نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 68

الخميس 01 كانون الأول 2022

الرئاسة وفرص الانتقال من الانهيار إلى الازدهار

مقال سياسي

فيصل الصايغ

حسمت الممارسة السياسية القائمة في آخر عقدين عرفيّاً أنّ النصاب المطلوب في مجلس النواب لانتخاب رئيسٍ للجمهورية هو الثلثان في الجولتين الأولى والثانية، ما يعني بالتالي أنّه من شبه المستحيل انتصار فريقٍ سياسي على الآخر، في ظلّ التوازنات التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة. كما أنّ أيّ اجتهاد لاعتماد "النصف زائد واحد" كنصابٍ للجلسة الثانية وما يليها، سيفرض تفسيراً جديداً من قِبل المجلس النيابي بأكثرية الثلثين، والجميع يعلم أنّ اتفاقاً كهذا غير متوفّر حالياً.

ويكثر الحديث اليوم عن أنّ المرحلة الحالية ستكون مشابهةً لمرحلة الشغور التي سبقت انتخاب الرئيس السابق ميشال عون، ويُحكى عن رغبة البعض في إطالة أمد هذا الشغور، لغاياتٍ وحساباتٍ شخصية، وصولاً الى حرق أسماء وفتح المجال أمام أسماءٍ أخرى؛ لكنّ رؤية الأمور من هذا المنظار ستكون لها تداعياتها الكارثية على لبنان. فالأوضاع اليوم تختلف بشكلٍ جدّي عن الفترة الممتدة ما بين العامين 2014 و2016، فيومها لم تكن الدولة مفلسة، وكان احتياط مصرف لبنان يزيد عن ٥٠ مليار دولار، ولم تكن الهجرة بهذه الكثافة، والمصارف كانت لا تزال تعمل، والناس يحصلون على ودائعهم.. أما اليوم فمجرّد الحديث عن أنّ ٧٥٪ من الشعب اللبناني باتوا تحت خطّ الفقر، وعن الانقطاع الكامل للكهرباء، وغياب الخدمات العامة، وانخفاض احتياطي المركزي إلى تسعة مليارات دولار، مع الاستنزاف الحاصل يومياً، يقرع جرس إنذارٍ خطير، ما يعني أنّ علينا كلبنانيين وككتلٍ نيابية معنية بهذا الاستحقاق، منع تطوّر الأمور، ومعها إطالة الشغور، كما حدث قبل انتخابات 2016.

الكلام الخطير الآخر يندرج حول إعادة محاولات تسويق المحاصصة، وربط اسم رئيس الجمهورية القادم بمن سيُكلّف تشكيل أولى حكومات العهد، بمعنى أن يكون سيّد قصر بعبدا من فريق ٨ آذار، وسيد السراي قريباً من فريق ١٤ آذار. هذه النظرية ساهمت في التدمير، وفي تعطيل السلطة التنفيذية التي يفترض أن تكون متوافقةً على رؤيةٍ موحدة للعمل، تبدأ بإقرار برنامجٍ واضح ومحدّد مع صندوق النقد الدولي، وبإجراء إصلاحات بنيوية فورية للقطاع العام، وتثبيت استقلالية السلطة القضائية، وتطبيق قوانين مكافحة الفساد من دون تمييز، وضبط التهريب عبر الحدود اللبنانية البرية والبحرية والجوية. فرئيس الجمهورية، كما رئيس الحكومة والوزراء، هم لجميع اللبنانيين، وعلينا أن نفصل خلافاتنا السياسية عن الإدارة العامة والخدمات اليومية للناس، وإفساح المجال لتعيين الأكفأ في وظائف الدولة. فالموظف أياً يكن مركزه وفئته، إنما يمثل مصالح لبنان، ومن واجباته خدمة الناس جميعاً، وليس حزبه أو طائفته.

الجميع يعي أنّ ملف رئاسة الجمهورية هو المفتاح لبداية الحلول في لبنان. فلا انتظام للعمل السياسي والاقتصادي والمالي من دون انتخاب رئيس، وكلّ يوم يمرّ يساهم في الشرذمة والدمار، ونحن على مفترق طرق، حيث يمكننا أن نكون دولةً منتجة للغاز، ما يعني الانتقال بلبنان إلى مرحلة الازدهار والإعمار، ويمكننا أيضاً أن ننغلق ونعزل أنفسنا، فيستمر مسلسل الشغور، ومعه لن تأتي أيّ شركة للتنقيب. فيما اتفاقية الترسيم تشكل إنجازاً جرى تحقيقه بالتقاط لحظة تقاطعاتٍ سياسية واقتصادية، على المستويين الإقليمي والدولي.

ويبدو أنّ اتفاقية الترسيم ستؤدي على المستوى العسكري إلى استقرارٍ على جبهة الجنوب، والعودة إلى ما يشبه هدنة الـ ٤٩، أي لا حرب ولا تطبيع. لكنّ الاستفادة لبنانياً من هذه الاتفاقية لاستغلال ثروة النفط والغاز، تتطلب شرطين متلازمين: الأول إعادة بناء الدولة، على أن تكون دولةً حقيقية ذات سيادة، ونظامٍ يقوم على الشفافية والحوكمة، بعيداً عن الفساد والمحاصصة الطائفية. والثاني ترسيخ هوية لبنان السياسية، من خلال تثبيت وتنفيذ اتفاق الطائف الذي كرّس إلى غير رجعةٍ هوية لبنان العربية، واعتباره مكوّناً رئيسياً في المنطقة العربية، وجزءاَ من المنظومة الدولية. وبغير ذلك، سيكون عبثاً الحديث عن الاستفادة من ثروتنا الغازية، حتى ولو نصّت اتفاقية الترسيم على ضماناتٍ للاستخراج، وخير دليل على ما نقول هو فنزويلا وإيران اللتان تعجزان عن استغلال ثرواتهما الضخمة، نتيجة خياراتهما وتموضعهما السياسي.


الكاتب

فيصل الصايغ


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك