الخميس 30 تشرين الثاني 2023
يوم سيندم العالم متأخراً!!
ملح الارض
عباس خلف
منذ الثامن من شهر تشرين الاول 2023، تواصل آلة القتل الاسرائيلية مذابحها ضد الشعب الفلسطيني ، في غزة خاصة ، وفي الضفة الغربية عامة . وهي تفعل ذلك بدم بارد، وتهدد بإبادة هذا الشعب الذي يواصل بشجاعة فائقة مقاومته لجبروتها واجرامها المتواصل منذ العام 1948 الى اليوم. حكومة نتنياهو المتطرفة عنصرياً، تمنع عن الفلسطينيين سبل العيش : تدمّر بيوتهم ، تصادر ممتلكاتهم، وتزجّ بهم في سجنها الكبير، وترسم الخطط لتهجيرهم وتنكر عليهم حقهم في الوجود، وتعمل جاهدة لتحويل فلسطين الى دولة عنصرية دينية لا يحق لغير اليهود حمل جنسيتها والعيش فيها. وهي تفعل ذلك مدعومة من الادارات الاميركية المتتابعة سياسياً وعسكرياً ومالياً وتعطيلاً لمختلف القرارات الدولية . ومستفيدةّ من التخاذل الاممي والدولي، وتقاعسه عن الدفاع عن القرارات التي تتخذها منظمة الامم المتحدة، وتناسيه لما يبشر به من ضرورة احترام الحقوق والاعراف الانسانية ، وحق كل شعب بالحرية والاستقلال وتقرير المصير.
ليس جديداً ولا مفاجئاً اليوم ان يتكرر فشل وعجز النظام الدولي في استخدام ادوات القانون الدولي وحقوق الانسان والديبلوماسية الدولية في حماية اكثر من مليوني شخص مدني في قطاع غزة. فلا مجلس الامن الدولي، ولا الجمعية العامة للامم المتحدة تريدان فرض قواعد القوانين الدولية على اسرائيل وداعمهيا في العالم الغربيّ
اكثر من مشروع قرار امام المنظمة الدولية أُبطلت، اما لسبب استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الامن، اولسبب عدم الزامية القرارات التي تصدر عن الجمعية العامة .
وللتذكير فقط ، نذكر كيف فشل النظام الدولي من قبل في الزام اسرائيل بتنفيذ القرارات الدولية بخصوص حل الدولتين ، وقضايا اللاجئين ، وبخصوص المستوطنات غير الشرعية، ووضع مدينة القدس الشرقية، تعلم اسرائيل جيداً حقيقة هذا العجز، وتعرف ان لديها، على الدوام ضوءاً اخضر لفعل ما تريد، وكيفما تشاء بسبب الدعم الاميركي والغربي، وبسبب عجز المنظومة الدولية عن فرض عقوبات عليها كونها الطفل المدلل للغرب الذي لا يمكن محاسبته ومنعه من مواصلة خرق القوانين، وتناسي مفاهيم العدالة وحقوق الانسان التي لا يحترمها في مواقفه المنحازة الى جانب الغاصب الاسرائيلي ، وتخاذله في الوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني الذي اغتصبت اسرائيل ارضه ، واحتلت وطنه ، وشرّدته ليعيش في مخيمات الذل من 75 عاماً، او ليتعرض لعمليات ابادة لمن بقي منه في ظل الاحتلال.
لكل هذا ثمن معروف ، وهو ثمن ربما اخطر مما يعتقده الساسة والديبلوماسيون في الغرب خاصة ، وفي العالم عامة ، ولكنهم اضعف من ان يقولوه صراحةّ . هذا الثمن ببساطة هو الفوضى والمزيد من عدم الاستقرار وانتشار العنف ليس فقط في منطقة الشرق الاوسط، بل في سائر انحاء العالم.
ان اول ملامح نتائج هذا العجز الدولي ستتبلور في ترسّخ فكرة العنف كوسيلة للمقاومة والخلاص، ليس فقط بين الشعب الفلسطيني بل بين الكثيرين من العرب والمسلمين وغيرهم من الشعوب المغلوبة على امرها، فاذا كانت اسرائيل لا تحترم سوى الاقوياء ، واذا كان القانون الدولي المعطل لا يخضع له سوى الضعفاء ، فان النتيجة المباشرة لهذا هو احتضان الشعوب لفكرة العنف كوسيلة للاستقواء وتغيير المعادلات الظالمة بالنسبة لهم، وهذا يعني ان المشكلة الطارئة اليوم تتخطى حماس والجهاد الاسلامي ، لاننا نتحدث عن انتشار هذه القناعات بين الكثيرين من سائر الدول وبالتالي ، فان تحطيم آلة حماس العسكرية لن يشكل هزيمة لحماس ، كما يعتقد الجانبان الاسرائيلي والغربي ، لان حماس ، في هذه الحالة ستكون الفكرة لا التنظيم .
اما ثاني نتائج هذا العجز الدولي ، فسيتمثل في اشتعال سريع لمنطقة الشرق الاوسط ودخولها في نفق الحروب، سواء منها تلك الاعتيادية ، او تلك التي يتم خوضها بين وكلاء الدول المتحاربة، والمشكلة هنا ستكون اكبر من دخول ايران في حرب اقليمية ، ولكن ستكون مدخلاً لتحويل المنطقة الى ساحة للفوضى ، ينتشر فيها السلاح بين الجماعات العنفية رغماً عن الدول وسلطاتها الرسمية ، فيضرب العنف والارهاب المنطقة، ويضرب معها الاستقرار الاقليمي الهش بطبيعته، مع مزيد من الانهيارات والثورات والحروب الاقليمية والاهلية . هذه الفوضى العارمة لن تقتتصر على منطقة الشرق الاوسط ، فالشعوب العربية والاسلامية منتشرة في ارجاء العالم، وهذا يعني ان اي عنف سيطال المنطقة قد ينتقل الى اوروبا والولايات المتحدة وقد يطال مصالح وقواعد هذه الدول في العالم. وما تشهده كبريات المدن في العالم من مظاهرات منددة بالعدوان الهمجي الاسرائيلي ، ومطالبة جميع المسؤولين في الدول الفاعلة بمواقف وافعال لوقف آلة الحرب الاسرائيلية ، والمبادرة الى عقد مؤتمر دولي عاجل يفرض اعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في العودة الى ارضه في فلسطين واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، لان مجرد الكلام على لسان سادة هذه الدول حول هذه الحقوق لا معنى له.
في النهاية المحتومة لمثل هذا النظام الفاشل الذي يعيش العالم في ظله لا يمكن استبعاد احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة قد تفرض اقامة نظام عالمي جديد اقدر على ادارة الشؤون العالمية .
وحتى لا تستمر المراوحة بلا نتائج، والى ان يتبين للجميع ان اسرائيل تمثل خطراً حقيقياً على كل بلدان المنطقة المعتدلة منها والمتشددة وعلى العالم ، وتجرّ الويلات على مختلف دول العالم بادعائها ان مقاتلاتها قادرة على الوصول الى كل دول المنطقة وانها قادرة على انهاء الحرب على غزة وابادة سكانها باستخدام قنبلتها النووية دون الخوف من اي عقاب .
ورغم قناعتنا بصدق نوايا من اجتمعوا ، عرباً ومسلمين في قمة الرياض في 11/11/2023، نذكّرهم بما توصّل اليه المعلم كمال جنبلاط من قناعات حول التعاطي مع القضية الفلسطينية وكيفية التعاطي معها:
1- ان الانتصار على اسرائيل يبدأ في انتصار العرب على انفسهم وانانياتهم ونزواتهم، وعلى روح التنافر والتنازع فيما بينهم. فلنفعل ذلك ، ولو لمرة واحدة ، فنشكل قوة رادعة وقادرة على التصدي وتقديم الدعم اللازم للعمل التحريري الفلسطيني ، وتمكينه من احراز النصر على العدوان الاسرائيلي.
(المرجع: من مقال له في جريدة "المحرر" بتاريخ 23/7/1968)
2- ان الساسة الاميركيون يقولون ، وهم في ذلك على حق ، انهم لم يخسروا شيئاً من نفوذهم ومصالحهم في العالم العربي، سواء قبل ام بعد حرب 1967، او طوال دعمهم الدائم لاسرائيل وعدوانها على فلسطين ودول جوارها العربية . فلماذا عليهم ان يأخذوا اليوم في الاعتبار ما يردده الحكام العرب حالياً من انتقاد للسياسة الاميركية .
(المرجع: من مقال له في جريدة الانباء بتاريخ 7/2/1970)
ونختم مقالنا بهذا التساؤل:
ماذا لو قررت الدول العربية التي لها علاقات تطبيع وسلام مع اسرائيل ان تعقد اجتماعاً طارئاً بعد قمة الرياض الاخيرة ، وتوجّه رسالة واضحة لاسرائيل: اذا شئتم استمرار العلاقات مع دولنا، عليكم وقف العدوان فوراً على غزة ، والشروع في مفاوضات جادة للوصول لحل حقيقي ودائم وعادل للقضية الفلسطينية وذلك وفقاً لما تعهّدتم به في اتفاق السلام في اوسلو ، ووفقاً لما عرضته عليكم قمة بيروت العربية سنة 2002، وقمة الرياض بالامس القريب.