نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 73

الثلاثاء 02 أيار 2023

في التاريخ عبَر لمن يعتبر ومن جديد يبرز السؤال الكبير: اي لبنان نريد؟

مع الاحداث

سعيد الغز

"يجب قبل اي شيء آخر ، ان يكون لنا ارض ووطن قبل ان نفكر بتطبيق اي نظام على هذه الارض، وهذا الوطن"

كمال جنبلاط

بالعودة الى التاريخ يتبين لنا ان الامارات العربية من التنوخيين الى المعنيين والشهابيين ، هي التي وضعت الاسس لقيام دولة لبنانية .

وتثبت الاحداث التاريخية ايضاً انه مع انهيار الامارة الشهابية سنة 1840، وعودة السيطرة العثمانية، وتزايد نفوذ قناصل الدول الكبرى الاوروبية آنذاك ، وتقاسمها الوصاية على الطوائف اللبنانية ، بدأت مرحلة الصراعات الطائفية العنفية في البلاد سنة 1841، ثم سنة 1845 وسنة 1860. هذه المذابح اتاحت التدخل العثماني والدولي لوقفها. العثمانيون اتخذوا تدابير امنية وقضائية لتخفيف التوتر ووقف الاقتتال. فرنسا ارسلت حملة عسكرية للدفاع عن المسيحيين وعقدت مؤتمراً في باريس في 3 آب 1820 حضره مندوبو فرنسا بريطانيا والنمسا وروسيا وبروسيا، شكّل تمهيداً لمؤتمر عقد في بيروت بتاريخ 05 تشرين الاول 1860 تمثّلت فيه هذه الدول بالاضافة للامبراطورية العثمانية ، وتقرر فيه اقامة ادارة في جبل لبنان يرأسها متصرف مسيحي من رعايا الامبراطورية العثمانية يعاونه مجلس ادارة منتخب على اساس طائفي ، ووضع له بروتوكول هو اول دستور للبنان الطائفي.

وبعد الحرب العالمية الاولى قررت الدول الحليفة المنتصرة في الحرب اعتبار اللبنانيين غير مؤهلين لادارة شوون بلادهم ووضعت لهم نظام الانتداب الموكل الى فرنسا. تجاوبت فرنسا مع رغبات المسيحيين والموارنة خاصة فأنشأت لهم دولة لبنان الكبير سنة 1920 مع ارجحية مسيحية فبرز مفهوم الطائفية السياسية ، ورفض المسلمين للكيان الجديد. ومع ترسّخ حكم الانتداب ، وقيام الجمهورية اللبنانية على اساس دستور جديد يكرّس الطائفية السياسية في الحكم ، اختلف اللبنانيون حول هوية لبنان ، وبرز التباين حول اي لبنان نريد ، واي نظام هو الانسب له؟ وتعددت التيارات وتباينت: لبنان وطن قومي مسيحي ، لبنان وطن قومي سوري ، لبنان وطن قومي عربي ، لبنان الاسلامي ، والشيوعي والفينيقي ، لبنان الفيدرالي ، او العلماني المدني او الاشتراكي ، وفيما بعد لبنان الناصري وسواها من الاوصاف.

وفي العام 1943 توافق اللبنايون على الاستقلال وانهاء الانتداب الفرنسي ، وتبنوا الميثاق الوطني على اساس ان لبنان المستقل هو لجميع اللبنانيين ويضمن لهم العيش المشترك ، وتقاسم الحكم بين المسلمين والمسيحيين وفقاً لحجم كل طائفة . وعلى ارض الواقع استمر الانقسام حول اي لبنان نريد ؟ بعضهم اختار التبعية للغرب واحلافه ، والبعض الاخر للشرق واحلافه. وطالب اخرون بقيادة كمال جنبلاط بالحياد وعدم الانحياز ، وقيام قوة عالمية ثالثة تسعى للسلام في العالم وتمنع الانزلاق الى حروب جديدة بين الاحلاف المتصارعة . ومع تصاعد الدعوة للوحدة العربية انقسم اللبنانيون بين مؤيد اومعارض لها .

كل هذه الاشكالات والتناقضات مارسها اللبنانيون وكلفتهم ، في العديد من الاحيان ، الوقوع في نزاعات مسلحة ذات ابعاد طائفية سياسية كان اقساها الحرب الاهلية الاقليمية التي نشبت في العام 1975 ودامت حتى العام 1990 وانتهت بتسوية الطائف والوصاية السورية على لبنان. واستمرت الاوضاع المتنافرة بين الفئات اللبنانية ، وانتجت حكماً فاسداً قائماً على تقاسم الحصص والاثراء غير المشؤوع ، وتشكيل فدرالية طوائفية ، وشبه دويلات ومرابع امنية ...

ومع الوقت وتزايد المناكفات، وتباعد الولاءات ، وصلنا الى ما نعانيه اليوم من شغور رئاسي او شلل حكومي وفشل نيابي ، وتعطيل متبادل للحلول اللازمة لإخراج لبنان من هذه الدوامة القاتلة ، واللبنانيين من الانهيار المعيشي ، ومازال السؤال اللغز بلا بجواب : اي لبنان نريد؟ ومازال الانقسام يباعد بين اللبنانيين :

1- فئة تريد لبنان طرفاً في محور اقليمي ممانع تقوده الجمهورية الاسلامية الايرانية

2- فئة تريد لبنان سيدًا حراً مستقلاً ضمن المجموعة العربية يمارس الحياد في النزاعات الناشبة اقليمياً ودولياً.

3- فئة تريد لبنان الدولة متعايشاً مع الدويلة وحلفها الممانع

4- فئة ترفض الاصطفاف الذي يعطل الدولة ويهدد المصير والكيان ، وتدعو الى تسوية وطنية لا تلغي احداً، ولا تعزل احداً تنجح في جمع شمل اللبنانيين حول مخارج وطنية تعيد بناء الدولة الراعية للجميع ، منفتحة على افضل العلاقات مع الدول العربية والاقليمية والدولية على اساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤونها الداخلية .

فهل حان الاوان لعودة الجميع الى العقلانية والتفاهم حول اي لبنان نريد؟ وحدها التطورات المرتقبة كفيلة بإعطاء الجواب المطلوب .

وبالانتظار ندعو الجميع الى التبصر فيما طرحه المعلم كمال جنبلاط في محاضرة له في دار الندوة اللبنانية في 14 كانون الثاني 1963 حول "المفهوم الخاطئ للشعب في لبنان" ، والاسباب التي تحول دون قيام هكذا دولة في لبنان:

"الشعب اللبناني هو ككل شعب ، تراث ودافع وتضامن وصيرورة. وعلى ضوء خبرتنا الطويلة في حقل النضال الشعبي ، يؤسفنا ان نعلن ان لبنان كشعب لا يزال في دور المخاض ، وفي طور التكوين . وللتدليل على هذه الحقيقة نورد الحقائق الرئيسية التالية :

1 - ان التكوين الطائفي السياسي يحول دون صيرورة الجماعة اللبنانية وحدة وطنية حقيقية ، وكيانا سياسيا موحداً، وبالتالي شعبا ودولة .

2 - لا وجود فعلي لشعب لبناني على ارض لبنان لان كل طائفة دينية تسعى الى تنظيم وتفكير سياسي عن سائر الطوائف ، وتحاول استخدام الدولة واجهزتها لمصالحها الطائفية ، دون الاخذ بالاعتبار مصلحة

الشعب كشعب ، ومصلحة الوطن الذي يحتضنها .

3 - الشعب كمفهوم معنوي ، وتصور فكري في ذهن معظم الناس قد يكون منقوصا لولا التحسس بماضٍ تاريخي وصلت امجادهم له مشوهة .

4 - ان شعب لبنان اليوم لا يزال في دور التكوين ، فهل سيظل تسيطر عليه فكرة التجزئة الطائفية على شاكلة مجتمعات وكيانات سياسية دينية مستقلة بعضها عن بعض ، ام ستقوى عليها وتنتشر فكرة الوحدة

الوطنية وينتصر المفهوم السليم للشعب ، ويقوم النظام المدني العلماني ، فتتحول الطوائف الى عائلات روحية تراثية ، وتتفاعل ضمن كيان الدولة الواحدة الجامعة .

5 - النظام غير الديموقراطي السائد في لبنان يعطّل فعل الانصهار اللبناني ، لبنان لا يزال غير موحد سياسيا واداريا ، نظام يعيق تطوره واندماجه في وحدة عيش حقيقية .

6 - التكريس الرسمي القائم في الدستور وفي التشريع وفي الاعراف المتعامل بها في وظائف الدولة ، والتمثيل البرلماني للطائفية السياسية ، يحول دون زوال التناقضات وتحقيق الوحدة الشعبية والوطنية .

7 - ورغم كل ذلك ، يبقى علينا الايمان بمستقبل يتطور خلاله لبنان نحو وحدة اجتماعية ووطنية حقيقية ، تتيح له ان يصبح عضواً فاعلاً في المحيطين العربي والدولي ، بعد التخلص من اساليب المناكفات الداخلية والمحاصصات التي ينتج عنها هذا الجمود السياسي القاتل للكيان وللصيرورة. "

هذه احوال لبنان اليوم ، وهي تستدعي الرثاء

فلبنان اليوم ينازع ويواجه اقسى درجات العناء

ومصيره مجهول ، وآمال شعبه معلقة على جبال الهواء

يتأرجح بين الضياع والزوال ، او التسوية للبقاء

وهذا مرهون بمواقف واوامر الاوصياء

او نجاح محاولات الحل التي يقوم بها الوسطاء

فهي الكفيلة بإنقاذ لبنان من مهالك البلاء

اذا استطاعت اعادة المتناكفين الى اللقاء

والتحاور استجابة لنصائح الاصدقاء العقلاء

والاتفاق على حلول وطنية تنقذ لبنان من الفناء

لتشجّع المانحين على تقديم المساعدات للبنان بسخاء

سواء من الاخوة العرب او الاصدقاء الاغنياء ،

فشعب لبنان اصبح بأمسّ الحاجة لتقديمات الاصدقاء

ويطالب ارباب الحكم والسياسة ان يكونوا لوطنهم اوفياء


الكاتب

سعيد الغز

مقالات أخرى للكاتب

العدد 48

الخميس 01 نيسان 2021

الحكم متعثر والبلد مأزوم والتعطيل مدعوم، فبئس المصير المشؤوم

سعيد الغز


"ان المشكلة اللبنانية لا تحلّ الا على اساس وطني لا طائفي ، ومنهج حازم في آن واحد يوصل الى اقامة دولة مدنية علمانية في لبنان تصهر المجتمع اللبناني في البوتقة الوطنية ." كمال جنبلاط

العدد 47

الثلاثاء 02 آذار 2021

في لبنان وفي العالم ... صراع غير متكافئ بين الديموقراطية والديكتاتورية

سعيد الغز


في لبنان لا تزال الاحداث المقلقة تتواصل ، فعلى المستوى الشعبي الازمات تتفاقم مالياً واقتصادياً واجتماعياً وتربوياً وصحياً وامنياً والمسؤولون عن ادارة الدولة وتدبير شؤون الناس عاجزون وفاشلون وغائبون كلياً عن القيام بالمطلوب منهم . منذ اندلاع حركة الاحتجاج

العدد 46

الإثنين 01 شباط 2021

من واشنطن الى بيروت المخاطر على الديموقراطية تتصاعد

سعيد الغز


خطفت الاضواء في هذا الشهر الاحداث التي شهدتها العاصمة الاميركية واشنطن. ففي ليل الاربعاء الموافق 06 كانون الثاني 2021. انشغلت وسائل الاعلام والتواصل في مختلف دول العالم، بما تعرّض له الكونغرس الاميركي من اقتحام غوغائي عنصري متطرف، حرّض عليه مباشرة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب الرافض لنتائج الانتخابات التي خذلته واوصلت الى سدة الرئاسة المرشح الديموقراطي جو بايدن.

العدد 43

الثلاثاء 03 تشرين الثاني 2020

مع الاحداث: لبنان اليوم على طريق الجلجلة .... اي مصير

سعيد الغز


هذا الشهر ايضاً، الاحداث تتوالى في لبنان والاوضاع تتفاقم: العجز على مستوى ارباب السلطة لايزال هو السائد. البلد يسير على غير هدى: لا مال ، لا اشغال، لا كهرباء، لا محروقات، كورونا جائحة ولا دواء ولا استشفاء الا لأصحاب الثروة والحظوة. حبل انقطاع السلع الغذائية والتجهيزية على غاربه، يقابله التهريب المحمي من ذوي القدرة. كل هذا ولا اي مسعى رسمي فعلي للبحث عن مخارج وحلول، الا في الاطلالات التلفزيونية الدعائية للمسؤولين.


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك