نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 95

الأحد 02 آذار 2025

الضباب الاميركي .. والسنة الايرانية

من الصحافة اخترنا لكم

غسان شربل

يعرف الدبلوماسي واشنطن وردهاتِ التأثير في صناعة قرارها. وكانَ يذهب خصوصاً في بدايات العهود الرئاسية ويرجع بقدرٍ من الإجابات والتوقعات يساعده على تدبيج تقارير يرفعها إلى رؤسائه. ذهبَ هذه المرة فاكتشف أنَّ المهمة شاقة. رأى العاصمة الأميركية غارقة في ضباب كثيف، وأنظار العالم مسلطة على عودة «الرجل القوي» إلى البيت الأبيض. رأى الضباب منتشراً على كامل التراب الأميركي، ولمس أن الأسئلة أكثر بما لا يقاس من أنصاف الإجابات.

في البيت الأميركي شعور بأنَّ البلاد تقف أمام منعطفٍ كبير. وأنَّ دونالد ترمب لن يكتفيَ بتغيير بعض أثاث البيت بل يحلم بتغيير ملامحه في السياسة والاقتصاد والإدارة. وضاعفت شراكة إيلون ماسك في الإدارة الجديدة من حديث الإقالات والاستقالات وترشيق الآلة الحكومية على نحو موجع.

قالَ الدبلوماسي إنَّ البوصلةَ الأميركية الجديدة شديدة الاهتزازات إلى درجة يمكن أن تربكَ الأعداء والحلفاء معاً. ولاحظ أنَّ السَّيرَ مع إدارة ترمب يشبه في الوقت الحاضر السير في طرق وعرة وسط ضباب يكاد يحجب الرؤية. عاد بانطباع أنَّ ترمب مُصِرٌّ على إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، ليس فقط بهاجس الفوز بجائزة نوبل للسلام، بل أيضاً وقبل ذلك لحجز موقع استثنائي في التاريخ ينافس به أسلافَه. ويبدو في هذا السياق واثقاً بخيط ود قديم يربطه بفلاديمير بوتين، ولم يؤدِّ الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية إلى قطعه.

لمس الزائر في أجواء واشنطن أيضاً إصراراً على معالجة حازمة للملف الإيراني وعلى قاعدة منع طهران من صناعة القنبلة وكذلك من تحريك «الجيوش الموازية» لزعزعة استقرار المنطقة. ولم يكن يحتاج إلى جهد لاستنتاج أنَّ ترمب يريد صناعة سلام في الشرق الأوسط، لكنَّه توقَّف عند نجاح بنيامين نتنياهو في حجز موقع تحالف وثيق ومؤثر مع إدارة ترمب.

واضح أنَّ دونالد ترمب صعد منذ اليوم الأول لولايته إلى مقعد القيادة في أميركا، وأمطر العالم تباعاً بسلسلة من التصريحات والتغريدات أشاعت مناخاً من الضباب على امتداد «القرية الكونية»، ضباب أطلقته نذر الحرب التجارية ومقاربة الملف الأوكراني على قاعدة الاعتراف بوقائع فرضتها الحرب الروسية، فضلاً عن إطلاق الضباب في الشرق الأوسط عبر الاقتراح المستهجن بنقل سكان غزة لتحويلها «ريفييرا رائعة». يغيب هذا الضباب فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني؛ حيث لا تبدو إدارة ترمب في وارد التراجع.

غمر الضباب الكثيف القارة الأوروبية حين وقف جيه. دي. فانس في مؤتمر ميونيخ للأمن ليوبخ دولاً أوروبية بسبب ما عدَّه «قمعاً للحريات»، منتقداً تعامُلها مع اليمين المتطرف فيها. وبدا سريعاً أنَّ أوروبا أصيبت بالذعر من احتمال حسم مستقبل الملف الأوكراني في غيابها، ومن دون اعتبار صاحب الملف الرئيس فولوديمير زيلينسكي شريكاً كاملاً. أضيف كلام فانس إلى كلام ترمب... أنَّ أميركا لن تدفع إلى الأبد ثمن حماية أوروبا.

والحقيقة أنَّ موقف ترمب من عدم دفع ثمن حماية أوروبا ليس جديداً. جاهر بهذا الموقف في 1987 يومَ لم يكن اسماً مطروحاً في عالم السياسة. في تلك السَّنة زار موسكو كمطوّر عقاري، وعاد معجباً بالفرص، وأدلى بتصريح عن ثمن حماية أوروبا التي تستطيع دفعَ ثمن الدفاع عن نفسها.

وإذا كانت أوروبا منشغلة بمصير الملف الأوكراني الذي فتحه ترمب سريعاً على مصراعيه، فإنَّ أهل الشرق الأوسط سينشغلون، علاوة على موضوع السلام، بالتوجه نحو تحول السَّنة الحالية سنةً إيرانية بامتياز. تعهَّد ترمب بصورة قاطعة بعدم السماح لطهران بامتلاك قنبلة نووية. وكرَّر وزير خارجيته ماركو روبيو هذا التعهدَ أمس في إسرائيل مرفقاً بتعهد مماثل من بنيامين نتنياهو. والانطباع السائد هو أنَّ أي اتفاق جديد مع إيران لن يتجاهلَ ترسانتها الصاروخية ودورها في زعزعة الاستقرار. والسؤال هو: هل يستطيع المرشد الإيراني قَبولَ تنازلات بهذا الحجم تقلِّص دور بلاده خصوصاً بعد خسارتها في سوريا ولبنان؟

وسط الضباب الأميركي الكثيف تتدافع الاستحقاقات المقتربة في الملفات الفلسطينية والإيرانية والأوكرانية. يمكن القول أيضاً أنَّ سوريا ولبنان والعراق دولٌ معنية بالضباب والخيارات الأميركية في هذه الملفات. في هذا السياق لا بدَّ من حوار عميق وتفصيلي مع إدارة ترمب، ذلك أنَّ الاكتفاء بالاحتجاج لا يشكل سياسة، ولا يحفظ الاستقرار والحقوق. وسيكون من الضروري بلورة تصوُّر عربي خصوصاً في ملف السلام وعلى قاعدة التوجه نحو حل الدولتين، وهو السبيل الوحيد لإطفاء نار هذا النزاع المزمن.

واضح أنَّ السعودية بثقلها السياسي والاقتصادي هي في طليعة الدول العربية والإسلامية القادرة على الاضطلاع بدور من هذا النوع. استضافتها للقاءات الأميركية - الروسية، وصولاً إلى القمة تعكس تقدير واشنطن وموسكو معاً لأهمية حضورها العربي والإسلامي والدولي. والمشاورات الجارية لإعداد خطة بديلة لخطة ترمب بشأن غزة تصبّ في هذا الاتجاه، ثم إنَّ السعودية ستكون قادرة على الإفادة من قاعدة صلبة بَنتْهَا في العلاقات الدولية مع دول ذاتِ ثقل كالصين والهند، علاوة على الاتحاد الأوروبي.

لا بدَّ من الاستعداد لاستحقاقات السَّنة الإيرانية. التوصل إلى اتفاق أميركي - إيراني سيشكل حدثاً كبيراً وتحولاً في المنطقة. قيام إسرائيل بتدمير المنشآت النووية الإيرانية بدعم أميركي سيشكّل هو الآخر حدثاً كبيراً وخطراً لا بدَّ من الاستعداد لاتّقاء ذيوله. الضّباب الكثيف لا يحول دون القيادة الآمنة إذا أحسنتِ الدولُ إعداد أوراقها والاستفادة من عناصر قوتها، وحاورت إدارة ترمب على قاعدة المصالح المتبادلة وفوائد الاستقرار وعائدات الاستثمار والازدهار.


الكاتب

غسان شربل

مقالات أخرى للكاتب

العدد 99

الثلاثاء 01 تموز 2025

ثلاثةُ ملاكمين وهاويةٌ غير مسبوقة

غسان شربل


مشاهدُ غيرُ مسبوقةٍ في الشرقِ الأوسط الرهيب. على المسرحِ السَّاخن ثلاثةٌ من كبارِ الملاكمين وبقعُ دمٍ وبحيراتُ ركام. استيقظَ أهلُ المنطقة فاكتشفوا أنَّ القاذفاتِ الأميركية انقضَّت فجراً على ثلاث منشآتٍ نووية إيرانية. استيقظَ الإسرائيليون فوجدوا في مدنِهم دماراً لم يعاينوا مثلَه منذ قيامِ الدَّولة في 1948. استيقظَ الإيرانيون فوجدوا أجواءَ بلادهم في قبضةِ المقاتلات الإسرائيلية تنهال بالقذائف على القواعدِ العسكرية والراداراتِ والمنصات وتصطاد الجنرالاتِ والعلماءَ النوويين.

العدد 98

الأحد 01 حزيران 2025

ترامب ومواعيد الرياض

غسان شربل


لا غرابةَ أن يفتتحَ الرئيس دونالد ترمب جولات ولايته الجديدة من الرياض على غرار ما فعل في ولايته السابقة. ولا مبالغة في القول إنَّ ما شهدته السعودية من نهضة في السنوات الفاصلة بين زيارته في 2017 وزيارته غداً، عزَّز القناعة بقدرة الرياض على احتضان المواعيد الكبرى. مواعيد مفتوحة على المستقبل واستحقاقات الاستقرار والاستثمار والأمن والازدهار ومعنية بإغلاق نزاعات الماضي التي صدَّعت الخرائط واستنزفت الثروات والمقدرات.

العدد 97

الأحد 04 أيار 2025

رجل لا يتعب من القتل

غسان شربل


هذا الرجل لا يتعب من القتل. هذه مهنته. وربما رسالته. لا يصدق حديث السلام. ولا يثق بخصمه إلا إذا رآه جثة. السلام مفردة غريبة في هذا الجزء الشائك من العالم. وما يسمونه سلاماً هو في أفضل الأحوال هدنات تبقى هشة مهما طالت. فسحات لتخصيب الأحقاد وتلميع الخناجر. لمضاعفة الحقد وتعميق الضربات الآتية. لا المصافحات تخدعه ولا الابتسامات تغريه. العدو هو العدو. البارحة واليوم وغداً. تقتله أو يقتلك. والحد الأدنى للتعايش هو أن يخاف منك وأن يعرف أن التحرش بك يعني أن تفتح عليه أبواب الجحيم. تذكر أن دونالد ترمب يست

العدد 97

الأحد 04 أيار 2025

حطب الخرائط ووليمة التفاوض

غسان شربل


يفرك الشاب الحوثي عينيه. لا يصدق ما يقرأ. رسائل إيجابية تتطاير من الموعد الإيراني - الأميركي في مسقط. لم يكن يتوقع أبداً أن يجيز المرشد لوزير الخارجية عباس عراقجي، أن يلتقي ستيف ويتكوف مبعوث الرجل الذي أمر بقتل الجنرال قاسم سليماني.


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك