نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 79

الثلاثاء 31 تشرين الأول 2023

الشرق الاوسط الجديد بين الطموحات والتحديات ومخاطر الدمار الشامل

ملح الارض

عباس خلف

بحكم موقعها الجيوسياسي الاستراتيجي بين آسيا واوروبا وافريقيا ، كانت منطقة الشرق الاوسط، على مر التاريخ محطّ الطموحات التوسعية للامبراطوريات ، وللتطلعات التجارية العابرة للقارات وللبحار. ولازال التنافس عليها قائماً الى اليوم. طموحات ايرانية وتركية وصهيونية من جهة ، وصراع نفوذ اميركي اوروبي روسي وصيني من جهة اخرى ، وهذا كله يحصل على حساب العرب الذين ضعف دورهم ، وانغمسوا في صراعات داخلية خطيرة .

وعلى صعيد التجارة العالمية العابرة للقارات وللبحار ، تشهد منطقة الشرق الاوسط اليوم صراع نفوذ وسيطرة متعددة الاطراف ، تتمثل خاصة بـ :

1- المشروع الصيني لإحياء طريق الحرير المنطلق من الصين الى اوروبا وافريقيا عبر منطقة الشرق الاوسط، ونافذته على البحر المتوسط مرفأ اللاذقية السوري.

2- المشروع الهندي لإحياء طريق التوابل الذي برز مؤخراً في قمة العشرين وتتولاه : الهند واليابان ودول جنوب شرق اسيا من جهة والسعودية ودول الخليج العربية والاردن والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي من جهة اخرى، ونافذته على البحر المتوسط مرفأ حيفا الاسرائيلي في فلسطين المحتلة .

3- المشروع الروسي لتحقيق الحلم التاريخي القيصري بالوصول الى المياه الدافئة في البحر المتوسط وتنشيط التجارة مع بلدان الشرق الاوسط وحوض البحر المتوسط وافريقيا . ومن اجل ذلك تدخلت روسيا عسكرياُ في سوريا وسيطرت على منافذها البحرية وخاصة مرفأ اللاذقية كمنطلق لتحقيق هذا الحلم.

هذه المشاريع على اختلافها تواجه تحديات كبرى في منطقة الشرق الاوسط التي تهدد الامن والاستقرار فيها النزاعات والحروب ، وتستوجب جهوداً جبارة لانهائها، وتطبيع العلاقات بين دولها كافة دون استثناء. ولتحقيق هذا الهدف تنشط المساعي الدولية : زيارات، مؤتمرات ، إبرام اتفاقات مع دول منطقة الشرق الاوسط، تحفّز هذه الدول على التطبيع والتعاون لضمان سلامة خطوط التجارة العالمية عبر هذه البلدان .

وكان من نتائج هذه الجهود، نجاح الصين في التطبيع بين ايران وبعض دول الخليج العربية. ونجاح الولايات المتحدة في التطبيع بين اسرائيل والعديد من الدول العربية في المشرق والمغرب ، والتركيز على تحقيق التطبيع بين اسرائيل والمملكة العربية السعودية لأهمية الدور المركزي الذي باتت تمثله عربياً واسلامياً ودولياً. الا ان المملكة وفاءً منها لمبادرتها التي تبنّتها قمة بيروت العربية سنة 2002، تشترط تحقيق الحل العادل للقضية الفلسطينية على اساس اعادة الارض مقابل السلام ، اي اقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ، واعادة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم ووطنهم فلسطين ، لكي تنعم اسرائيل بالسلام مع جوارها العربي . وهذا يعني ان مشروع الممر الاقتصادي (طريق التوابل) لا يمكن تحقيقه قبل حل المشكلة الاسرائيلية الفلسطينية العربية .

اضافة لهذه العقبة الرئيسية ، تبرز عقبة المشروع الايراني والسعي المستمر لإقامة محور الممانعة : ايران – العراق – سوريا – لبنان – اليمن، المناهض لإسرائيل والولايات المتحدة. ويبدو ان الجهود الاميركية ناشطة حالياً في التواصل مع ايران وحل النزاعات معها لتصبح فيما بعد جزءاً من مشروع الممر هي ودول محورها. ولعله كان لافتاً الرسالة التي وجهها الرئيس الايراني الى المسؤولين السعوديين ودعوتهم الى تنشيط العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات ، مع علمه ان السعودية دورها سيكون اساسياً في المشروع الاقتصادي "طريق التوابل" المطبّع مع اسرائيل . فهل سيتم التطبيع مع ايران بعد حل القضية الفلسطينية ؟ ام ان الامور تتجه الى الاسوأ بعد انفجار الاوضاع الحربية المدمرة؟

فما تشهده غزة وسائر المناطق الفلسطينية ، منذ السابع من شهر تشرين الاول الحالي، من عدوان وحشي بري وبحري وجوي، يدمر البشر والحجر، ومن حصار شامل على القطاع في غزة يمنع عن الفلسطينيين المدنيين الماء والغذاء والدواء والوقود، منافي لكل القوانين والاعراف الانسانية ، ويهدد بالتوسع ليشمل لبنان وسوريا ، ويقضي بالتالي على مختلف المشاريع المطروحة للتواصل والتجارة بين اسيا واوروبا وافريقيا عبر منطقة الشرق الاوسط التي اشرنا اليها في مطلع هذا المقال.

اما لبنان ، الذي يعاني هذه الايام من ازمات وجودية لم يشهد مثلها سابقاً ، فيبدو ان مصيره مهدد ودوره يتلاشى ، فيما ارباب السياسة فيه غافلون عن كل ذلك ، ومستمرون في المناكفات والنزاعات والانقسامات التي تعطل كل الحلول المقترحة للمعاناة الشاملة التي تهدد حاضر اللبنانيين ومستقبل اجيالهم، ومصير وطنهم. فيستمر الشغور الرئاسي والشلل الحكومي والنيابي والاداري في مختلف ادارات الدولة ومؤسساتها ويتفاقم معه الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي والمعيشي والامني، يضاف اليه الاخطار الداهمة من الحدود الجنوبية مع العدو الاسرائيلي .

قد يقول البعض لتبرير مواقفه وتصرفاته ، ان الظروف السياسية والتداعيات العسكرية في المنطقة الشرق اوسطية ، لا تسمح بانتخاب رئيس للجمهورية في الظروف الراهنة. لكن الرد المنطقي على ذلك هو اننا ، بسبب هذه الظروف والتداعيات والمخاطر الوجودية على لبنان ، احوج ما نكون للتخلي عن كل المواقف والمطامح والدواعي الشخصية والحزبية والمحورية ذات الطابع الطائفي والمذهبي ، والمبادرة فوراً للتلاقي وانتخاب رئيس للجمهورية ، والتعاون الصادق المتجرد عن كل غاية ، خارج الحاجة الوطنية، لتشكيل حكومة وحدة وطنية تطلق يدها في وضع الخطط الانقاذية في مختلف المجالات ، وتشرف على تنفيذها من خلال اعادة تشكيل الادارات والمؤسسات في مختلف القطاعات، وتعيد الثقة بالسلطة اللبنانية في الداخل والخارج الاقليمي والدولي، فيستعيد لبنان دوره ورسالته ، وتحييده عن المخاطر المحيقة في المنطقة من حوله.

ونقول للجميع في لبنان مع المعلم كمال جنبلاط :

"نحن ندرك فداحة الاوضاع وخطورتها على حاضر اللبنانيين ومستقبل اجيالهم ، وعلى الكيان والوجود. وما من احد يستطيع انكار ذلك ، والادعاء انه يعلم الى اين تتجه الامور ، وسط فشل عام ، وعجز عن اتخاذ ما يلزم من تدابير لانقاذ لبنان واللبنانيين من المعاناة والانهيار وربما الزوال."

(المرجع: مقال نشرته جريدة الانباء في 14/3/1959)

ولابد من كلمة صادقة اخيراً للاخوة الفلسطينيين : من دونكم لا سلام حقيقي في المنطقة ، ولا مشاريع مشتركة في منطقة الشرق الاوسط، فهل تستطيعون الدفاع عن القضية الفلسطينية وسط هذه الهجمة العالمية، وانتم على هذه الحالة من الانقسام والشرذمة وتباين الولاءات والاقتتال الداخلي حتى في مخيمات الشتات، وما يحصل في مخيم عين الحلوة في لبنان ، ابرز دليل على ذلك؟ هل انتم بحاجة الى سلطة تتقاتلون عليها ، والى دولة بلا ارض ولا سيادة، شعبها يعاني ابشع صور القمع والعدوان والالغاء الاسرائيلي مدعوماً من الراعي الاميركي؟ ام الى قيادة ثورية رشيدة توحّد الشعب الفلسطيني، وتصمد في مواجهة كل المحاولات الاجرامية لتجاوز الحقوق الفلسطينية وتعمل للتحرير ولبناء الدولة الفلسطينية السيدة المستقلة التي تصون الحقوق وتعيد اللاجئين الى الديار وتكون القدس الشرقية عاصمة ابدية لها.

الوحدة.. الوحدة ودائماً الوحدة هي طريقكم للصمود والنضال لاستعادة الحقوق الفلسطينية كاملة.


الكاتب

عباس خلف

مقالات أخرى للكاتب

العدد 48

الخميس 01 نيسان 2021

مواقف لكمال جنبلاط ترسم خريطة طريق لانقاذ حاضر الوطن ومستقبل الكيان

عباس خلف


في السادس عشر من شهر آذار سنة 1977، اغتالت يد الغدر المعلم كمال جنبلاط قبل ان يتم الستين من عمره. وترك على هذه الارض الطيبة التي ناضل من اجل مستقبل افضل لمواطنيها، دعوة للبنانيين للثورة على الظلم والوصاية والتبعية والفساد والتحرر من السجن الكبير. لقد اغتالوا جسد المعلم ، ولكن فكره باق بقاء هذه الارض والتغيير آتٍ لا محالة اذا اراد اللبنانيون لوطنهم ان يستمر ويدوم

العدد 47

الثلاثاء 02 آذار 2021

كلمة حق

عباس خلف


"ان كلمة الحق التالية نشرتها على الفيسبوك بتاريخ 22 نيسان 2014، وقد كتبت بموضوعية وصدق بصرف النظر عن علاقة الصداقة التاريخية بين جان عبيد وبيني. وقد وجدت من المناسب ان اعيد نشرها في "ملح الارض" للتاريخ والذكرى، ولأن الفقيد الغالي حافظ على الالتزام الصارم بالقيم الاخلاقية والانسانية الى آخر يوم من حياته. تحية محبةٍ ووفاء الى روحه الطاهرة."

العدد 46

الإثنين 01 شباط 2021

عن اية دولة مدنية يتحدثون؟

عباس خلف


لبنان اليوم مهدد بكيانه ، وبمعاناة شعبه التي لم يشهد لها مثيلاً في اصعب مراحله التاريخية : انهيار مالي واقتصادي، اختناق اجتماعي، فقر مدقع وبطالة، هجرة تواجه اقفال ابواب السفارات في وجهها، دول شقيقة وصديقة تحولت عن الاهتمام بالقضايا

العدد 43

الثلاثاء 03 تشرين الثاني 2020

ملح الارض - قضايا الفكر يسيئ اليها الاجتزاء ، وتستدعي التجرد وحسن الاطلاع

عباس خلف


مناسبة هذا العنوان كلام مجتزأ نسب الى المعلم كمال جنبلاط، وخلق التباساً حول رؤية صاحبه للبنان الحداثة، وصوّره داعية للتقسيم الطائفي وفدرالية الطوائف. وبما اننا في رابطة اصدقاء كمال جنبلاط مؤتمنون وحريصون على ابراز تراث كمال جنبلاط الفكري والسياسي


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك