزمن الإيراني. تطايرت جثة رفيق الحريري في شوارع بيروت. ضبطوه يحاول سرقة لبنان من مائدة حروب الأدوار والأحجام. سقط على خط التماس الإقليمي. وتشييع حسن نصر الله الذي جرفته عاصفة النار الإسرائيلية، بعدما ردت أميركا وإسرائيل على «طوفان الأقصى» بقرار «قطع الأذرع».

جنازات. جنازات. جنازات.

يقلب الشاب اللبناني الأخبار. لم يبقَ من الأحلام غير الركام. نزف لبنان أبناءه. هذا يقيم تحت التراب، وذاك يقيم في المنفى، وثالث عالق في المسرح المحترق يتابع وحشية المسيّرات الإسرائيلية، والاستحقاقات القاسية لتطبيق القرار 1701، ونصائح أورتاغوس.

تزوره الأسئلة. هل حانت ساعة تقاعد ترسانة «حزب الله»؟ هل كانت تضحيات الأذرع حطباً لا بد من إشعاله لإنضاج طبخة التفاوض وتحسن الشروط؟ وماذا عن الذين سرقهم التراب وخلفوا وراءهم نهراً من الأرامل والأيتام والقرى المذبوحة؟ نصف قرن منذ الرصاصة الأولى في حروب لبنان. هل كان مفيداً أن يتحول جنوب لبنان جبهة فلسطينية - إسرائيلية؟ وهل كان مفيداً أن يتحول جنوب لبنان جبهة إيرانية - إسرائيلية؟ الطائرة الإسرائيلية تشبه الشبح، وتشبه القدر أيضاً.

يقرأ ويجد صعوبة في التصديق. يقول دونالد ترمب: «أريد أن تكون إيران دولة رائعة وعظيمة وسعيدة. لكن لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي». يعرف أن أميركا ترمب ليست أميركا أوباما، وأن ترمب يطلق العبارات الرقيقة، لكن مع التذكير بالمطرقة الأميركية إذا تعذر حسم الخلاف النووي بالتفاوض.

الأيام موجعة. قامر اللبنانيون بأطفالهم وبلادهم. هل تعلموا الدرس؟ لا يملك اللبناني بيتاً أفضل من لبنان. إنه البيت الأفضل لوليد جنبلاط وأنصاره، وسمير جعجع والمراهنين عليه، ونعيم قاسم وأنصار حزبه وطائفته، والأمر نفسه لمن لا يغيب ضريح الحريري عن أيامهم. لا وسادة للبناني إلا دولة لبنان. لا يتعلق الأمر بنجاح عهد جوزيف عون وحكومة نواف سلام. يتعلق بالعودة من الحروب إلى لبنان لتجديد استقراره وسلامه ومعناه. لبنان «خيمتنا الأخيرة» والوحيدة.

يفرك الشاب العراقي عينيه. موعد مسقط كثير الدلالات إن نجح وإن فشل. إيران ليست جمعية خيرية. إنها دولة جدية تجيد الإقامة على حافة الحرب مع أميركا من دون الوقوع فيها. رسالتها الأولى ضمان مصالحها القومية. هل حان زمن تقاعد ترسانة «الحشد الشعبي»؟ هل حانت ساعة تقلص الزمن الإيراني لمصلحة الزمن الأميركي وترتيباته الإقليمية؟ ما كان أصعب الإقامة بين واشنطن وطهران. هل حان زمن تقليم الأظافر والفصائل والأوهام؟ الواقع مرير من بغداد إلى غزة. لا يمكن لجم توحش الطائرة الإسرائيلية إلا باسترضاء الأميركي. والطائرة الإسرائيلية تشبه الشبح. والنفوذ الأميركي يشبه القدر.

كانت رحلة الآلام طويلة. في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة. بحر من الدم، وجيوش من المفقودين. الخبز صعب، والعواصم تستجدي قطرة كهرباء، وطوفان اليأس هادر. هل ضحكت الحروب على المحاربين؟ هل كانت خرائطنا حطباً في احتفال لا دور لنا فيه غير دور الضحية؟ هل تتنازل إيران عن الانقلاب الكبير الذي أطلقته في الإقليم منذ انتصار الثورة الخمينية؟ متى يحين زمن الدول الطبيعية المنهمكة بالتقدم والتنمية والتكنولوجيا؟ متى زمن الخروج من الأنفاق إلى الآفاق؟


الكاتب

غسان شربل

مقالات أخرى للكاتب

العدد 69

الخميس 29 كانون الأول 2022

أكلة لحوم الدول

غسان شربل


الأسابيع الذهبية ذهبت. لا تدومُ الأعراسُ طويلاً. كانت جميلةً ومثيرة. انقسمنا وتجادلنا وأصبنا وأخطأنا. كانت الحروب ناصعةً. فرق لامعة لا ميليشيات. تتبادل الضربات بالساحرة المستديرة لا بالمسيرات. حروبٌ بلا نعوش وجيوش. وفتيانٌ يسبحون في الأضواءِ ويحصدون الأوسمةَ بلا قطرة دم. روحٌ رياضيةٌ في عالم موحش ومتوحش. شكراً لهم. شغلنا ميسي عن بوتين، ومبابي عن زيلينسكي، ورونالدو عن بايدن، و«أسود الأطلس» عن كيم جونغ أون. شغلنا المحللون الرياضيون عن الموجة الجديدة من «كورونا» وعن التكهناتِ باقتراب الحربِ العالمي

العدد 68

الخميس 01 كانون الأول 2022

المونديال... الحرب العالميَّة الناصعة

غسان شربل


المونديال حلمٌ رياضيٌّ وإنسانيٌّ عنيد. في 1930 على أرض الأوروغواي وُلد هذا العرسُ الدوليُّ وأوقع سكان الكوكبَ في نوع من الإدمان. تسعينيٌّ يجدّد شبابَه كلَّ 4 أعوام ويضاعف بريقَه. قاوم الأعاصير التي ضربت العالم وتمسك بحقه في البقاء. وحدها الحربُ العالمية الثانية أرغمته على شطبِ دورتين من حياته في 1942 و1946، لكنه أطلَّ مجدداً في 1950 من البرازيل ليعلنَ أنَّه جاء ليبقى.

العدد 67

الثلاثاء 01 تشرين الثاني 2022

يوم جاء الامبراطور

غسان شربل


هذه الأيام مثيرة فعلاً. ليس لأنَّ الجنرال الروسي ينفذ بقسوةٍ واقتدارٍ مهمةَ دفع الأوكرانيين نحو النزوح والظلام والصقيع. وليس لأنَّ بريطانيا تفتِّش في دفاترها عن منقذ، فلا تعثر على شبيه لتشرشل، ولا شبيهة لثاتشر. وليس لأنَّ سيد الإليزيه يتلوَّى

العدد 49

الثلاثاء 04 أيار 2021

اميركا وموقع العدو الاول

غسان شربل


من كان العدو الأول لأميركا في العقدين الماضيين؟ وهل بالغت «القوة العظمى الوحيدة» في تضخيم بعض الأخطار، ما دفعها إلى غض النظر عن أخرى أشد خطورة في الحسابات بعيدة المدى؟ وهل استنزفت أميركا في حروب القرن الحالي بحيث تراجعت شهيتها لقيادة العالم، أم أنها أدركت بالملموس أن عبء إدارة العالم مهمة تفوق قدرة أي دولة حتى لو كانت إمبراطورية مترامية الأطراف والقدرات؟


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك