نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 68

الخميس 01 كانون الأول 2022

ملف النزوح السوري الى لبنان يتطلب من المسؤولين اللبنانيين حلولاً عملية لا مزايدات كلامية شعبوية

مع الاحداث

سعيد الغز

"الى ارباب السلطة والسياسة في لبنان نقول: الوطن يبقى اكبر منكم جميعاً. ويبقى الشعب فوق الجميع. وعاجلاً ام آجلاً، ليس امام الفاشلين ، مهما كابروا ، الا الانسحاب الذليل من مواقعهم ، وافساح المجال لقيادات جديدة ، تتمتع بالصدقية والنزاهة والقدرة على اتخاذ ما يلزم من قرارات تنقذ الوطن من معاناته."

(كمال جنبلاط في مقال له بعنوان "الوضع الخطير وطريق الانقاذ" لجريدة الانباء في 28/1/1967، ورد في الصفحة 166 من كتابه "لبنان والجسر الوطني المقطوع").

هذا الملف على اهميته وخطورته وضرورة ايجاد حلول عملية له ، تحول في الفترة الاخيرة من عمر العهد العوني لدى ارباب السلطة والسياسة الى مجرد شعار شعبوي ، يرفعونه في مختلف المناسبات المحلية والاقليمية والدولية ، ويروجون له على انه المدخل الالزامي لحل سائر الملفات الساخنة على الساحة اللبنانية. وتتوقف المساعي عند هذا الحد. فلا ملف النزوح وجد المسؤولون له سبلاً عملية للحل. وكذلك الامر بالنسبة لسائر الملفات ، وسط الشلل التام، على مستوى السلطات والادارات ، وتفاقم مآسي اللبنانيين نتيجة للمناكفات بين ارباب الحكم.

هذا الواقع الاليم يدفع الى طرح السؤال الكبير: لماذا الاصرار على الطرح الشعبوي لملف النزوح في كل المناسبات ؟ وما خلفية الفشل في ايجاد حلول عملية له ؟ ولماذا الاستمرار في مطالبة الاخرين بايجاد حلول لهذا الملف؟

الاجابة عن هذه التساؤلات تتطلب منا العودة السريعة الى مراجعة شريط الاحداث التي انتجت هذا الملف الشائك والضاغط اليوم ، وهذا من شأنه تسليط الضوء على ما اكتنفه من خفايا ، واظهار من هم وراء ابقائه معلقاً طيلة هذه المدة ، منذ العام 2011 الى اليوم في العام 2022.

في شهر آذار 2011، اندلعت الاحداث الدامية في سوريا ، وساءت الاحوال ، وتفاقمت المخاطر. وطلباً للنجاة من الموت المحتّم، اندفع الملايين من السوريين نحو الحدود مع البلدان المجاورة ومن بينها لبنان. وقتها، ومن دون تردد ، بدافع الاخوة والانسانية ، فتح اللبنانيون حدود بلادهم وبيوتهم للاشقاء السوريين النازحين ، وافردوا لهم المساحات اللازمة في مختلف المناطق للاقامة المؤقتة ، ريثما يتوقف الاقتتال في سوريا، وتتحسن الاحوال فيعودوا الى ديارهم بسلام وامان.

ومرت الايام والاشهر والسنوات ، واستمر الاقتتال فتعطلت العودة لعدم توفر السلامة والتمويل اللازم لمواكبتها وانجاحها. ووجد لبنان الذي يعاني اليوم من اسوأ ازماته واخطرها على كيانه ووجوده ، ان عليه الاستمرار في تحمل اعباء اقامة النازحين السوريين على ارضه ، وتكبد نفقات ذلك التي تجاوزت عشرات مليارات الدولارات ليتقاسم معهم ما تيسر له تأمينه من متطلبات العيش المختلفة .

هذا باختصار الوجه الظاهر من الصورة ، ولكن ما هو المخفي في وجهها الاخر الذي تسبب في ابقائها دون حل ، رغم الكلام العالي من الحكام ؟

لكشف هذه الخفايا ، ومعرفة من يقف وراء استمرارها نبرز ثلاثة مستويات رئيسية :

1- المستوى الاول :

يكشف لنا هذا المستوى تقاعساً متزيداً من المجتمع الدولي والمنظمات الدولية في احترام تعهداتها تجاه مشكلة النزوح سواء لجهة برامج الرعاية الحياتية للنازحين ، او لجهة الدول المضيفة لهم . هذا التقاعس ، انعكس التزامات مكلفة جداً على الدول المضيفة ، تفاقم مع السنوات ، وما وصل اليه الوضع من تعثّر وتداعيات على النازحين والمواطنين هو نموذج صارخ.

2- المستوى الثاني :

هذا المستوى يتعلق بالمسؤولين اللبنانيين الذين تعاقبوا على الحكم منذ العام 2011، وكيفية تعاطيهم بهذا الملف التي اوصلته الى ما اصبح عليه اليوم من تعقيد. فالتردد والارتباك والعجز عن اتخاذ القرارات اللازمة في الوقت المناسب، واعتماد اساليب المناكفة والشعبوية ، ورمي التهم المتبادلة بين المسؤولين حول المسؤولية في الفشل ، شجع الاطراف الاخرى المطلوب منها المشاركة في ايجاد الحلول على التراخي وعدم التجاوب مع الطلبات اللبنانية . الطرف الاممي يعلن على الدوام انه لا يعارض العودة الطوعية الامنة للنازحين . والطرف السوري يرحب بعودة من هو موال للنظام شرط ان تتحمل المنظمات الاممية والدولية كلفة اعادة الاعمار في سوريا . والمؤسسات الانسانية الحريصة على سلامة النازحين وامنهم وسبل عيشهم تسأل من يكفل ذلك لهم بعد العودة، خاصة وان النظام السوري القائم ليس هو صاحب القرار في مناطق سورية يتقاسم النفوذ والسلطة عليها الاتراك والايرانيون والاكراد الموالين للولايات المتحدة، ام المنظمات الجهادية المتطرفة ؟ كل هذا ادى الى فشل المحاولات الخجولة التي ادارتها المديرية العامة للامن العام اللبناني رغم الدعاية الاعلامية الواسعة التي رافقت كل محاولة . وكان اخرها المحاولة الاخيرة التي جرت خلال شهر تشرين اول 2022، واعلن انها ستضم 1500 عائلة سورية ، وافق النظام السوري على اعادة 500، لتنتهي عند التنفيذ على 310 اشخاص ، على ان تليها دفعة من 400 اعلن عن تأجيلها وعند التنفيذ هبط الرقم على 300 فقط.

3- المستوى الثالث:

انه المستوى الاخطر الذي يكشف الخفايا ويفضح المستور ويحدد المسؤولين عن التذاكي وقول الشيء وعمل نقيضه. المطالبة بالكثير دون الانتقال من الخطاب الشعبوي الى التصرف المسؤول . عند هذا المستوى ينكشف وجود تواطؤ وتقاسم عائدات مادية بين هؤلاء وبين ارباب المافيا الناشطة في مختلف مجالات التهريب بين لبنان وسوريا بحرّية تامة رغم تعهدات المسؤولين الكلامية الدائمة بالعمل على اقفال معابر التهريب. فهذا التواطؤ المشين كانت له ولا تزال انعكاسات بالغة الخطورة على الاوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية في لبنان . فما تنفقه السلطة من مال منهوب من ودائع اللبنانيين ومدخراتهم لتأمين مستلزمات العيش الملحة يتوزع على ثلاثة اثلاث: ثلث يذهب للبنانيين ، وثلث ثان للنازحين ، والثلث الثالث تستولي عليه المافيات وتهربه الى الداخل السوري وتتقاسم عائداته مع بعض المسؤولين في لبنان وسوريا الذي يؤمنون لهذا التهريب الرعاية والحماية والاستمرارية . هؤلاء المتواطئون هم الذين لا مصلحة لهم بإقفال ملف النزوح وضبط الحدود، حتى مع علمهم ان تداعيات ذلك تؤدي الى الانهيار التام في لبنان . اللعبة باتت مكشوفة ، وكما يقول المثل : "الشمس طالعة والناس قاشعة " ، ولهذا المطلوب بإلحاح انتاج قيادات جديدة للسلطات في لبنان ، لديها الرغبة الصادقة ، والارادة الحازمة ، والنزاهة ، والاقدام على اتخاذ القرارات الانقاذية اللازمة لاخراج لبنان واللبنانيين من معاناتهم وفي مقدمتها اقفال الحدود وايجاد حلول عملية لملف النزوح.


الكاتب

سعيد الغز

مقالات أخرى للكاتب

العدد 48

الخميس 01 نيسان 2021

الحكم متعثر والبلد مأزوم والتعطيل مدعوم، فبئس المصير المشؤوم

سعيد الغز


"ان المشكلة اللبنانية لا تحلّ الا على اساس وطني لا طائفي ، ومنهج حازم في آن واحد يوصل الى اقامة دولة مدنية علمانية في لبنان تصهر المجتمع اللبناني في البوتقة الوطنية ." كمال جنبلاط

العدد 47

الثلاثاء 02 آذار 2021

في لبنان وفي العالم ... صراع غير متكافئ بين الديموقراطية والديكتاتورية

سعيد الغز


في لبنان لا تزال الاحداث المقلقة تتواصل ، فعلى المستوى الشعبي الازمات تتفاقم مالياً واقتصادياً واجتماعياً وتربوياً وصحياً وامنياً والمسؤولون عن ادارة الدولة وتدبير شؤون الناس عاجزون وفاشلون وغائبون كلياً عن القيام بالمطلوب منهم . منذ اندلاع حركة الاحتجاج

العدد 46

الإثنين 01 شباط 2021

من واشنطن الى بيروت المخاطر على الديموقراطية تتصاعد

سعيد الغز


خطفت الاضواء في هذا الشهر الاحداث التي شهدتها العاصمة الاميركية واشنطن. ففي ليل الاربعاء الموافق 06 كانون الثاني 2021. انشغلت وسائل الاعلام والتواصل في مختلف دول العالم، بما تعرّض له الكونغرس الاميركي من اقتحام غوغائي عنصري متطرف، حرّض عليه مباشرة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب الرافض لنتائج الانتخابات التي خذلته واوصلت الى سدة الرئاسة المرشح الديموقراطي جو بايدن.

العدد 43

الثلاثاء 03 تشرين الثاني 2020

مع الاحداث: لبنان اليوم على طريق الجلجلة .... اي مصير

سعيد الغز


هذا الشهر ايضاً، الاحداث تتوالى في لبنان والاوضاع تتفاقم: العجز على مستوى ارباب السلطة لايزال هو السائد. البلد يسير على غير هدى: لا مال ، لا اشغال، لا كهرباء، لا محروقات، كورونا جائحة ولا دواء ولا استشفاء الا لأصحاب الثروة والحظوة. حبل انقطاع السلع الغذائية والتجهيزية على غاربه، يقابله التهريب المحمي من ذوي القدرة. كل هذا ولا اي مسعى رسمي فعلي للبحث عن مخارج وحلول، الا في الاطلالات التلفزيونية الدعائية للمسؤولين.


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك