نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 64

الإثنين 01 آب 2022

لبنان المأزوم ... على مفترق طرق الاختيار

مع الاحداث

سعيد الغز

"في مواجهة العاصفة التي تهب هذه الايام في المنطقة ، وما تحمله من اخطار داخلية وخارجية تحيق ببلدهم، لا يسع اللبنانيين الا الترقب والانتظار ، واتخاذ موقف الحياد الايجابي لصون سيادة الوطن وحريته ومصالحه ، والقضاء بحزم على محاولات جرّه الى الفتنة والاقتتال بين مكوناته ايا كان وراء هذه المحاولات."

(كمال جنبلاط : من مقال له في جريدة الانباء في 25/2/1962، ورد في الصفحة 104 من كتابه "لبنان والجسر الوطني المقطوع")

ان الازمات التي تعصف بلبنان ، في هذا العهد الذي شارف على نهايته ، لم يشهد لها مثيلا منذ قيامه كدولة سنة 1920 : الفوضى ، المحسوبية ، سوء الادارة ، الصفقات والرشوات، حماية الموبقات ، وتجارة المخدرات ، الاثراء غير المشروع ، واستثمار موارد الدولة لمصالح شخصية او حزبية او فئوية ، نهب المال العام وسوى ذلك الكثير ... وهذه كلها معاول تهدم كيان لبنان كدولة .

واذا استمر الحال على ما هو عليه اليوم من شلل في كل الادارات والسلطات ، فهذا يعني ان لبنان اصبح على عتبة الانهيار والزوال ، وللحؤول دون حصول ذلك علينا ان نوقف هذا الهدم المستمر والممعن في السرعة للكيان والاستقلال ، اذا كنا حقاً مهتمين بما ننادي به من السيادة والاستقلال ، وسط متغيرات اقليمية كبرى ضاغطة ، ستكون لها انعكاسات وتداعيات على لبنان واللبنانيين ، تضعهم امام مفترق طرق الاختيار التي ستفرض عليه ، قبل ان تقع الواقعة، ويفوت اوان الاختيار .

تشهد منطقة الشرق الاوسط حالياً تراكم ازمات اقليمية ضاغطة. من الملف النووي الايراني الى برامج ايران للصواريخ الباليستية ، والطائرات الميسرة والتدخل الايراني في الشؤون الداخلية لدول المنطقة العربية ، والتهديد المتواصل لأمن دول الخليج العربي . وفي المقابل تنشط محاولات التطبيع مع اسرائيل التي تستمر في سياسة العدوان والاغتصاب للارض وللثروات العربية. وما يرافق هذه الازمات من تدخلات للدول الكبرى .

ففي 15 و 16 تموز الجاري ، شهدت مدينة جدة السعودية مؤتمراً على مستوى القمة، برعاية اميركية شاركت فيه : قيادات مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، ومصر والاردن والعراق حضوريا ، واسرائيل من وراء الستار . وكان سبقه خلال شهر آذار اجتماع عسكري سري في مدينة شرم الشيخ المصرية وشاركت فيه : اسرائيل ، كشفت النقاب عن عقده جريدة "وول ستريت" الاميركية . وكان لافتاً ان تسبق مؤتمر جدة جولة لولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان لكل من مصر والاردن وتركيا واستقباله في الرياض لرئيس اركان الجيش الباكستاني ، كما كانت لافتة زيارة امير قطر الى مصر بعد طول الجفاء في العلاقات . ورشح عن هذه التحركات ان الغاية منها شد العصب السني في مواجهة المحور الشيعي الذي تقوده ايران .

وقد انتهى مؤتمر جدة الى الاعلان عن "رؤية مشتركة لشرق اوسط مستقر ومزدهر ، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لحفظ الامن والاستقرار ، وتطوير سبل التعاون والتكامل بين دوله ، والتصدي المشترك للتحديات التي تواجهه، والالتزام بقواعد حسن الجوار والاحترام المتبادل واحترام السيادة والسلامة الاقليمية والتأكيد على التزام واشنطن بالعمل من اجل تحقيق السلام العادل والشامل والدائم في الشرق الاوسط. وكذلك العمل من اجل حل عادل للنزاع في فلسطين على اساس دولتين وفقاً للمبادرة العربية في قمة بيروت . ووقف كل الاجراءات الاحادية التي تعطّل الحل المطلوب . وادانة الارهاب بكل اشكاله والانشطة المهددة لأمن المنطقة ."

وكان سبق مؤتمر جدة، لقاءات للرئيس الاميركي في اسرائيل صدر بنتيجتها اعلان القدس عن "شراكة استراتيجية دائمة بين الولايات المتحدة واسرائيل ، والتزام دائم بأمن اسرائيل وضمان قدرتها في ردع اعدائها وحماية نفسها ضد اي تهديد. وترحيب اسرائيل بأي مسعى اميركي لبناء هيكل اقليمي قوي وتعميق العلاقات بين اسرائيل وشركائها الاقليميين ، وتوسيع دائرة السلام لتشمل مزيد من الدول العربية والاسلامية."

وفي المقلب الاخر ، نلاحظ تشدداً ايرانيا ً في كل الملفات وتحريكاً لكافة اذرع ايران في المنطقة : في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة، بما يدو وكأنه لشد عصب هذا المحور في مواجهة ما يحاك ضده في المنطقة من مشاريع تحالفات ، وتأكيد امساكه بأوضاع هذه الدول كأوراق تفاوض في يده مع المجتمع الدولي. ولعل مؤتمر طهران في 19 تموز الحالي الذي جمع قيادات روسيا وتركيا وايران حضورياً، والصين من وراء الستار شكّل ابلغ رد على الهجمة الاميركية وابلاغها: نحن هنا ، وحاضرون للتصدي وابطال مشاريعك.

بالخلاصة : انها طبول حرب تقرع بقوة في سماء المنطقة ، نتيجة للصراع على التوسع ومناطق النفوذ. انها حرب باردة جديدة ، وقابلة للانفجار كحرب اقليمية ، تتردد اصداؤها في لبنان المأزوم. وتفرض عليه الاختيار عند مفترق طرق مفصلية وامامه:

1- الانحياز الى محور الممانعة طوعاً او الزاماً، وتحمل عواقب ذلك من عقوبات ومقاطعة وضغوطات اقليمية ودولية ، وحرمان من مساعدات هو بأمس الحاجة اليها للانقاذ مما يعانيه .

2- الانحياز الى الهيكل الدفاعي المشكّل ضد ايران ومحورها ، وتعريض البلد الى انفجار داخلي وحرب اهلية مدمرة تقضي على ما تبقى من هيكل الكيان .

3- اتخاذ موقف الحياد وعدم الانحياز ، ورفض المحاور المتصارعة ، واعتماد سياسة التعاون الايجابي مع الجميع بما يكفل السلامة للوطن وللمواطنين واستعادة دور لبنان الرسالة والوساطة للتقريب بين المتباعدين لان الجميع في النهاية بحاجة لمن يقرّب فيما بينهم ، ويعيد روابط السلام والامن والاستقرار.

لبنان فعلا اليوم على مفترق طرق الاختيار ، فهل لا زال بمقدور ارباب الحكم والسياسة اتخاذ القرار الانقاذي للبنان من المأزق ؟


الكاتب

سعيد الغز

مقالات أخرى للكاتب

العدد 48

الخميس 01 نيسان 2021

الحكم متعثر والبلد مأزوم والتعطيل مدعوم، فبئس المصير المشؤوم

سعيد الغز


"ان المشكلة اللبنانية لا تحلّ الا على اساس وطني لا طائفي ، ومنهج حازم في آن واحد يوصل الى اقامة دولة مدنية علمانية في لبنان تصهر المجتمع اللبناني في البوتقة الوطنية ." كمال جنبلاط

العدد 47

الثلاثاء 02 آذار 2021

في لبنان وفي العالم ... صراع غير متكافئ بين الديموقراطية والديكتاتورية

سعيد الغز


في لبنان لا تزال الاحداث المقلقة تتواصل ، فعلى المستوى الشعبي الازمات تتفاقم مالياً واقتصادياً واجتماعياً وتربوياً وصحياً وامنياً والمسؤولون عن ادارة الدولة وتدبير شؤون الناس عاجزون وفاشلون وغائبون كلياً عن القيام بالمطلوب منهم . منذ اندلاع حركة الاحتجاج

العدد 46

الإثنين 01 شباط 2021

من واشنطن الى بيروت المخاطر على الديموقراطية تتصاعد

سعيد الغز


خطفت الاضواء في هذا الشهر الاحداث التي شهدتها العاصمة الاميركية واشنطن. ففي ليل الاربعاء الموافق 06 كانون الثاني 2021. انشغلت وسائل الاعلام والتواصل في مختلف دول العالم، بما تعرّض له الكونغرس الاميركي من اقتحام غوغائي عنصري متطرف، حرّض عليه مباشرة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب الرافض لنتائج الانتخابات التي خذلته واوصلت الى سدة الرئاسة المرشح الديموقراطي جو بايدن.

العدد 43

الثلاثاء 03 تشرين الثاني 2020

مع الاحداث: لبنان اليوم على طريق الجلجلة .... اي مصير

سعيد الغز


هذا الشهر ايضاً، الاحداث تتوالى في لبنان والاوضاع تتفاقم: العجز على مستوى ارباب السلطة لايزال هو السائد. البلد يسير على غير هدى: لا مال ، لا اشغال، لا كهرباء، لا محروقات، كورونا جائحة ولا دواء ولا استشفاء الا لأصحاب الثروة والحظوة. حبل انقطاع السلع الغذائية والتجهيزية على غاربه، يقابله التهريب المحمي من ذوي القدرة. كل هذا ولا اي مسعى رسمي فعلي للبحث عن مخارج وحلول، الا في الاطلالات التلفزيونية الدعائية للمسؤولين.


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك