نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 71

الثلاثاء 28 شباط 2023

مصير الودائع عند الدولة

دراسة قانونية

البروفسور نصري دياب

يرتبط مصير الودائع المصرفية بشكل وثيق بقرار الدولة اللبنانية الإعتراف أو عدم الاعتراف بمسؤوليتها بخلق "الفجوة" (٧٢ مليار دولار أمركي) وإستعمال الأموال الناجمة عنها، وهذه الأموال متأتيّة من الودائع المصرفية.
‏المعادلة واضحة: إذا أقرّت الدولة بمسؤوليتها وتحمّلت نتائجها، من الممكن أن تعود الودائع أو جزء منها لأصحابها (عاجلاً أو آجلاً). أما إذا لا تعترف الدولة بمسؤوليتها، فمن المؤكد أن الودائع لن تعود (بتاتاً ونهائياً).
‏مسيرة الدولة، من خطة Lazard إلى قانون إعادة التوازن للنظام المالي (Gap Resolution Law), تُظهِر أن الدولة تعترف صراحةً بمسؤوليتها لكنها ترفض تحمّل أي جزء من "الفجوة".
جميع المقيمين على الأراضي اللبنانية إستفادوا من "الفجوة" (كهرباء، أدوية، دعم الإستيراد، تثبية سعر الصرف، …)، إلّا أن الدولة قررت تحميل عبئها للمودعين وحدهم، في خرقٍ فاضح للمادة ٧ من الدستور - المساواة أمام الأعباء مرتبطة بالحقوق الاساسية، كما ذكّر به المجلس الدستوري في قرار صادر مؤخراً، في كانون الأول ٢٠٢٢.
القول أن أصول الدولة هي ملك لكل اللبنانيين وليس للمودعين هو قول صحيح (وبديهي). لكن صحيح أيضاً القول أن "الفجوة" يتحمّلها كلّ اللبنانيين مجتمعين، وليس المودعين منفردين. هذا ما تنصّ عليه المادة ٧ من الدستور : المساواة في الحقوق وفي الفرائض والواجبات.
هذا لا يعني بتاتاً بيع أصول الدولة، ولا يعني بتاتاً حماية أي طرف؛ فليتحمّل كل شخص مسؤوليته كاملةً. المسألة قانونية صرف، وليست سياسية-عقائدية، ولا تُناقش في "تغريدات" مُتسرّعة.
لا مكان للهرطقات الدستورية، التي ‏تميّز بين ودائع كبيرة وودائع صغيرة، والتي تختلق "تراتبيات" لا علاقة لها بأبسط المبادئ القانونية. هناك فقط ودائع مشروعة وودائع غير مشروعة، مهما كان حجمها؛ وهناك مسؤول عن "الفجوة"، ومستفيد منها، ومسّهل لها: هذه هي "التراتبية" الوحيدة التي يعرفها القانون.
والأخطر هو أن الدولة تخطط، وتعمل، وتشطب وتلغي، في غياب أرقام دقيقة صادرة عن جهات مستقلّة وموثوقة. أين تقارير الشركات العالمية التي تعاقدت معها في أيلول ٢٠٢٠؟
Alvarez & Marsal; KPMG; Oliver Wyman.

‏ أما المطالبة "بإفلاس" المصارف وتطبيق قوانين ١٩٦٧ عليها كحلّ وحيد للأزمة، لمّا المسألة تتعلق بأزمة نظامية (systémique) وليس بحالة توقف عن الدفع فردية، فهي لا تستقيم محاسبياً وقانونياً، والأخطر أنها تضرّ بالمودعين. لا تُحلّ مشكلة بهذا الحجم بتجزئتها.
الدولة مسؤولة؛ مصرف لبنان مسؤول؛ المصارف مسؤولة؛ هيئات الرقابة مسؤولة. وحدهم المودعون غير مسؤولين؛ وبسحر ساحر، يُحمَّلون وحدهم كامل عبء "الفجوة".
تعتبر المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان Cour Européenne des Droits de l’Homme (CEDH) أن الودائع هي مال تحميه المعاهدة الأوروبية لحقوق الانسان، وأن المسألة تدخل في صلب الحقوق الأساسية Droits fondamentaux.

الكاتب

البروفسور نصري دياب


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك