نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 69

الخميس 29 كانون الأول 2022

وجه اقتصادي جديد

مقال اقتصادي

لويس حبيقة

 معظم دول العالم له طابع اقتصادي معين دون أن يكون متخصصا في قطاع واحد. هنالك دول تبرع في الخدمات وأخرى في الصناعة أو الزراعة تبعا لأفضلياتها المقارنة وربما موقعها الجغرافي أيضا. برع لبنان حتى سنة 1975 بقطاعه الثالث وتفوق اقليميا بالسياحة والمصارف والتأمين وغيرها من الأعمال الخدماتية، نضيف اليها التعليم والاستشفاء. القطاع الزراعي كان وما زال ضعيفا بسبب عدم الاقتناع داخليا بقدرة هذا القطاع على الازدهار وبسبب عدم التركيز على سلع معينة يمكن لبلد صغير ومنتج أن يفوز بها. اخترنا سلعا زراعية مهمة لكن عادية لا قدرة لنا على الفوز معها مقارنة بالجوار السوري وما بعد، حيث الأراضي أوسع واليد العاملة أوفر والتمويل متاح أكثر وربما أيضا الارشاد متطور أكثر. قطاعنا الصناعي بقي صغيرا وان كان مميزا ومنتجا وبرعنا في صناعات مهمة كالملابس والمجوهرات وثم المحركات وسلع الاستهلاك وغيرها من المنتجات التي ميزت اقتصادنا.

 لكن في الواقع كان قطاعنا الثالث أو الخدماتي هو الذي ارتكزعليه اقتصاد لبنان الذي نجح اللبناني به وأصبح اقتصادنا قبل 1975 يقارن بالبرتغال وايرلندا وقبرص وغيرها من الدول الناجحة. أتت الحرب وتبين لنا بالاضافة الى الدمار المادي والخسارات البشرية والهجرة، أن نموذجنا الاقتصادي لم يكن صلبا ولم يحمنا من المصائب الخارجية قبل الداخلية. هل يجب أن نفكر اليوم في بناء اقتصاد ذو وجه آخر؟ أي أقل خدمات وأكثر صناعة وتجارة؟ هل نعدل في قوانيننا الاقتصادية وعلاقاتنا الدولية؟ ترك لبنان كليا لمطالب السوق ربما يقودنا مرة أخرى الى اقتصاد مماثل لما قبل 1975 لأنه يتأقلم مع عقلية اللبناني الراغب دائما في الربح السريع غير المتوافر في الزراعة والصناعة اللتان تحتجان الى نفس طويل وصبر كبير.

 في الواقع اللبنانيون مختلفون ليس فقط على اختيار رئيس للجمهورية وعلى طريقة ممارسة الحكم بل متناقضون بما يخص تفسير الدستور وغيرها من الأمور الأساسية التي يجب أن تكون موضع اتفاق وتوحيد وليس تفرقة. اللبنانيون متفقون على ضرورة التغيير لكنهم مختلفون حول الصورة الاقتصادية المستقبلية للبنان التي تسمح لنا برفع مستوى المعيشة والعودة للعيش ببحبوحة وراحة. نحن متفقون على ضرورة رفع الناتج المحلي الاجمالي وتطوير الاقتصاد، لكننا مختلفون حول الاتجاهات وطرق التنفيذ ومن يقوم بها. نحتاج الى وصفات اقتصادية جديدة مبنية على أفكار خلاقة متطورة تنقذنا وتدفعنا الى الأمام. الأوقات الحالية الصعبة لا تسمح بالقيام بالتجارب والمخاطرة، بل يجب أن تكون لنا رؤية واضحة تأخذنا بالاتجاهات الحالية مجتمعة:

 أولا: أوضاع البنية التحتية كما الفوقية غير مقبولة وهنالك اجماع حول ذلك. لا يمكن النجاح اقتصاديا اليوم من دون خدمات متطورة في الكهرباء والاتصالات والنقل والمياه وغيرها. تصحيح الأوضاع مكلف ويأخذ الوقت الطويل لكن يجب وضع الرؤية بسرعة حول كيفية التطوير. البنية الفوقية التي ميزت لبنان تعاني اليوم من شح المال والأفكار والعزيمة بل القدرة على التنفيذ. عبثا نقول أننا نريد تطوير لبنان في بنيتنا التحتية والفوقية الحالية. نحتاج الى المال في كل هذه القطاعات بل الأهم نحتاج الى ارشاد للوصول الى الأهداف المعلنة بسرعة وبأقل تكلفة. يجب طبعا تحديد الأهداف التي ما زالت غير واضحة بل مشتتة وأحيانا سطحية.

 ثانيا: تعزيز المنافسة في كل القطاعات اذ هنالك ميل في مجتمعنا نحو الاحتكارات وبالتالي رفع الأسعار وتخفيض النوعية أي استغلال المواطن والمستهلك. من المستحيل تطبيق الرقابة على كل القطاعات وفي كل المؤسسات والشركات. من يضرب الاحتكار هي المنافسة، وهنالك ضرورة لتطبيق القوانين الحالية وثم تطويرها مع تنفيذ العقوبات على من يحاول الاحتكار تماما كما يحصل في أعرق الدول الرأسمالية في أميركا وأوروبا. ليست هنالك ملائكة في الأسواق، بل قوانين واضحة صارمة تطبق على من يخالفها خاصة وان الرغبة في استغلال المواطن يمكن أن تكون كبيرة في زمن الصعوبات الاقتصادية.

ثالثا: حتى لو رغبنا في تطوير وجه لبنان الاقتصادي سيبقى القطاع الثالث رائدا مع تحسينات كبيرة في القطاعين الصناعي والزراعي. تطوير السياحة أسهل من قطاعات أخرى، وتجربة بيوت الضيافة ناجحة جدا ولا بد من تعميمها أكثر على كل الأراضي اللبنانية. نعود الى أهمية الارشاد الزراعي وانتقاء سلع معينة تناسب تربتنا والمناخ، وهنالك دراسات وضعت ولا بد من تنفيذ ما تتفق عليه تلك الدراسات. في الصناعات، انتاج السلع ذات القيمة المضافة الكبيرة ضروري كما السلع الخفيفة التي تدخلها التكنولوجيا المتطورة.

رابعا: لا بد من النظر جديا الى أوضاع الادارة العامة التي يجب تقليص حجمها ورفع انتاجيتها عبر ادخال التكنولوجيا توفيرا للوقت وتقليلا للاحتكاك بين المواطن والموظف. الادارة العامة الحالية لا تخدم اللبناني بل تشكل عائقا أمام تقدم الاقتصاد ولا بد من التحديث تخفيضا للتكلفة ورفعا لنوعية الخدمات. الأجور أصبحت غير مقبولة والحل لا يكمن في رفعها واحداث التضخم، بل يكمن في تكبير الاقتصاد وتعزيز نقل موظفي القطاع العام الى الخاص أو نحو تأسيس شركات ناشئة كما في كل الدول بينها مصر والأردن والجزائر.

خامسا: الحكم اللبناني القادم من رئيس للجمهورية وحكومة جديدة يجب أن يشكلا نقلة نوعية فكرية في طريقة التعاطي مع المواطن واحترامه. المسؤولون يجب أن يخدموا المواطن وليس العكس كما يحصل في لبنان منذ زمن. لن يزدهر الاقتصاد في ظل الفساد الحالي وسؤ المسؤولية والمهمة لا شك شائقة. المؤسف اليوم هو أن الخلاف السياسي العام حول رئيس الجمهورية غير مرتبط بالسياسات الاقتصادية الفاضلة التي يمكن أن تتبع ضمن العهد الجديد، بل مرتبطة بأمور بعيدة كليا عن التطور والتقدم والازدهار ويمكن أن تعجل نزول الاقتصاد الى مستويات خطرة.


الكاتب

لويس حبيقة

مقالات أخرى للكاتب

العدد 64

الإثنين 01 آب 2022

الأزمة اللبنانية والتوقعات

لويس حبيقة


لم يتوقع أحد الانحدار الخطير والكبير في لبنان خلال وقت قصير. كان هنالك الكثير من الخلل في الاداء وفي السياسات المالية والنقدية، لكن سقوط من هذا النوع كان مفاجئا ليس فقط للداخل وانما أيضا للمؤسسات الدولية التي تزور لبنان ومنها ممثلة في بيروت. مجموعة أمور

العدد 56

الخميس 02 كانون الأول 2021

التفوق مع "اكسبو 2020"

لويس حبيقة


من يزور "اكسبو 2020" في دبي يقدر حجم الجهد المادي والمعنوي الذي استثمر لبناء هذه المدينة الكبيرة التي تحتوي على انجازات ورفاهيات مدهشة. زيارة الأجنحة الوطنية ضرورية لتقدير حجم الانجازات الاماراتية، كما تلك المرتبطة بالدول نفسها. هنالك أجنحة ركزت على رسالة الدولة أو المجتمع وأخرى ركزت على الابداع في تصوير الأوضاع وتقديمها للرأي العام العالمي. هذا التنوع في الانتاج يميز "الاكسبو"، فيجعله فريدا وربما من الصعب انتاج مثيل له حتى مستقبلا في اليابان. للنجاح والتفوق شروط بل قواعد أساسها الجدية والعم

العدد 51

الخميس 01 تموز 2021

سياسة الدعم الذكية

لويس حبيقة


مشكلة أي سياسة دعم هو صعوبة الغائها أو حتى تعديلها بسبب المصالح السياسية والاستفادة المادية الناتجة عنها. مشكلة سياسات الدعم عالميا انها توضع لمساعدة الفقراء، لكنها تصب عموما لمصلحة الأغنياء أي عكس السبب الذي وضعت

العدد 46

الإثنين 01 شباط 2021

الاقتصاد والصحة اولويتان

لويس حبيقة


تمر كل المجتمعات بأزمات كبرى تجعلنا نترحم على مشاكل الماضي القريبة قبل البعيدة. كان هنالك حد أدنى من الرفاهية ينعم بها كل أفراد المجتمع. أما اليوم، فالأوضاع الصحية قبل الاقتصادية والاجتماعية تدعو لليقظة والتنبه والقلق. ليست هنالك دولة لا تتوجع اجتماعيا


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك