نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 64

الإثنين 01 آب 2022

العالم وفتات مائدة مجموعة السبع

من الصحافة اخترنا لكم

مارك مالون براون

مارك مالون براون نائب سابق للامين العام للامم المتحدة - جريدة الشرق الاوسط – 10/7/2022

اختتمت قمة مجموعة السبع، في ألمانيا، الأسبوع الماضي، بتعهد زعماء أغنى دول العالم دعم أوكرانيا «طالما استغرق الأمر».

واتفقوا على اتخاذ إجراءات قصيرة المدى، مثل حظر واردات الذهب الروسي، وناقشوا ما وصفه مستضيف القمة، المستشار الألماني أولاف شولتس، بـ«خطة مارشال» لأوكرانيا، مستشهداً بعملية إعادة إعمار أوروبا الواسعة بعد الحرب العالمية الثانية؛ إذ اعتبر شولتس أنها ستكون «مهمة لأجيال قادمة».

وليس هناك شك في أن أوكرانيا ينبغي أن تتلقى تلك المساعدة، ولكن قادة مجموعة السبعة يفتقدون الصورة الأكبر، وهو ما يبدو أمراً مرعباً؛ إذ إنه صحيح أن قبل الاجتياح الروسي لكييف، كانت أسعار المواد الغذائية العالمية قريبة من مستويات قياسية، ولكن الآثار المتتالية لحرب موسكو تهدد الآن بالتسبب في انتشار الجوع والمعاناة على نطاق ضخم.

وبجانب أسعار المواد الغذائية، فقد اخترق سعر برميل النفط الخام 120 دولاراً مؤخراً، وارتفعت أسعار الأسمدة، كما ارتفعت أسعار الفائدة، وذلك بالإضافة إلى أحوال الطقس الغريبة، والممارسات الزراعية غير المستدامة، والديون المرتفعة في العديد من البلدان، والآثار المستمرة لوباء فيروس «كورونا المستجد» والصراعات العنيفة الأخرى، ووجود أكثر من مليار شخص معرّضين لخطر ما وصفته الأمم المتحدة بـ«عاصفة كاملة» من المشقة.

ومع ذلك، فقد فشل أعضاء مجموعة السبع في الاستجابة من خلال أي شيء يقترب من مستوى الالتزام المطلوب لدرء وقوع كارثة بشرية، فقد كان الإعلان الرئيسي للقمة يتمثل في 4.5 مليار دولار للأمن الغذائي، وهو جزء بسيط من الـ22.2 مليار دولار التي يحتاج إليها برنامج الغذاء العالمي الآن، كما أنه يمثل تعهداً ضئيلاً من جانب كتلة تمثل نحو 45 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

فبينما يحتاج العالم إلى خطة مارشال، فإنه قد حصل فقط على مجرد بعض الإسعافات الأولية.

وقد كان انفصال الدول الغنية عن العالم واضحاً خلال قمة مجموعة السبع، التي عُقدت في منتجع صحي فاخر يقع في جبال الألب البافارية، وعلى الرغم من دعوة قادة الأرجنتين والهند وإندونيسيا والسنغال وجنوب أفريقيا لمناقشة مشاكل مثل الغذاء والصحة والمناخ، فإنه تم تخصيص 90 دقيقة فقط من الاجتماعات التي استمرت ثلاثة أيام لمناقشة هذه المخاوف.

ومن خلال التعامل مع ضغوط الغذاء والطاقة والديون العالمية باعتبارها مجرد قضايا ثانوية مقارنة بالحرب في أوكرانيا، فقد أضاعت مجموعة السبع فرصة ذهبية لمساعدة الجياع في العالم ودحض وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للنظام العالمي الليبرالي بأنه لا يهتم بالفقراء، كما أنه ربما تكون الدول الغنية قد خسرت بالفعل معركة القلوب والعقول.

وقبل ثلاثة أشهر، حشد العالم الغربي الدعم العالمي من أجل تبني قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وقد صوّتت 141 دولة بالفعل لصالحه، ولكن في ذلك الوقت، امتنعت الصين والهند ونصف أفريقيا عن التصويت، ومع مضي الحرب قدماً، وجد الغرب صعوبة أكبر في حشد العالم، مع قرارات لاحقة استقطبت عدداً أقل من الأصوات، وهو ما كان جزئياً بسبب القلق من أن تبني المزيد من الإجراءات لمعاقبة الرئيس الروسي يمكن أن تزيد من التقلبات الاقتصادية العالمية. وعلى الرغم من تكريم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من قبل الغرب؛ إذ ألقى كلمة أمام الكونغرس الأميركي وكذلك العديد من البرلمانات الأوروبية، فإنه عندما خاطب الاتحاد الأفريقي عبر الفيديو في يونيو (حزيران) الماضي، فقد تابعه أربعة فقط من قادة الاتحاد البالغ عددهم 55 على الهواء مباشرة.

ولكن هذا لا يعني بالضرورة دعم هذه الدول الاجتياح الروسي لأوكرانيا، حيث يخشى عدد من البلدان الأفريقية من الطموحات الإقليمية لجيرانهم الأقوى، كما أنه لا يعني تبنيهم موقفاً موحداً، فالمخاوف عبر جنوب الكرة الأرضية متنوعة ومعقدة، فهي تشمل الخوف من الانجرار إلى حرب باردة جديدة، والغضب من فشل العالم المتقدم في الوفاء بتعهداته الخاصة بلقاحات فيروس «كورونا المستجد»، وتخفيف الديون، وتمويل المشاريع الخاصة بتغير المناخ، علاوة على المعايير المزدوجة الغربية المتصورة بسبب الدعوة إلى تحرك عالمي بشأن الحرب في أوكرانيا مع تقليل أولوية معاناة الدول الأخرى.

ولكن الحقيقة هي أن أدوات النظام الغربي الموجه نحو السوق والتي تتسبب في ازدراء جنوب الكرة الأرضية هي نفسها التي يمكنها أن توفر الحلول التي تحتاج إليها البلدان النامية بشدة، فقد فرضت 23 دولة على الأقل حظراً على الصادرات الغذائية؛ وذلك بسبب مخاوف نقص الإمدادات، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل أكبر، وقد دعت مجموعة السبع الدول إلى تجنب الإفراط في تخزين المواد الغذائية، ولكن كان بإمكانها أن تلتزم أيضاً القيام بدفعة منسقة في منظمة التجارة العالمية لاتخاذ تدابير لإبقاء أسواق التصدير مفتوحة.

ولا يتعلق الأمر بنقص الغذاء فحسب؛ إذ إن 60 في المائة من البلدان المنخفضة الدخل تعاني من الديون، ومرة أخرى، كان بإمكان قادة مجموعة السبع الإعلان عن خطط لإقناع صندوق النقد الدولي بتعليق سداد الديون، وإزالة حدود الاقتراض، وتسريع الإقراض الجديد لمساعدة البلدان على شراء المواد الغذائية والطاقة المستوردة.

واتفق أعضاء مجموعة السبع على دراسة فرض حدود قصوى محتملة لأسعار النفط والغاز الروسي لتخفيف ضغوط معدلات التضخم والحد من قدرة الرئيس بوتين على تمويل الحرب، ومن المرجح أن يواجه هذا الجهد مجموعة من الصعوبات السياسية والفنية، ولكنه يستحق النظر فيه، وذلك إلى جانب توسيع العرض من مصادر أخرى.

وبطبيعة الحال، فإن الخطوة الأكثر أهمية على المدى الطويل فيما يتعلق بالطاقة هي الانتقال إلى المصادر المتجددة، فتغير المناخ يؤثر سلباً على الأمن الغذائي؛ وذلك لأن التغيرات في الطقس والتربة يمكن أن تحد من قدرة البلاد على زراعة المحاصيل.

وتشير خطط تحول الطاقة لدى أحد المتشككين الحاليين في الغرب، وهو جنوب أفريقيا، إلى حجم التحدي الحالي؛ إذ سيأتي تمويل الخطة من مزيج من رأس المال العام والخاص، ولكن التحول من استخدام الفحم إلى الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية سيكلف نحو 250 مليار دولار على مدى العقود الثلاثة المقبلة، أي نحو 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في جنوب أفريقيا.

وصحيح أنه يمكن تكرار هذا النموذج الذي يجمع بين القطاعين العام والخاص في الاقتصادات الكبرى الأخرى مثل الهند وإندونيسيا وفيتنام، ولكن هذا يعني جمع الأموال على نطاق خطة مارشال، التي ساهمت فيها الولايات المتحدة بنحو 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لديها للمساعدة في إعادة بناء أوروبا.

وتحتاج الدول والمؤسسات الغربية إلى حشد نفس الإرادة السياسية لإظهار قدرتها على الاستجابة بشكل ديناميكي لمساعدة البلدان المعرضة للخطر وإثبات أن النظام الليبرالي الدولي لا يزال قوة عالمية تعمل من أجل الخير، فصحيح أن أعضاء مجموعة السبع أضاعوا فرصة في ألمانيا، ولكن الوقت لم يفت للتحرك.


الكاتب

مارك مالون براون


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك