الخميس 29 كانون الأول 2022
في ذكرى ولادته: 06/12/1917، لازال المعلم كمال جنبلاط حاضراً بمواقفه من الاحداث: فماذا كان سيقول في مسارات التطبيع العربي مع اسرائيل لو كان حياً؟
ملف خاص بمناسبة ذكرى ولادة المعلم كمال جنبلاط
سعيد الغز
"كل تحالف او اتفاق مع دولة اجنبية ، او اعجمية يوقع الخلاف في صفوف الدول العربية ، ويجعلها تنقسم على نفسها، كما سبق لي ونبّهت مراراً ، لا يخدم في النهاية الا اسرائيل ، ويضرّ بالقضية الفلسطينية ."
(المرجع: من حديث له لجريدة "بيروت المساء" في 10/3/1955)
بداية ، لابد من التذكير ، ان المعلم كمال جنبلاط اعتبر قضية فلسطين قضية وطنية وقومية عادلة ، بل انسانية واخلاقية تمسّ جوهر الالتزام السياسي لدى كل انسان عاقل. كما اعتبرها قضيته بالذات كإنسان وكمواطن لبناني ينتمي الى العروبة ثقافة واجتماعاً وقضية. فهو قد اكتشف، منذ حصول الاغتصاب الصهيوني لفلسطين وتشريد شعبها، وسط تواطؤ دولي سنتي 1947 و1948، ان لا سبيل للدفاع عن الحق الفلسطيني واستعادة فلسطين لأهلها الا بالمساندة الفعلية للشعب الفلسطيني تمكنه من ممارسة النضال والمقاومة لتحرير الارض واعادة اللاجئين واقامة الدولة الفلسطينية والقدس عاصمة لها.
كمال جنبلاط كرّس جزءاً مهماً من نضاله ومواقفه لنصرة الحق الفلسطيني ، ولذلك ، اختارته الاحزاب والهيئات العربية والفلسطينية سنة 1972 اميناً عاماً للجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية ويوم اغتالته يد الغدر في 16 آذار 1977، اعتبرته القيادة الفلسطينية شهيداً لفلسطين .
فهو في اعقاب حرب الايام الستة ، ونكسة 1967، وما رافقها من توسع الاغتصاب الاسرائيلي ليشمل كامل التراب الفلسطيني ، واراض عربية مجاورة ، صارح القادة العرب والشعوب العربية بالقول :
"ان الانتصار على اسرائيل يبدأ في انتصار العرب على انفسهم وانانيتهم ونزواتهم ، وعلى روح التنافر والتنازع فيما بينهم . فلنفعل ذلك ، ولو لمرة واحدة ، فنشكل قوة رادعة وقادرة على التصدي ، وتقديم الدعم اللازم للعمل التحريري الفلسطيني ، وتمكينه من احراز النصر على العدو ."
(المرجع: من مقال له في جريدة المحرر بتاريخ 28/7/1968)
وعندما لاحظ ان الحكام العرب لم يغيروا ما في نفوسهم ، بل استمروا يتكلون على الادارة الاميركية لايجاد حلول لقضية فلسطين ، وجّه كمال جنبلاط هذا التحذير للحكام العرب:
"ان الساسة الاميركيون يقولون ، وهم في ذلك على حق ، انهم لم يخسروا شيئاً من نفوذهم ومصالحهم في العالم العربي ، سواء قبل ام بعد حرب 1967، او طوال دعمهم الدائم لاسرائيل وعدوانها على فلسطين ودول جوارها العربية . فلماذا عليهم ان يأخذوا اليوم في الاعتبار ما يردده الحكام العرب اليوم من انتقاد للسياسة الاميركية ."
(المرجع: من مقال له في جريدة الانباء بتاريخ 7/02/1970)
وبعد ان زادت الاوضاع سوءاً، وتواصلت المناكفات بين الحكام العرب ، واستمرت روح الاتكالية ورمي المسؤوليات على الغير، في عدم التصدي للعدوان الاسرائيلي وللانحياز الاميركي ، عبّر كمال جنبلاط عن قرفه وغضبه وخاطب الحكام العرب بالقول :
"حقاً، لقد فقد الحكام العرب المنطق. وهم بذلك يمهدون لوضعنا بين المطرقة الاميركية والسندان الاسرائيلي في اتجاه تصفية القضية الفلسطينية والاستسلام لاسرائيل ، وعقد اتفاقيات صلح منفردة معها، كل دولة عربية على حدى. الى اين سيقودنا ذلك؟ الى الكارثة حتماً. كارثة ستكون خاتمة الاحزان لانها ادهى واخطر من كارثة العام 1948."
(المرجع: من مقال له في جريدة الانباء بتاريخ 14/8/1972)
هلّل كمال جنبلاط ، كما سائر العرب لحرب تشرين اول العربية سنة 1973، واعتبرها بداية تحول لشنّ حرب لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني العنصري . ولكن الصدمة الكبرى لم تتأخر ، وعادت الى سطح الاحداث الذهنية العربية التي تعاني من مركّب الخوف وعدم الثقة بالذات ، وبالقدرة على مواصلة النضال حتى اعادة الحقوق المشروعة لاصحابها في فلسطين ، وفي المناطق العربية المغتصبة في دول الطوق العربي. فقد نجح وزير الخارجية الاميركي هنري كيسنجر في لعب سياسة حافة الهاوية ، والخطوة خطوة الى شرذمةالمواقف العربية وابطلت مفاعيل حرب 1973 قبل انتهاء هذه الحرب. فكرّت السبحة ، واتجه العرب فرادى للتطبيع مع اسرائيل برعاية اميركية ، وهي السياسة التي لا تزال مستمرة الى اليوم: وهذه ابرز مراحلها:
1- صفقة الجولان السوري المحتل
اشرف عليها كيسنجر فور وقف حرب 1973، وقضت بفك الاشتباك ووقف اطلاق النار بين سوريا واسرائيل التي احتفظت بالجولان ولا زال هذا الوضع قائماً.
2- صفقة كامب دايفد المصرية
اعدّت لها الادارة الاميركية ، ونفذها الرئيس المصري انور السادات بزيارته للقدس المحتلة سنة 1977، ثم ابرم الاتفاق المصري الاسرائيلي برعاية اميركية وهو الذي اعاد سيناء الى مصر ، وحقق سلاماً بين البلدين، واخرج اكبر دولة عربية من الصراع مع اسرائيل .
3- صفقة وادي عربة الاردنية
بوشر بالاعداد لها في اعقاب الصفقة المصرية وادّت الى ترسيم الحدود بين الاردن واسرائيل سنة 1980، وحققت السلام بين البلدين .
4- صفقة اوسلو الفلسطينية
بدأت على شكل مفاوضات سرية غير رسمية بين السلطة الوطنية الفلسطينية واسرائيل في اوسلو النروجية سنة 1993، وتوّجت باتفاق رعاه الرئيس الاميركي بيل كلينتون في البيت الابيض بين ياسر عرفات واسحق رابين سنة 1995 . نكثت اسرائيل بما تعهدت به للفلسطينيين: الاعتراف المتبادل، التفاوض لاقامة دولتين على ارض فلسطين ، واعتبار القدس عاصمة لكل من الدولتين. وواصلت سياسة القمع ضد الفلسطينيين والتوسع بالاستيطان، واعتبار القدس عاصمة ابدية لاسرائيل بغطاء اميركي من الرئيس ترامب سنة 2020.
5- صفقة القرن الاميركية الاسرائيلية
تمّت هذه الصفقة سنة 2020، غير عابئة بالمواقف العربية المتشتتة ، واتاحت لاسرائيل التحول الى دولة عنصرية يهودية ، تسعى لان لا يكون فيها مكاناً لغير اليهود ، واسدال الستار على القضية الفلسطينية . وما الاتجاه الذي ستسلكه حكومة نتيناهو الجديدة سوى التأكيد على الاسراع في تحقيق هذا الهدف.
6- صفقة ابراهام العربية الاسرائيلية الاميركية
انها اكبر صفقة تنجح الادارة الاميركية في ابرامها سنة 2022 بين اسرائيل وعدة دول عربية هي دولة الامارات – البحرين – المغرب وعمان. وكان شعارها: الامن مقابل السلام، والشروع في التطبيع في مختلف المجالات. ورافق ذلك تفاهم من تحت الطاولة على اشكال معينة من التواصل بين اسرائيل وقطر والسودان والسعودية .
7- صفقة "هوكشتاين" اللبنانية
ابرمت بين لبنان واسرائيل بشكل غير مباشر بوساطة اميركية ، وقضت بترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وضمان قدرة كل منهما على استثمار ثروته النفطية والغازية البحرية .
هذا العرض لمسلسل الصفقات، يقودنا الى السؤال:
ماذا بعد؟ ماذا عن الصفقات القادمة؟متى؟ واين؟ وما المصير المنتظر للقضية الفلسطينية ؟ وماذا كان سيقول كمال جنبلاط ؟
وفقاً لما عرفناه عنه من مواقف نضالية صادقة، من المؤكد انه كان سيثور من جديد على هذه الذهنية العربية الانهزامية ، ويدعو الى الخروج منها خدمة للكرامة القومية وللمسؤولية الوطنية . وكان سيسأل القادة العرب اين اصبح ما تعهدتم به في قمة بيروت العربية سنة 2002 لا حل ولا سلام مع اسرائيل قبل ازالة العدوان واعادة الارض المغتصبة واقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس على حدود حزيران 1967؟ وكان بالطبع سيذكر الجميع من فلسطينيين وعرب بأن قرار تقسيم فلسطين سنة 1947 كان ظالماً ومجحفاً، ولكن ما هو اظلم منه الانقسام الداخلي الفلسطيني وشرذمة المواقف: 46 تنظيماً وفصيلاً متناكفاً، افقد الشعب الفلسطيني فعالية نضاله ضد العدو الاسرائيلي من جهة ، والصراعات العربية فيما بينها اتاحت للقوى الاقليمية والدولية التلاعب بمصائر قضاياهم وفي مقدمها القضية الفلسطينية. وكان سيردد على مسامعهم دون كلل هذا البيت من شعر طرفة بن العبد :
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة
على النفس من وقع الحسام المهنّد