نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 79

الثلاثاء 31 تشرين الأول 2023

موجة من الصور ومقاطع الفيديو الزائفة تجتاح "طوفان الأقصى"

علوم وتكنولوجيا

جريدة الشرق الاوسط

في العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم، لا يمكن الاستهانة بقوة العناصر المرئية في تشكيل وسرد القصص والأخبار. ومنذ بدء عملية «طوفان الأقصى» التي تشهد تصعيداً كبيراً، يستمر طوفان الصور ومقاطع الفيديو على منصات التواصل الاجتماعي، التي توثقها كاميرات المراسلين في الغالب، وأخرى يوثقها المدنيون بكاميرات هواتفهم الشخصية.

لكن ليس كل ما يتدفق من مواد هو حقيقي؛ بل قد تظهر صور ومقاطع فيديو مزيفة تؤدي إلى تضليل المشاهد، حتى وسائل الإعلام أحياناً.

من حسابات زائفة قد تنتحل شخصية صحافيين، إلى مشاهد من ألعاب فيديو حربية تُنشر على أنها حقيقية، كلها تضع منصات التواصل الاجتماعي أمام صعوبات لاحتواء موجة من المعلومات المضللة حول الحرب الدائرة بين إسرائيل وغزة.

الأخبار الكاذبة يمكن أن تؤدي إلى تضخيم الأحداث على الأرض أو تحريفها تماماً وتغيير الرأي العام ( شاترستوك)

سيل من الخداع

يقول باحثون في مجال التحقق من المعلومات المضللة: إن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يشاهدون كماً كبيراً من صور الحرب الزائفة، ومقاطع فيديو قديمة من سوريا أعيد نشرها لتبدو كأنها مصورة في غزة، ولقطات من ألعاب فيديو يتم تمريرها على أنها مشاهد من هجوم حركة «حماس».

على سبيل المثال، انتشرت صورة على الإنترنت يُزعم أنها تظهر جنوداً إسرائيليين أَسَرتهم حركة «حماس»، إلا أن صحافيي خدمة تقصّي صحّة الأخبار في وكالة «الصحافة الفرنسية» وجدوا أن الصورة التُقطت عام 2022 خلال تدريب عسكري في غزة.

هذه الصورة ملتقطة عام 2022 خلال مناورة في غزة وليست لجنود إسرائيليين أَسَرتهم «حماس» خلال عملية «طوفان الأقصى» (أ.ف.ب)

وفي مثال آخر، انتشر مقطع فيديو على نطاق واسع، ولأكثر من مليون مرة على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر فيه رجل فلسطيني ملثم يطلق النار على طائرة مروحية إسرائيلية، والتي تسقط بعد ذلك. تم الكشف عن أن الفيديو مزيف، وقد تم إنشاؤه باستخدام تقنية «التلاعب» بعد أن دمجت لقطات من لعبة الفيديو «أرما 3» مع لقطات من الحرب في غزة، بعد ملاحظة وجود عدد من العلامات تشمل أشياء غير منطقية فيه، مثل عدم حدوث تفاعل بين الطيار وإطلاق النار، واختلافات في جودة الفيديو.

فيديو مزيف آخر تم اكتشافه من قبل موقع «FactCheck.org» يزعم أن مجموعة من الناس يهاجمون امرأة إسرائيلية، وأن تصويره تم في غزة. لكن تبيَّن من خلال التحقيق أن التصوير حصل في غواتيمالا لحملة إعلانية عام 2015. وبعد تداوله على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، لاحظ موقع «FactCheck.org» وجود عدد من العلامات التي تشير إلى إنشائه باستخدام تقنية التلاعب بالفيديو، وعدم وجود رد فعل من المرأة التي تعرضت للهجوم، واختلافات في جودة الفيديو أيضاً.

وسائل التواصل والمعلومات الحقيقية

يلجأ الناس في أوقات الأزمات والحروب والكوارث الطبيعية إلى منصات التواصل الاجتماعي؛ للحصول على المعلومات؛ حيث يعد الحصول عليها أمراً سهلاً وسريعاً ومجانياً. قد يفتح ذلك شهية المخادعين الذين ينشرون الأكاذيب والكراهية بحثاً عن التفاعل والمتابعين، إضافة إلى الخوارزميات التي تنشر هذا المحتوى المثير للقلق، ما يطرح سؤالاً عن كون وسائل التواصل الاجتماعي مكاناً موثوقاً للحصول على المعلومات.

يقول أحمد الشيخ، خبير الدور السياسي لمنصات التواصل الاجتماعي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» من لندن: «إنه لا يمكن اعتبار وسائل التواصل الاجتماعي مصدراً للأخبار؛ بل هي وسيلة لنشر المصادر» التي قد تكون موثوقة أو غير موثوقة. ويعتبر أن دور المستخدم يكمن في اختيار المصادر الموثوق بها. أما بالنسبة لنقل الأحداث المباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يقول أحمد الشيخ: إن ذلك قد يجعل المصدر موثوقاً «للمدة التي يتم فيها نقل الحدث»، لكن لا يجعله مصدراً للحدث بشكل عام. وهنا يظهر جانب آخر من مشاكل التواصل الاجتماعي؛ حيث إنها تركز على جزء من الحدث وليس على الحدث كله، بحكم توجهات الناقل السياسية أو الاجتماعية، أو إمكاناته المادية واللوجستية، ما يعني عدم اعتداده مصدراً لنقل الأخبار.

التحقق من المعلومات

ما يزيد الطين بلة، هو أن منصات التواصل الاجتماعي تبدو كأنها تتخلى عن جهودها الرامية إلى إبراز المعلومات الجيّدة أو الحقيقية، وخصوصاً مع عمليات تسريح موظفين، وخفض التكاليف التي طالت فرق الأمن والسلامة، ما يعيق قدرتها على التعامل مع هذه الفوضى، وخصوصاً وقت الأزمات. وما يفاقم المشكلة -حسب مراقبين- أنه مثلاً في منصة «إكس» المملوكة لإيلون ماسك، يوجد عدد كبير من الإجراءات المثيرة للجدل، كإعادة تفعيل حسابات تروج لمؤامرات زائفة، ووضع برنامج لمشاركة عائدات الإعلانات مع صانعي المحتوى، ما يحفّز البحث عن التفاعل بدلاً من توخي الدقة.

يعتبر أحمد الشيخ، خبير الدور السياسي لمنصات التواصل الاجتماعي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «إكس» كغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي تعيش فوضى توثيق الحسابات بالعلامة الزرقاء؛ حيث كانت في السابق تعتبر الحسابات الموثقة -نوعاً ما- مصدراً للخبر. لكن الآن يمكن لأي شخص توثيق حسابه مقابل مبلغ مالي قليل (8 دولارات) ما أدى إلى سيل من الأخبار الزائفة التي تؤثر على المستخدمين الذين لا يمكن أن يثقوا غالباً في تلك العلامات الزرقاء، واعتبارها تمثل جهات رسمية أو شخصيات حقيقية.

الملياردير الأميركي إيلون ماسك صاحب منصة «إكس» (أ.ف.ب)

آثار التزييف والتضليل

في الوقت الذي يكون من الصعب فيه إحصاء الآثار السلبية الناجمة عن المعلومات المضللة في أثناء الحروب والكوارث، يمكن أن تؤدي إلى تضخيم الأحداث على الأرض أو تحريفها تماماً. كما قد ينتج عنها تحريف الرأي العام، وصعوبة فهم الأطراف المحايدة للوضع الفعلي، واستنتاج تحليلات أو تدخلات خاطئة. ويعتبر البعض أنه من خلال الأدوات الرقمية المتاحة لها، يمكن للأحزاب استخدام المحتوى المزيف سلاحاً للدعاية، وتعميق الانقسامات، وإعاقة عمليات السلام. والأخطر من ذلك هو ما قد يتحمله المدنيون الذين غالباً ما يقعون في مرمى النيران.

هذا بالإضافة إلى أن وطأة ردود الفعل على التقارير الكاذبة، وما قد تثيره الصور ومقاطع الفيديو من مشاعر، يمكن أن يدفعا الأفراد نحو آراء أو أفعال متطرفة. وغالباً ما يقع هؤلاء ضحية للتحيز؛ حيث يعتقدون بالمعلومات التي تتوافق مع وجهات نظرهم. ويمكن للمحتوى المزيف أن يعزز هذه التحيزات، ما يزيد من ترسيخ الانقسامات.

يتم إنتاج فيديوهات مزيفة باستخدام تقنية «التلاعب» ودمج لقطات من أحداث سابقة أو ألعاب إلكترونية ( شاترستوك)

ما الحل؟

ليس هناك جواب واضح لذلك، أو عملية حسابية متوفرة تساعد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. لكن خبير الدور السياسي لمنصات التواصل الاجتماعي، أحمد الشيخ، يقول لـ«الشرق الأوسط»: إن أبسط ما يمكن أن يقوم به المستخدم هو «اللجوء إلى المصادر الموثوقة، مثل حسابات تمثل وزارات الصحة، أو منظمات رسمية، أو وزارات الخارجية، وبالطبع وسائل الإعلام الكبرى ووكالات الأنباء».

كما يمكن تطوير أدوات للتحقق من صحة المعلومات، تمكّن الذكاء الاصطناعي من التعرف على المضللة منها، وتحديد مقاطع الفيديو المزيفة، أو استخدام خاصية البحث العكسي التي توفرها «غوغل»؛ لإيجاد مصدر صورة أو فيديو ما. كما يساعد إنشاء وحدات متخصصة في التحقق من صحة المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو المؤسسات الإخبارية التي تستطيع العمل على إزالة المعلومات المضللة ونشر تلك الصحيحة.

إضافة إلى ذلك، يعدّ تثقيف المستخدمين حول كيفية التحقق من صحة المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي أمراً لا يقل أهمية، عبر نشر مقاطع الفيديو التعليمية والمقالات التعريفية. والأهم أيضاً أن يكون المستخدمون أنفسهم على دراية بالمخاطر المرتبطة بمشاركتهم للمعلومات المضللة؛ حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم التوترات ونشر الكراهيَة.


الكاتب

جريدة الشرق الاوسط

مقالات أخرى للكاتب

العدد 47

الثلاثاء 02 آذار 2021

تساؤلات حول تحوّرات «كورونا»

جريدة الشرق الاوسط


في عامه الثاني، لا يزال فيروس «كورونا المستجد» يؤثر على بلدان العالم صحيا واقتصاديا واجتماعيا، حيث ينتشر في 219 دولة ومنطقة، واقترب عدد المصابين به من المليون العاشر بعد المائة، واقتربت وفياته من المليونين ونصف. وتتصدر

العدد 47

الثلاثاء 02 آذار 2021

أبحاث لتطوير لقاح موحد ضد كل الفيروسات التاجية

جريدة الشرق الاوسط


الجميع سيتذكر اختراع لقاحات «كوفيد – 19» على أنه حدث مهم في تاريخ الطب، ولا سيما أنه تم تطويرها في غضون أشهر بعد أن كان ابتكار اللقاحات يتطلب عشر سنوات على الأقل. ولكن الدكتور كيفون مودجارّاد، مدير فرع

العدد 46

الإثنين 01 شباط 2021

كوفيد 19 يتوج سنة 2020 سنة العلوم لكن الاوساط العلمية ليست متفائلة

جريدة الشرق الاوسط


لم يحصل في تاريخ العلوم الطبية أن تمكن الباحثون من تطوير لقاح بالسرعة التي تم بها تطوير اللقاح ضد «كوفيد - 19»، الذي لم يستغرق أكثر من عشرة أشهر، فيما يستغرق تطوير اللقاحات عادة من خمس إلى ثماني، وأحياناً عشر، سنوات.

العدد 43

الثلاثاء 03 تشرين الثاني 2020

صحة وغذاء: "الصحة العالمية": الفيروس لم يتغير، بل نحن غيرنا سلوكنا

جريدة الشرق الاوسط


عاد فيروس كورونا ليتسلل إلى الخريف الأوروبي الذي بدأت تتساقط عليه أوراق القلق من موسم عزلة جديد، ويتمدّد فيه الخوف من الوباء الذي باتت أرقام انتشاره تهدد بفصل جديد من الإقفال والشلل الاقتصادي.


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك