كلمة الاستاذ سعيد الغز
كلمة الاستاذ سعيد الغز
فرح
هو المثقف المستنير والاشتراكي العتيد وأحد رموز النخبة التي رافقت المعلم الشهيد كمال جنبلاط في مسيرته النضالية ، من اجل الحرية والتحرر والانعتاق من الذات ، والديمقراطية والعلمانية . مملكته الكتابة وميدانه الفكر وسلاحه ريشة ودواة .متوقد الذهن ، مكثار العطاء ، يفيض طيبة وتواضع ، باختصار انه الأستاذ سعيد الغز .
هو الصديق للأستاذ عباس خلف الذي تزهو الصداقة به وتطيب ، والرفيق الذي لازمه في مفوضية الشؤون الخارجية في الحزب التقدمي الاشتراكي وعاونه في مسيرته النضالية منذ البدايات وفي مسيرته الإصلاحية في وزارة الاقتصاد والتجارة .
هو احد مؤسسي "رابطة أصدقاء كمال جنبلاط" والمؤتمن على سرّها . يشكل هو والأستاذ عباس خلف صنوان متلازمان في الإنتماء ، والالتزام ، والوفاء لفكر المعلّم الشهيد، فعملاً على بعثه من جديد ، زخماً انسانياً ومعرفياً ووطنياً بين الناشئة.
استاذ سعيد تفضل سنترك لك الكلام كي تضيء على مسيرة الاستاذ عباس كرئيس لرابطة أصدقاء كمال جنبلاط وكوزير سابق للاقتصاد من موقعك كصديق ورفيق على امتداد سحابة العمر.
في كتابه الموسوعي : "ملح الارض": مسيرة التزام ونضال ووفاء . حرص المؤلف الاستاذ عباس خلف ، على ان يثبت بالدلائل والبراهين والوقائع ، انه ، في مسيرته على تنوعها ، وتعدد مراحلها ، قد التزم بالمبادىء التي اعتنقها وآمن بها وتبنّاها ، وعمل جهده لتحقيقها ، وكان صلباً لا يساوم ولا يقايض في مواقفه ونضاله ، وصادقاً وفياً في علاقاته وصداقاته ، وعلى الأخص مع المعلم كمال جنبلاط.
فلنستمع اليه في المقدمة العامة لكتابه ، وفي تعداده للأهداف المرجوة من هذا الكتاب، قوله :
"اما الهدف الرابع ، فهو الوفاء لروح المعلم كمال جنبلاط الإجتماعية والأخلاقية ، وتبني القيم التي اعتنقها وبشّر بها واعتبرها طريق الخلاص لجيل اليوم وللأجيال الآتية : فهو الرفيق والصديق والمرشد الذي سلكت طريقه."
ثم يطالعنا بصورة له مع المعلم كمال جنبلاط ، زينت المدخل الى كتابه ، وسجل تحتها ما يلي:
"لقد رافقت كمال جنبلاط لمدة ربع قرن من الزمن ، وأيقنت ان لقب "المعلم " الذي اطلق عليه ، هو الوصف الصحيح والواقعي واللائق ، فهو معلم في الأخلاق وفي الإلتزام بالقيم الإنسانية ، وفي الثقافة والادب والشعر والفلسفة والفكر السياسي . وهو معلم في ادب الحياة واللياقة ومعاملة الناس باحترام دون تمييز او تفرقة."
لهذه الصفات والمزايا الفريدة ، أحبّ عباس خلف كمال جنبلاط وتعلّق به ، وتبنّى مبادئه ونهجه في النضال والمثابرة ، وتعهّد بمتابعة المسيرة على خطاه ، والعمل الجاد المتواصل لابقاء فكره وآرائه ومواقفه ومشاريعه الإصلاحية ورؤياه المستقبلية حيّة في متناول كل رائد اصلاح او مناضل امين على مبادىء المعلم كمال جنبلاط ، ومصمم على العمل على هديها.
وفي مقابل هذا الكلام عن صدق مسيرة عباس خلف ، أنقل لكم كلاماً من الماضي يحاكي الحاضر الذي نحن بصدد التحدث عنه في لقائنا اليوم . كلام وجّهه معلّم الوفاء كمال جنبلاط للأوفياء من رفاقه واصدقائه ، ويبدو وكأنه موجّه للأستاذ عباس خلف اليوم ، جاء فيه .
"إن الرفقة والصداقة تفرض علينا الوفاء لكل من بادلنا بحبه وتعلقه اولاً ، او بادلنا بتبنّيه لمبادئنا ولنهجنا ، او بالاثنين في آن معاً . فالمصلحة الشخصية لا يمكنها ، في نظرنا ، ان تبرر اي رفقة او صداقة ، والشرف البديهي عند الإنسان يقضي بالوفاء الكامل غير المشروط لمن والاك وأحبك، او لمن اقتنع بمبادئك وآمن بها وسار على نهجها ".
(المرجع : من مقال لكمال جنبلاط بعنوان "شيء من الصراحة " نشرته جريدة الأنباء بتاريخ 29 شباط سنة 1964 ، ورد في الصفحة 119 من كتابه " في رحاب التقدمية").
انها حقاً قمة الوفاء المتبادل بين معلم الوفاء كمال جنبلاط والاستاذ عباس خلف الذي عبّر عن وفائه للمعلم في كتابه الذي نلقي الضوء على مضمونه اليوم "ملح الارض": ومسيرة التزام ونضال ووفاء" .
ايها السادة ، هذا الكتاب صدر في العام 2019 ، وحالت وقتئذ الاوضاع الطارئة وبائياً وسياسياً ومالياً ومعيشياً وتواصلاً دون التمكن من الإحتفاء به ، وعقد لقاء حول مضمونه.
من جهتي سأحاول الاضاءة على مرحلتين من مراحل مسيرة عباس خلف: مرحلة تسلمه حقيبة وزارة الاقتصاد والتجارة ، ومرحلة رئاسته المستمرة لرابطة اصدقاء كمال جنبلاط ، حيث كنتُ رفيقاً له في المرحلتين .
اولاً : مرحلة تسلّم عباس خلف وزارة الاقتصاد والتجارة
عيّن الاستاذ عباس خلف وزيراً للإقتصاد والتجارة في حكومة الرئيس رشيد الصلح التي تشكلت في شهر تشرين الاول 1974 واستقالت في شهر تموز 1975 . وقد استعارني من وزارة التربية الوطنية لكيّ اعمل معه في المديرية العامة لمكتب الحبوب والشمندر السكري.
وفي اول لقاء له بعد تسلّم الوزارة مع موظفيها ، كما اورده في المقدمة الخاصة بهذه المرحلة من مسيرته ، صفحة 117 ، قال الوزير :
"منذ اليوم الاول لتسلمي المسؤولية في الوزارة ، صممت على الإلتزام ببرامج الحزب التقدمي الاشتراكي الاصلاحية ، واعتبارها "البوصلة" التي ستوجه مساري، فدعوت جميع المسؤولين في الوزارة الى اجتماع عام للتعارف وللتوجيه. سألت : هل بينكم من كان موظفاً في الوزارة سنة 1947، عندما عُين كمال جنبلاط وزيراً للاقتصاد؟ فأعلن اثنان من الحضور انهما عملا في الوزارة آنذاك وأضاف احدهما: "لقد كان الوزير كمال جنبلاط مثالاً للأخلاق والإنصاف والحزم وسرعة الانجاز". فعلقت بالقول : انا تلميذ كمال جنبلاط ،وقد عملت الى جانبه منذ العام 1953. وسوف ترونني مقتنعاً بنفس المبادىء والقيم الأخلاقية ، وأطلب منكم التأكد انني لن اتسامح مع أي فاسد او سمسار ، او مخالف للقانون ، وفي الوقت ذاته سوف اكون منصفاً وعادلاً مع الجميع".
بهذا تعهد الوزير عباس خلف ، وعلى هذه الأسس مارس مهامه في الوزارة . وكنت شاهداً ومواكباً له ، وهذا كشف موجز عمّا انجزه:
1- كسر احتكار السكر المدعوم والرغيف المدعوم ، رغم محاولة العرقلة من جانب التجار المحتكرين لهذه السلع في الأسواق ، يتسلمونها مدعومة من الدولة ، ثم يخفونها لبيعها بأسعار أعلى في السوق السوداء. فواجههم الوزير بمداهمة المستودعات ومصادرة الكميات المخبأة. وشمل ذلك مصانع المرطبات والسكاكر والحلويات والأفران.
2- إحداث بطاقة تموينية للتخفيف من كلفة المعيشة على الطبقات الشعبية والفقيرة، على اساس الدعم للمواد الغذائية من الدولة .
3- تفعيل عمل مجلس تحديد الأسعار ،لاستعادة دوره في ضبط الأسعار في الأسواق ، ومنع التلاعب.
4- تعزيز جهاز مراقبة الأسعار وحماية المستهلك عن طريق تعيين حوالي 200 مراقب جديد من حملة الشهادات الجامعية ، واخضاعهم الى دورة تدريبية لضمان نجاحهم في تأدية المهام الموكولة اليهم.
5- الإستعانة بعدد من المستشارين الاختصاصيين لتحديث التشريع الخاص بالاعلان الخادع لحماية المستهلك من الغش الإعلاني.
6- اعتماد سياسة تموينية مبرمجة ، تأخذ في الإعتبار تلبية الحاجات التموينية من المواد المدعومة بأقل كلفة ، وبأفضل نوعية ، وضمان توفرها الدائم لسد الحاجات ، ولتحقيق ذلك اعتمدت الوزارة مبدأ التفاوض من دولة الى دولة لشراء هذه المواد ، دون حاجة لسمسار او تاجر وسيط. واستطاعت مثلاُ إبرام عقود مع الحكومة الكندية ومع الحكومة الاسترالية لتزويد لبنان بـ 75 الف طن قمح سنوياً من كل منهما ، مع السماح للوزارة بأن تختار الوقت الأنسب لها للشراء بالسعر الأقل ، وان تختار الوقت الانسب لتسديد القيمة. سكت تجار الإحتكار على مضض عمّا أبرم مع كندا واوستراليا، وعندما باشرت الوزارة التفاوض مع حكومة هنغاريا لتأمين ما تبقى من حاجة لبنان السنوية من القمح ، هبّت بوجه الوزير حملة شعواء تحريضية تتهمه بأنه سيسعى لإطعام اللبنانيين خبزاً شيوعياً الحادياً سيسمم صحتهم وافكارهم وايمانهم. وصادف وقتها حصول تطورات امنية مؤسفة وتشنجات عصبية طائفية أدت الى احداث 13 نيسان 1975 المؤلمة ، تلاها تقديم الحكومة استقالتها في شهر تموز 1975 . فتوقفت المفاوضات مع هنغاريا وفضّل وزير الاقتصاد في الحكومةالجديدة ، العودة الى سياسات الشراء من التجار، رغم ان ذلك رتّب على خزينة الدولة أعباءً إضافية.
ولا بد من الاشارة بعد هذا العرض للإنجازات ، الى ان ما ازعج الوزير خلف ، وحاول عرقلة سعيه لتحقيق الأفضل ، هو تشابك الصلاحيات بين الوزارات . فعندما حاول مراقبة تسعير الحلويات قيل له هذا من صلاحيات وزارة السياحة ، او مراقبة اللحوم والأفران من صلاحيات وزارة الزراعة ، ونظافة الرغيف من وزارةالصحة . وهكذا تسير الامور وتتعطّل الحلول.
ونختم الكلام عن هذه المرحلة من مسيرة الاستاذ خلف ، بما قاله المعلم كمال جنبلاط عن عباس خلف كوزير للاقتصاد :
"لقد جاء عباس خلف الى وزارة الاقتصاد لينفذ برنامجاً مرحلياً للحزب التقدمي الاشتراكي ، وهو الذي يقرر ما الذي يمكن ان يُعلن من هذا البرنامج. ولنا ملء الأمل ان يخرج من هذا التحدي مع المحتكرين منتصراً كلياً او جزئياً لأننا في كل الحالات نكون قد قدّمنا البلاد خطوة الى الأمام".
(المرجع من حديث لكمال جنبلاط مع جريدة المحرر في 12/11/1974 / ورد في الصفحة 113 من كتابه "حوار سياسي لبناني وعربي وعالمي".)
ثانياً : مرحلة رئاسة عباس خلف لرابطة أصدقاء كمال جنبلاط.
في الجزء الخامس من كتابه المخصص لمرحلة رئاسته لرابطة اصدقاء كمال جنبلاط ، كتب عباس خلف في المقدمة ، صفحة 217، ما يأتي:
"بعد غياب المعلم كمال جنبلاط ، بدأ الشعور بالفراغ على صعيد النضال السياسي والتقدمي يتراجع مع الوقت ... ولدى عودتي الى لبنان في العام 1996 ، ادركت ان الوقت قد حان للتفكير جدياً بأحياء حضور كمال جنبلاط الفكري واعادة طرح تراثه الفلسفي ، والتعريف بمبادئه السياسية ، مما يؤسس لمعرفة موضوعية لهذا الإرث الوطني والإنساني المميز. بدأت هذه المهمة التي امتدت على سنوات ، بطرح الموضوع مع ثلاثة رفاق قدامى هم، د. خليل احمد خليل ، الاعلامي عزّت صافي ، والاستاذ سعيد الغز ، فكان التجاوب حماسياً . فتواصلنا وتوسعت دائرة التشاور وتعددت الاجتماعات الهادفة الى تأسيس تجمع لأصدقاء كمال جنبلاط ، مطلوب منه العمل على تعريف الأجيال الصاعدة اللبنانية والعربية على تراث كمال جنبلاط... وتوصلنا ، في مطلع العام 2010 الى تشكيل نواة لهذا التجمع، معظمها من الشباب والشابات ذوي التطلعات الإشتراكية والتقدمية وانتخاب هيئة تأسيسية ضمّت : عباس خلف رئيساً ، ورؤوف الغصيبني نائباً للرئيس ، غسان العياش اميناً للصندوق ، سعيد الغز اميناً للسر ، وخليل احمد خليل وطارق شهاب أعضاء".
بهذا قدّم عباس خلف لمرحلة مسيرته المستمرة كرئيس لرابطة اصدقاء كمال جنبلاط . وهذا كشف بما استطاعت الرابطة من انجازه بإشراف عباس خلف وتوجيهاته ومتابعاته ومساهماته وكتاباته . مع التعهد بمتابعة المسيرة على خطى المعلم كمال جنبلاط ، عربون وفاء من الرابطة له رئيساً واعضاء ، طالما توفرت امكانيات العمل والإنجاز.
1- تنظيم 78 ندوة فكرية .
2- تنظيم 8 مؤتمرات سنوية
3- منح جائزة كمال جنبلاط لأعمال مميزة. (4 جوائز)
4- انشاء موقع الكتروني للتواصل.
5- انشاء مكتبة كمال جنبلاط في مركز الرابطة.
6- انتاج فيلم وثائقي طويل "كمال جنبلاط: الشاهد والشهادة" وعرضه في لبنان والعديد من البلدان العربية والاجنبية.
7- تسمية شارع في بيروت بإسم كمال جنبلاط.
8- تسمية قاعة احتفالات في كلية الحقوق باسم كمال جنبلاط في الجامعة اللبنانية.
9- تنظيم معرض شامل عن كمال جنبلاط "السيرة والمسيرة" في قصر بيت الدين.
10- توثيق النصوص الكاملة للمؤتمرات والندوات في كتب سنوية.
11- اصدار مجلة فرح ورقياً ثم الكترونياً
12- اصدار كتاب "كمال جنبلاط" قيادة تاريخية ورؤية مستقبلية.
واسمحوا لي ختاماً ان انقل كلاماً بالغ التعبير ، وجهه الاستاذ عباس خلف لروح المعلم كمال جنبلاط في ذكرى استشهاده سنة 2011 في احتفال نظم في الشويفات بتاريخ 17/3/2011.
"شكراً كمال جنبلاط
شكراً لأنك بعثت فينا روح التحدي البطولي لنناضل الى جانب الحق لأن الحق يحررنا.
شكرا لأنك أيقظت فينا حب المعرفة وشغف البحث عن الحقيقة
شكراً لأنك آمنت بالعروبة الديمقراطية ، ونبذت عروبة التعضب والإنغلاق والسجن الكبير.
شكراً لأنك علّمت الأجيال أن الثبات في المبدأ ، والدفاع عن الحق والحرية ومستقبل الشعب ، يستحق الإستشهاد من اجله.
شكراً لأنك لا تزال تلهمنا وتنير امامنا طريق الخلاص والحرية".
وكل الشكر لكم لحسن استماعكم وحضوركم معنا.