الثلاثاء 31 تشرين الأول 2023
الشرق الاوسط الجديد بين الطموحات والتحديات ومخاطر الدمار الشامل
ملح الارض
عباس خلف
بحكم موقعها الجيوسياسي الاستراتيجي بين آسيا واوروبا وافريقيا ، كانت منطقة الشرق الاوسط، على مر التاريخ محطّ الطموحات التوسعية للامبراطوريات ، وللتطلعات التجارية العابرة للقارات وللبحار. ولازال التنافس عليها قائماً الى اليوم. طموحات ايرانية وتركية وصهيونية من جهة ، وصراع نفوذ اميركي اوروبي روسي وصيني من جهة اخرى ، وهذا كله يحصل على حساب العرب الذين ضعف دورهم ، وانغمسوا في صراعات داخلية خطيرة .
وعلى صعيد التجارة العالمية العابرة للقارات وللبحار ، تشهد منطقة الشرق الاوسط اليوم صراع نفوذ وسيطرة متعددة الاطراف ، تتمثل خاصة بـ :
1- المشروع الصيني لإحياء طريق الحرير المنطلق من الصين الى اوروبا وافريقيا عبر منطقة الشرق الاوسط، ونافذته على البحر المتوسط مرفأ اللاذقية السوري.
2- المشروع الهندي لإحياء طريق التوابل الذي برز مؤخراً في قمة العشرين وتتولاه : الهند واليابان ودول جنوب شرق اسيا من جهة والسعودية ودول الخليج العربية والاردن والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي من جهة اخرى، ونافذته على البحر المتوسط مرفأ حيفا الاسرائيلي في فلسطين المحتلة .
3- المشروع الروسي لتحقيق الحلم التاريخي القيصري بالوصول الى المياه الدافئة في البحر المتوسط وتنشيط التجارة مع بلدان الشرق الاوسط وحوض البحر المتوسط وافريقيا . ومن اجل ذلك تدخلت روسيا عسكرياُ في سوريا وسيطرت على منافذها البحرية وخاصة مرفأ اللاذقية كمنطلق لتحقيق هذا الحلم.
هذه المشاريع على اختلافها تواجه تحديات كبرى في منطقة الشرق الاوسط التي تهدد الامن والاستقرار فيها النزاعات والحروب ، وتستوجب جهوداً جبارة لانهائها، وتطبيع العلاقات بين دولها كافة دون استثناء. ولتحقيق هذا الهدف تنشط المساعي الدولية : زيارات، مؤتمرات ، إبرام اتفاقات مع دول منطقة الشرق الاوسط، تحفّز هذه الدول على التطبيع والتعاون لضمان سلامة خطوط التجارة العالمية عبر هذه البلدان .
وكان من نتائج هذه الجهود، نجاح الصين في التطبيع بين ايران وبعض دول الخليج العربية. ونجاح الولايات المتحدة في التطبيع بين اسرائيل والعديد من الدول العربية في المشرق والمغرب ، والتركيز على تحقيق التطبيع بين اسرائيل والمملكة العربية السعودية لأهمية الدور المركزي الذي باتت تمثله عربياً واسلامياً ودولياً. الا ان المملكة وفاءً منها لمبادرتها التي تبنّتها قمة بيروت العربية سنة 2002، تشترط تحقيق الحل العادل للقضية الفلسطينية على اساس اعادة الارض مقابل السلام ، اي اقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ، واعادة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم ووطنهم فلسطين ، لكي تنعم اسرائيل بالسلام مع جوارها العربي . وهذا يعني ان مشروع الممر الاقتصادي (طريق التوابل) لا يمكن تحقيقه قبل حل المشكلة الاسرائيلية الفلسطينية العربية .
اضافة لهذه العقبة الرئيسية ، تبرز عقبة المشروع الايراني والسعي المستمر لإقامة محور الممانعة : ايران – العراق – سوريا – لبنان – اليمن، المناهض لإسرائيل والولايات المتحدة. ويبدو ان الجهود الاميركية ناشطة حالياً في التواصل مع ايران وحل النزاعات معها لتصبح فيما بعد جزءاً من مشروع الممر هي ودول محورها. ولعله كان لافتاً الرسالة التي وجهها الرئيس الايراني الى المسؤولين السعوديين ودعوتهم الى تنشيط العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات ، مع علمه ان السعودية دورها سيكون اساسياً في المشروع الاقتصادي "طريق التوابل" المطبّع مع اسرائيل . فهل سيتم التطبيع مع ايران بعد حل القضية الفلسطينية ؟ ام ان الامور تتجه الى الاسوأ بعد انفجار الاوضاع الحربية المدمرة؟
فما تشهده غزة وسائر المناطق الفلسطينية ، منذ السابع من شهر تشرين الاول الحالي، من عدوان وحشي بري وبحري وجوي، يدمر البشر والحجر، ومن حصار شامل على القطاع في غزة يمنع عن الفلسطينيين المدنيين الماء والغذاء والدواء والوقود، منافي لكل القوانين والاعراف الانسانية ، ويهدد بالتوسع ليشمل لبنان وسوريا ، ويقضي بالتالي على مختلف المشاريع المطروحة للتواصل والتجارة بين اسيا واوروبا وافريقيا عبر منطقة الشرق الاوسط التي اشرنا اليها في مطلع هذا المقال.
اما لبنان ، الذي يعاني هذه الايام من ازمات وجودية لم يشهد مثلها سابقاً ، فيبدو ان مصيره مهدد ودوره يتلاشى ، فيما ارباب السياسة فيه غافلون عن كل ذلك ، ومستمرون في المناكفات والنزاعات والانقسامات التي تعطل كل الحلول المقترحة للمعاناة الشاملة التي تهدد حاضر اللبنانيين ومستقبل اجيالهم، ومصير وطنهم. فيستمر الشغور الرئاسي والشلل الحكومي والنيابي والاداري في مختلف ادارات الدولة ومؤسساتها ويتفاقم معه الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي والمعيشي والامني، يضاف اليه الاخطار الداهمة من الحدود الجنوبية مع العدو الاسرائيلي .
قد يقول البعض لتبرير مواقفه وتصرفاته ، ان الظروف السياسية والتداعيات العسكرية في المنطقة الشرق اوسطية ، لا تسمح بانتخاب رئيس للجمهورية في الظروف الراهنة. لكن الرد المنطقي على ذلك هو اننا ، بسبب هذه الظروف والتداعيات والمخاطر الوجودية على لبنان ، احوج ما نكون للتخلي عن كل المواقف والمطامح والدواعي الشخصية والحزبية والمحورية ذات الطابع الطائفي والمذهبي ، والمبادرة فوراً للتلاقي وانتخاب رئيس للجمهورية ، والتعاون الصادق المتجرد عن كل غاية ، خارج الحاجة الوطنية، لتشكيل حكومة وحدة وطنية تطلق يدها في وضع الخطط الانقاذية في مختلف المجالات ، وتشرف على تنفيذها من خلال اعادة تشكيل الادارات والمؤسسات في مختلف القطاعات، وتعيد الثقة بالسلطة اللبنانية في الداخل والخارج الاقليمي والدولي، فيستعيد لبنان دوره ورسالته ، وتحييده عن المخاطر المحيقة في المنطقة من حوله.
ونقول للجميع في لبنان مع المعلم كمال جنبلاط :
"نحن ندرك فداحة الاوضاع وخطورتها على حاضر اللبنانيين ومستقبل اجيالهم ، وعلى الكيان والوجود. وما من احد يستطيع انكار ذلك ، والادعاء انه يعلم الى اين تتجه الامور ، وسط فشل عام ، وعجز عن اتخاذ ما يلزم من تدابير لانقاذ لبنان واللبنانيين من المعاناة والانهيار وربما الزوال."
(المرجع: مقال نشرته جريدة الانباء في 14/3/1959)
ولابد من كلمة صادقة اخيراً للاخوة الفلسطينيين : من دونكم لا سلام حقيقي في المنطقة ، ولا مشاريع مشتركة في منطقة الشرق الاوسط، فهل تستطيعون الدفاع عن القضية الفلسطينية وسط هذه الهجمة العالمية، وانتم على هذه الحالة من الانقسام والشرذمة وتباين الولاءات والاقتتال الداخلي حتى في مخيمات الشتات، وما يحصل في مخيم عين الحلوة في لبنان ، ابرز دليل على ذلك؟ هل انتم بحاجة الى سلطة تتقاتلون عليها ، والى دولة بلا ارض ولا سيادة، شعبها يعاني ابشع صور القمع والعدوان والالغاء الاسرائيلي مدعوماً من الراعي الاميركي؟ ام الى قيادة ثورية رشيدة توحّد الشعب الفلسطيني، وتصمد في مواجهة كل المحاولات الاجرامية لتجاوز الحقوق الفلسطينية وتعمل للتحرير ولبناء الدولة الفلسطينية السيدة المستقلة التي تصون الحقوق وتعيد اللاجئين الى الديار وتكون القدس الشرقية عاصمة ابدية لها.
الوحدة.. الوحدة ودائماً الوحدة هي طريقكم للصمود والنضال لاستعادة الحقوق الفلسطينية كاملة.