نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 69

الخميس 29 كانون الأول 2022

خارج المكان والزمان

ملف خاص بمناسبة ذكرى ولادة المعلم كمال جنبلاط

وسام القاضي

        جرت العادة أن يستذكر القادة والزعماء في ذكرى وفاتهم أوإستشهادهم، أما ذكرى ميلادهم فنادرا ما يتم التطرق لها، إذ أن التوقف عند ذكرى الغياب له مدلولاته في التأكيد على المحافظة على الإرث النضالي والإستمرار بحمل شعلة القضايا والمبادىء التي سار على دربها من يتم الإحتفال بذكرى غيابه.

      لكن للسادس من كانون الأول معنى آخر، لا يقتصر هذا التاريخ على ولادة طفل من أسرة إقطاعية في ربوع جبل لبنان، بل ما نتج عن هذه الولادة من تمتع هذا الطفل ومنذ نشاته وترعرعه في قصر تتقاطع فيه الأعمال السياسية والإجتماعية، من خلال ظهور فكر متطور ومتقدم إخترق من خلاله وبسن مبكر جدران المذهبية والطائفية التي كبلت لبنان، وحول الإرث الإقطاعي الذي ألقي على كتفه بعباءة الزعامة إلى منهج تحكمه الإشتراكية الإنسانية وفي جو ديمقراطي سليم قل نظيره في المنطقة العربية.

      في بداية الثلاثينات من عمره أسس الحزب التقدمي الإشتراكي مع كوكبة من المفكرين والمثقفين ومن مناطق مختلفة، ونشروا هذا الفكر الجديد الذي إستقطب شرائح المجتمع اللبناني من الشمال إلى الجنوب ومن البقاع إلى بيروت مرورا بجبل لبنان. لكن المآسي التي مرت على لبنان نتيجة لترهل وضعف نظامه من جهة ونتيجة تركيبة بنبيته والتي أتاحت التدخلات الخارجية من كل حدب وصوب، لم تسمح لكمال جنبلاط بأخذ دوره الريادي بل حاولت تطويقه وحصره ضمن الزعامة الدرزية، والتقت المصالح الإقليمبة على عدم السماح لأي تطور في النظام اللبناني خوفا من أن تنعكس هذه الصورة عليى الأوضاع الداخلية لتلك البلدان وتنتقل اليها تلك التغييرات بما تحمل من أفكار يسارية وثورية.

       حاول الكثيرون من الحكام العرب ثني كمال جنبلاط عن تحقيق أهداف الحركة الوطنية اللبنانية، تارة من خلال ترغيبه بالإقامة خارج لبنان وطورا بإقناعه أن القرار بتطويع لبنان قد إتخذ، وبالتالي فك الإرتباط مع القضية الفلسطينية تمهيدا لإنهاء القرار الوطني المستقل، وهذا ما أثبتته الأحداث المتتالية التي شهدتها الساحة اللبنانية منذ إغتيال كمال جنيلاط حتى يومنا هذا والذي جعل من لبنان متشرذما مذهبيا بعد أن كان موقعا متقدما بالعقائد الثورية والأفكار التقدمية، من هنا يظهر جليا دور كمال جنبلاط في قيادة دفة سفينة التغيير في لبنان والتي كانت تسير بالمنحى النضالي السليم والتي كانت ستظهر نتائجها في الإنتخابات النيابية التي كانت مقررة عام 1976ن تلك الإنتخابات التي أحبطت بعد إندلاع الحرب اللبنانية عام 1975 إثر حادثة عين الرمانة المشؤومة.

       لقد شكل غياب كمال جنبلاط عن الساحة السياسية ضربة حاسمة في العامود الفقري لكل عمل نضالي مرتكز على الفكر العلماني التقدمي الوطني في لبنان، فبعد إغتياله شهدت السنين المتتالية تحولات جذرية على اأرض الواقع وتغلغل الأخطبوط المذهبي في تفكير اللبنانيين إذ بعد أن كان الإنقسام بين اليمين واليسار بأبعاه العقائدية والذي كان سائدا في معظم المناطق اللبنانية، أصبح الانقسام مذهبيا بإرتباطات خارجية أدت الى تقوقعات أطاحت بالإستقرار وبعيبة الدولة وشلتها وأنهكتها.

      شاء القدر أن يولد كمال جنبلاط خارج المكان والزمان الملائمينن، فمكان لبنان ببنية نظامه وموقعه الجغرافي لم يقدروجود إنسان يتمتع بتلك المزايا الإنسانية ويحمل هذا الكم الهائل من الوعي والإدراك والتعقل، ولم تتسع الساحة اللبنانية المكبلة بالقيود الطائفية من إعطاء هذا القائد الثوري بإنسانيته حقه، كما أن الزمان لم يكن ملائما في ظل تركيب التسويات في المنطقة العربية لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وتصفية مفهوم القضية الفلسطينية وفق مخططات هنري كيسنجر وغيره من المفكرين الغربيين، تلك المخططات التي كانت تلاقي صدى واسعا لدى معظم الحكام العرب آنذاك.

       ما أحوجنا هذه الأيام إلى العودة لفكر كمال جنبلاط ولفلسفته في الحياة، ما أحوجنا للمبادىء والقيم التي سار على دربها، ما أحوجنا إلى تطلعاته نحو الديمقراطية الجديدة، فيما يتعدى الحرف، حيث ثورة في عالم الإنسان، في ظل لبنان وحرب التسوية، حيث حقيقة الثورة اللبنانية، ونحو إشتراكية أكثر إنسانية، ليعلمنا ادب الحياة بفرح، ونطبق العلاج بعشبة القمح، من أجل لبنان.

     سار كمال جنبلاط وحيدا بعكس التيار الجارف، سار وناضل وإستشهد من أجل فكر آمن به وعقيدة راسخة بعقله ومبادىء إلتزم بها ولم يحد عنها قيد أنملة. إنه مثال يحتذى به في الصمود والمواجهة والتحدي، إنه أتى بزمن نتحسر عليه لغياب أمثاله، حيث رسخ فيه مقولة " قائد الثورة وملهم الثوار " لذلك ستيقى ذكراه راسخة في يوم ميلاده ويوم إستشهاده وفي كل يوم يشعر فيه اللبنانييون من مآسي غيابه لما يعانوه من أزمات متتالية على كافة الأصعدة في لبنان.


الكاتب

وسام القاضي

مقالات أخرى للكاتب

العدد 56

الخميس 02 كانون الأول 2021

خلل في النظام وتباين الانتماء

وسام القاضي


البعض يعتبر لبنان لوحة فسيفساء، والبعض الآخر يعتبره مركزا لحوار الحضارات، وهنالك من يعتبره منارة الشرق، إلا ان الحقيقة الثابتة هي أن لبنان يعتريه مشكلة في نظامه الطائفي وبنيته الإجتماعية، والذي أدى عبر عهود طويلة إلى فقدان الروح الوطنية لدى شعبه فلم تعد الدولة هي محور حركته، ولم يعد الإنتماء الوطني هو الجامع بين أبنائه، بل ان البيئة الإجتماعية والتي تتمحور حول مذهب المواطن هي ملجأه ومبتغاه.

العدد 56

الخميس 02 كانون الأول 2021

خلل في النظام وتباين الانتماء

وسام القاضي


البعض يعتبر لبنان لوحة فسيفساء، والبعض الآخر يعتبره مركزا لحوار الحضارات، وهنالك من يعتبره منارة الشرق، إلا ان الحقيقة الثابتة هي أن لبنان يعتريه مشكلة في نظامه الطائفي وبنيته الإجتماعية، والذي أدى عبر عهود طويلة إلى فقدان الروح الوطنية لدى شعبه فلم تعد الدولة هي محور حركته، ولم يعد الإنتماء الوطني هو الجامع بين أبنائه، بل ان البيئة الإجتماعية والتي تتمحور حول مذهب المواطن هي ملجأه ومبتغاه.


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك