" أسئلة لبنانية تفوق قدرة حزب الله على الإجابة"
مقال سياسي
العميد الركن خالد حمادة
أضافت كلمة أمين عام حزب الله حسن نصرالله خلال مهرجان يوم القدس العالمي في 14-4-2023 مزيداً من الغموض والتساؤلات حول خلفيات وأبعاد مسألة إطلاق ثلاثين صاروخاً من جنوب لبنان نحو فلسطين المحتلة. وبالرغم من محاولات نصرالله الظهور بمظهر من يمتلك أسرار العملية وظروفها وأين تقع في سياق ما يصرّ حزب الله على تسميّته ممانعة أو مقاومة، ومحاولته الجاهدة لتقديم مسوغات لما حدث فإن ما أضافته العملية هو مزيد من الضبابية والقلق لجميع اللبنانيين. أجل لقد رفعت العملية منسوب القلق لدى اللبنانيين بمن فيهم من إصطُلح على تسميّتهم البيئة الشيعية الحاضنة لحزب الله حيال دخول لاعب إضافي إلى الميدان اللبناني من بوابة الجنوب وفي سياق الصراع المنضبط بين إسرائيل وإيران.
يقول نصرالله أنه لم يتكلم مباشرة بالموضوع لأنه كان يحتاج إلى دراسة وإلى تشاور، ويضيف " تشاورت والأخوة وفكّرنا باعتماد سياسة الصمت كجزء من إدارة المعركة مع العدو وهو الأفضل، فلا داعي أن ندخل في تفاصيل ولا داعي أن نُجيب عن أسئلة ما زال العدو يحتار فيها". السؤال المنطقي الذي يُطرح ههنا: لو كان حزب الله شريكاً في التحضير لهذه العملية ألم يكن من بديهيات الأمور إعداد البيانات الإعلامية التي ستوضع بمتناول اللبنانيين مسبقاً لتقديم ما يجب تقديمه من إيضاحات في الوقت المناسب؟ إعتراف نصرالله أنّ الموضوع يحتاج إلى تشاور يُسقط أي دور للحزب في التخطيط لهذه العملية ويُبقي على دوره التنفيذي للجانب اللوجستي من العملية الى جانب الإلتزام الإعلامي بنفي علاقته بالعملية والذي تلقفه العدو وأثنى على تحميل حزب الله المسؤولية لفصائل فلسطينية.
يضيف نصرالله في معرض محاولته تسويق ما أسماه بسياسة الصمت: "سياسة الصمت هذه تُقلق العدو قطعاً، وقد تُقلق الصديق ... الصديق هو جزء من التضحيات في هذه المعركة، وقلق الصديق يمكن أن يعالج بعيداً عن إزالة قلق العدو ...لا يجوز أن يُقدّم أحد تطمينات لهذا العدو لأنه هو المعتدي". إنّ الحقائق الميدانية تثبت أنّ عملية إطلاق صواريخ بدائية من مخلفات الحرب العالمية الثانية لم تكن ذات قيمة ولا يمكن أن تقارن بالإمكانات التي يدّعي الحزب حيازتها وبالمفاعيل التي يمكن أن يحققها في عمق إسرائيل في حال نشوب حرب جديدة. الملفت للنظر أيضاً هو تقاطع تقييم نصرالله المضخّم لمفاعيل العملية مع البيانات الصادرة عن العدو التي اعتبرت أنّ ما جرى يشكّل تهديداً وجودياً للكيان، مما استوجب رداً على مناطق غير ذات قيمة سواء في بساتين الموز اللبنانية أو على أطراف غزة، وبما لا يمكن مقارنته بالطبيعة العدوانية للهجمات الإسرائيلية التي شهدتها غزة وجنوب لبنان في مراحل سابقة والتي يشهدها الداخل السوري على أهداف وبُنى تحتيّة تعود للحرس الثوري الإيراني أو لحزب الله.
تقدّم المعطيات التي رافقت العملية المبرمجة والمنضبطة لإطلاق الصواريخ بما في ذلك الغياب الطوعي لحزب الله عما جرى وتحوّله بشكل مفاجيء من فاعل رئيسي ومتدخّل دائم إلى شاهد من الدرجة الرابعة، وصولاً الى حضور اسماعيل هنيّة المفاجيء الى بيروت وإطلاقه نظرية وحدة الساحات، أكثر من موجب يرفع منسوب القلق لدى البنانيين. المعطى الجديد الذي أُدخل إلى الساحة اللبنانية هو إقرار حزب الله بوجود فصيل فلسطيني في جنوب لبنان يتمتع بحرية المناورة وبالقدرات اللوجستية، وقادر على توجيه رسائل إلى الداخل الإسرائيلي، دون التنسيق معه وأخذ موافقته، في حين أنّ حزب الله ثابر على إعاقة عمل الجيش اللبناني وحرية حركة قوات اليونيفيل وحيث استشعر ما يلامس حصريّة قراره الأمني والعسكري في الجنوب. وفي هذا إشارة أكيدة أنّ الهجوم الصاروخي إنما تمّ بناءً على إشارة من طهران التي تملي على حزب الله، وإن شاءت توزيع الأدوار وتفويض الصلاحيات لسواه فلا سبيل له سوى القبول.
إذن الرسالة إيرانية بإمتياز وقد نُفذت حيث شاءت طهران تنفيذها. إنّ ما جرى يستحق القفز الى الإستنتاج إنّ دبلوماسية الصواريخ عبر لبنان قد أصبحت إحدى وسائل التواصل أو التخاطب بين تل أبيب وطهران. فهل تذهب إيران إلى استخدام الورقة الفلسطينية من جنوب لبنان لتعزيز حضورها الإقليمي؟ وهل يتحوّل لبنان إلى ميدان لإستثمار جديد تحتاجه كلّ من طهران وتل أبيب؟