نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 69

الخميس 29 كانون الأول 2022

كوكب من الشرق

ملف خاص بمناسبة ذكرى ولادة المعلم كمال جنبلاط

عايدة خداج ابو فراج

كوكب من الشرق ينزل من عليائه في السادس من كانون ليخط بأحرف من نور اسم كمال جنبلاط ، المعلم والزعيم الوطني الذي ملأ الدنيا وشغل الناس على امتداد سحابة العمر ، ليشكل مشكاة نور للمستضعفين والفقراء ، وشفيعا" للأجيال من المناضلين الأحرار، ولجيل من الشباب الواعد الذي ينتظر خمائر فكره التقدمي الأنساني كي ينتشله من الوطن - المستنقع الذي تفوح منه رائحة الفساد والأفساد، ومن جهنم التي تستعر نارها يوما" بعد يوم .

فماذا نقول عنك يا من جعلت حياتك رحلة أسراء الى مسقط النجوم وعالم المثل ؟ وكيف نحيط بفكرك المثقل بشهد المعرفة ؟

كنت تردد قولا" للسيد المسيح :

" ان لم تمت حبة الحنطة، تبقى وحدها . وان ماتت ، أتت بثمر كثير ".

فكيف تموت حبة الحنطة وهي التي ملأت الحقول اغمار خير كثير ؟

وماذا تقول حبة قمح عن بيادر فكرك ؟ وماذا تقول نقطة ماء عن نهر متدفق ، متجدد ،وجارف ؟

فيا أيها النهضوي الرؤيوي الذي تعصف فيك رياح الثقافات ، وتسري روح الحضارات التي رأيت فيها التجلي للروح في الإنسان على أرض الواقع ، فسعيت إلى ترسيخ انسانيته على كافة المستويات ، ايمانا" منك أنه هو فائض القيمة الحقيقي الذي حاولت أن تشكله على نسق مثالاتك ، محاولا" تخليق المثال في الواقع ، ورفع الواقع إلى مصاف المثال

ويا من آمنت بالجمعنة والكوكبة ، وأعتبرت الأديان " مسالك ودروب تقود إلى تحقيق الخالق في المخلوق " ،وامنت ان المعرفة هي "تحقيق المطلق في الذات ، ونزع القشور التي تلبدت فوق ذاتها الجوهرية وحجبتها ". ودعوت إلى انعتاق الروح من الأنانية التي تكرس انحباس الروح في أقفاص الأجساد الفردية . واعتبرت الأديان أنغاما" في سيمفونية الكون توصل إلى الحقيقة .

ويا من حاولت أيجاد بديل حضاري ومجتمع اشتراكي يتقاسم فيه الناس لقمة الخبز بالعدل والقسطاس. وسعيت إلى استنبات رؤية خلاصية تقوم على قاعدة ثورتين : " ثورة داخل الوعي الذاتي تحرر العقل من سلطان الغرائز ، وثورة في عالم الظاهر يعيد فيها الأنسان خلق البنى السياسية و الاقتصادية التي تسمح للروح و مثالاتها بالتفتح في بيت جماعي لا تدخله رياح التنافس العدواني و الجزع الاجتماعي " ،لتكون بديلا"للثورات البورجوازية التي حولت الأحلام إلى مأسي .فناديت بتحرر الإنسان من المادة والمقتنى ، وتحرير المجتمع من الفساد ،ودعوت إلى رد الثروة الاجتماعية المسروقة إلى أصحابها . وكان هاجسك كيف نجعل السياسة أخلاقية والأخلاق سياسية ، أي كيف نحول الحق إلى قوة ،والقوة إلى حق ، حق الفقراء المستضعفين في كريم العيش ، فرسمت لهم طريق الخلاص للوصول إلى دولة علمانية ، تقدمية ، وديمقراطية ،يتساوى فيها الجميع على قاعدة الإنسانية.

ويا من اعتبرت السياسة أداة لتحقيق الخير الخلقي في الحياة العامة ، كما رأى أرسطو، وآلفت بين السياسة والمعرفة في خلق النخبة على طريقة أفلاطون في شخص الحكيم -- الحاكم ،فجعلت النخبة تتماثل وحراس الجمهورية الافلاطونية كي تسود العدالة ،وتعم المساواة ، ويتحقق الخير الخلفي في الحياة العامة .

أيها الثائر ضد المتركد من الأفكار والمتحجر من الأعراف ، والداعي إلى السلام الاجتماعي والروحي، فتمفصل فكرك على الصوفي والعرفاني والفلسفي والتوحيدي من المبادئ ،واكتفيت بشهوة الشمس لإيصال الضوء والدفء إلى الأرض التي تحسست حاجتها إلى الروح .

وماذا نقول لك في ذكرى ميلادك يا من رميت نفسك في نهر هرقليطس المتجدد و المتدفق دوما" عن وضعنا المتردي النتن في لبنان ومحيطه العربي ؟ نقول لك :اننا نشتاق إلى توهج فكرك ،ونقاوة ثورتك ، ودعوتك إلى الخلاص من كل ارتهان وتبعية للخارج ،والسير في طريق الحياد الأيجابي .

فلبنان المصلوب على خشبة الثنائية ينتظر علمانيتك وحضورك المعنوي ، ينتظر عودة القائد الذي يدعو من مأذنة الحق إلى ثورة يكون قادتها من شباب هم في مستوى الرسل الأبرار.

وماذا نقول لك عن الأرض العربية المحروقة والمدنسة بالهمجيات والتي ه ج ر أهلها إلى جهات الأرض الاربع ، والتي تشهد رقصة الموت العبثية الدامية بين المذاهب والعشائر والأثنيات والعصبيات بقيادة المايسترو الأميركي-- الصهيوني ؟

ان الأرض العربية تعيش شتاءها القاسي، تنتظر عروبة نقية ديمقراطية توحيدية كعروبتك ، واسلاما" حضاريا" سمحا" وجامعا" كما عهدته .

وفلسطين ،فلسطينك، التي اعتمرت كوفيتها ،ودافعت عن حقوق شعبها وعودتهم من الشتات ،قد اغتالها التطبيع والفرز ،والضم وصفقات القرن .

وماذا نقول بعد ،والجراح أتخمت جسد الوطن ، والمآسي تلفنا من كل حدب وصوب , والكيان برمته يحترق في آتون جهنم .

فيا أيها المسافر في قطار الزمان ،ليتك تترجل...أرجوك ،ترجل ...


الكاتب

عايدة خداج ابو فراج


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك