نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 84

الخميس 28 آذار 2024

"إسرائيل" أخفقت… و"حماس" ما زالت تقاوم

مقال سياسي

عصام نعمان

جريدة القدس العربي – 17/3/2024

ما معيار كسب الحرب أو خسارتها؟ الجواب: تحقيق أهدافها أو الإخفاق في ذلك. «إسرائيل» أعلنت عندما شنّت حربها الإبادية، براً وجواً وبحراً على قطاع غزة أن أهدافها ثلاثة: القضاء على «حماس»؛ استعادة الرهائن (الأسرى)؛ منع فصائل المقاومة الفلسطينية من العودة إلى القطاع. فوق ذلك، أضمرت وحاولت تنفيذ هدف رابع: تهجير سكان القطاع إلى صحراء سيناء المصرية.

«إسرائيل» أخفقت في تحقيق جميع أهدافها.. «حماس» ما زالت صامدة فوق الأرض في جميع مدن القطاع، وتحت الأرض في الأنفاق الممتدة مئات الكيلومترات. كما أخفقت في استعادة الأسرى، وفي منع فصائل المقاومة من الصمود والقتال في مختلف مدن القطاع وقراه. صحيح أنها تمكّنت من تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من شمال القطاع ووسطه إلى جنوبه، إلاّ أن السكان المهجّرين صامدون في العراء، ويقاومون محاولات تهجيرهم إلى سيناء، ويتحمّلون كل صنوف التقتيل والتجويع والتنكيل والتشريد.

أقسى من خسارتها الحرب، خسرت «إسرائيل» شرعيتها الدولية وسمعتها ومكانتها حتى بين حلفائها في الغرب الأطلسي، وباتت في عزلةٍ اُممية خانقة

أقسى من خسارتها الحرب، خسرت «إسرائيل» شرعيتها الدولية وسمعتها ومكانتها حتى بين حلفائها في الغرب الأطلسي، وباتت في عزلةٍ اُممية خانقة. وفي أمريكا، اندلعت ضدها تظاهرات احتجاج وتنديد في جميع مدن ولاياتها الخمسين والعاصمة واشنطن، كما في مختلف الجامعات، اساتذةً وطلاباً. الأمر اللافت كذلك أن زعيم الغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ السناتور اليهودي تشاك شومر دعا إلى إجراء انتخابات جديدة في «إسرائيل» «لأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بات يشكّل عقبة أمام السلام»، ولأن الإئتلاف الحاكم الذي يقوده «لم يعد يلبي حاجات الكيان بعد 7 أكتوبر 2023، تاريخ اندلاع حربه ضد قطاع غزة. الرئيس جو بايدن أظهر امتعاضه مراراً من نتنياهو، لكنه ما زال يدعم «إسرائيل» بالمال والسلاح بدعوى «أنها تدافع عن نفسها»! صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية كشفت أن إدارة بايدن وافقت على أكثر من 100 صفقة بيع أسلحة إلى «إسرائيل» بعد 7 أكتوبر 2023 حسبما أبلغ مسؤولون أمريكيون الكونغرس اخيراً في إحاطةٍ سرية، وأن هذه الصفقات لم تكن في حاجة إلى موافقة الكونغرس، لكون تكلفة كلٍّ منها أقل من الحدّ الأدنى الذي يتطلّب موافقته! نتنياهو ما زال يكابر ويتمسك بمواقفه الداعية إلى مواصلة الحرب لغاية تحقيق أهدافها. فوق ذلك، يبدو كأن منافسةً تدور بين الكتّاب والصحافيين الإسرائيليين على التساؤل: إلى أين يتجه الكيان المنقسم على نفسه سياسياً والمنهَك عسكرياً؟ عاموس هرئيل كبير المحللين السياسيين في صحيفة «هآرتس» (2024/3/8) يقول «إن التشاؤم تعمّق بشأن إمكانات التوصل إلى صفقة تبادل أسرى، والفجوات بين مواقف «إسرائيل» و»حماس» ما زالت كبيرة، وأشكُّ إذا كان لدى الطرفين إرادة حقيقية للوصول إلى اتفاق». إيال عوض الباحث المتخصص في اقتصاد غزة (موقع N12 ، 2024/3/12) يرى «أن الانشغال المهووس باحتلال رفح يمنع الجيش من التوصل إلى أهداف لا تقل أهميةً في الشهر المقبل. غزة ليست سباقاً إنما ماراثون لم تحقِّق فيه «إسرائيل» أهدافها الاستراتيجية. النتيجة: انتصار تكتيكي يمكن أن يتحوّل إلى هزيمة استراتيجية». يائير شيلغ ، المحلل السياسي والباحث في معهد هرتمان للسلام «مكور ريشون» (2024/3/13) يرى «أن احتمال عودة «حماس» إلى السيطرة على القطاع، إذا أخفقت «اسرائيل» في ضغطها، ما زال موجوداً».

في هذه الأثناء بدأ الجيش الأمريكي عملية تركيب رصيف بحري لربطه بشاطئ غزة. العملية تستغرق 60 يوماً على الأقل، ومن المتوقع أن تصل إليه سفن مساعدات من أساطيل أمريكية وأخرى من سائر الدول. هذا المشروع تموّله الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، ويتطلّب أكثر من 1000 جندي أمريكي للعمل في مجالات التركيب والتشغيل والصيانة، وتزعم واشنطن أنهم لن يكونوا موجودين على أرض غزة، لكن تسفي برئيل المحلل السياسي في صحيفة «هآرتس» (2024/3/11) يؤكد أن غاية إدارة بايدن من إقامة الرصيف هي «إحباط سياسة نتنياهو، التي تهدف إلى تحويل المساعدات الإنسانية إلى أداة ضغط استراتيجية ضد «حماس» وأداة في اللعبة السياسية الداخلية»، وأن «إسرائيل» «ستجد نفسها في وضع لا تستطيع فيه إغلاق طرق الوصول إلى القطاع طالما حليفتها الأهم (أمريكا) تقوم بإرسال أساطيل إلى غزة، وبذلك تفكك الرؤية الاستراتيجية الإسرائيلية بأن للحصار على غزة وظيفة مركزية». إلى هنا يبدو الرصيف البحري مبادرةً إنسانية أمريكية، لكن تفحّص المشروع يكشف أغراضاً اخرى شديدة السوء، أهمها خمسة:

الأول تغطية دعم أمريكا السافر، مالياً وعسكرياً، لعدوانية الكيان الصهيوني ومحاولة لبلسمة آلام الفلسطينيين الجرحى والجوعى المشردين في العراء نتيجةَ حرب الإبادة الإسرائيلية بأسلحة ثقيلة أمريكية أدّت إلى استشهاد أكثر من ثلاثين ألفاً، معظمهم من الأطفال والنساء، وجرح وإعاقة أكثر من سبعين ألفاً.

الثاني حرمان «حماس» من الظهور كجهة حريصة على تزويد سكان قطاع غزة بالغذاء والدواء والكساء.

الثالث استبدال منظمة الأونروا التي قطعت عنها الولايات المتحدة ودول أطلسية أخرى معوناتها المالية، وقامت «إسرائيل» أخيراً بقصف مستودعاتها في غزة، بمنظومة أخرى تكون مسؤولة عن توزيع الغذاء والمساعدات الإنسانية.

الرابع إبدال القوات الأمريكية العاملة في إدارة وتوزيع الغذاء وسائر المساعدات الإنسانية على السكان، بقوات وأجهزة إسرائيلية لدرجة حملت أوساطاً إسرائيلية على الإشارة إلى أن تشغيل الجيش الإسرائيلي في إدارة وتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة ستحوّله إلى جيش احتلال وقوة شرطة في القطاع («صحيفة هآرتس» بتاريخ 2024/3/11).

الخامس تحويل الجسر البحري الأمريكي إلى ميناء عائم ودائم ليصبح منفذاً لتهجير الفلسطينيين، الذين يعانون ويلات الحرب والحصار. وفي هذه الحالة يُخشى أن يكون الاردن هو وجهة التهجير ومنتهى توطين المهجرين الجّدد، لاسيما وأن دولاً نفطية عربية ستتقبّل، بضغطٍ من واشنطن، مهمة مساعدة عمّان على استيعابهم ودعمهم مالياً بسخاءٍ واسع ومصحوب بدعم مالي وتقني رديف من المنظومة التي تحاول الولايات المتحدة إحلالها محل الأونروا.

كيف يواجه الفلسطينيون وحلفاؤهم هذا التحدّي المستجد؟ بمواصلة المقاومة بلا كلل ولا ملل، والإصرار على عدم متابعة مفاوضات وقف القتال، إلاّ بعد رضوخ العدو الصهيوني، كما الولايات المتحدة، لمطلبٍ أساس هو سحب قواته من أراضي قطاع غزة كافة، والتسليم بأن إدارة القطاع تبقى مسؤولية الشعب الفلسطيني وحده وحقه في استبقاء تنظيمات المقاومة، على أن يتمّ التوافق في إطار الامم المتحدة ورعايتها على صيغة لإعادة إعمار غزة وقطاعها بمساهمات مالية تفرضها الأمم المتحدة على كل دولة يكرّسها قرار محكمة العدل الدولية الناظرة في الشكوى المقدّمة من دولة جنوب افريقيا ضد «إسرائيل»، مسؤولةً كما الكيان الصهيوني عن الجرائم المرتكبة خلال حرب الإبادة الاخيرة التي شنتّها «إسرائيل» على الشعب الفلسطيني. هل يجوز القبول بأقل من هذا العقاب والتعويض؟


الكاتب

عصام نعمان

مقالات أخرى للكاتب

العدد 84

الخميس 28 آذار 2024

"هل كان المعلم يعلم تاريخ اغتياله"

عصام نعمان


كثيرون عاصروا كمال جنبلاط جسداً . قلّة منهم ، ربما ، تسنّى لها أن تتذوق بعضاً من نبضات روحه . أزعم انني واحد من هذه القلّة . كانت المتعةُ تسطع خلال لحظات خاطفة في سياق حديثٍ عابر او تفكيرٍ جدّي لمواجهة تحدٍّ ماثل.

العدد 82

الثلاثاء 06 شباط 2024

نحو اقتران المقاومة الميدانية المسلّحة بالمقاومة المدنية الاقتصادية

عصام نعمان


فت ملحمة طوفان الأقصى في منبتها ومسيرتها ومرتجياتها أنها من صنع الشعوب وحسب. ما من حكومةٍ، ربما باستثناء حكومة اليمن في صنعاء، جاهرت

العدد 76

الخميس 03 آب 2023

السؤال المركزي في «إسرائيل»: كيف سيواجه نتنياهو وحلفاؤه المقاومتين الصاعدتين اللبنانية والفلسطينية؟

عصام نعمان


اسرائيل» ترتع في أزمةٍ خانقة، بعض المحللين السياسيين والعسكريين ومراكز الدراسات الاستراتيجية يرون أن حدّة الصراعات الداخلية، العنصرية


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك