نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 63

الجمعة 01 تموز 2022

تدهور الطاقة في لبنان

مقال اقتصادي

وليد خدوري

يوما بعد يوم، يعاني لبنان من تدهور فاضح في قطاع الطاقة. ويأتي الجواب عادة في بيانات ترقيعية تتجاهل الواقع المر للبلاد.

لقد أخفق لبنان طوال العقد الماضي في الاستكشاف والتنقيب عن الغاز الطبيعي في مياهه البحرية. لقد تأخر لبنان في هذا المجال مقارنة بما حققته الدول المجاورة من اكتشافات مهمة وحتى التصدير، مما أضاع عليه فرصا مهمة للاعداد في امكانية استعمال الغاز محليا او للتصدير. والان ، وبعد موافقة حكومتين لبنانيتين للحدود البحرية الجنوبية اعتمادا على مفاوضات لوفود حكومية (مدنية وعسكرية) ، بالاضافة الى توافق الرؤساء الثلاث، تستمر المحاولات لزعزعة التفاهم الحدودي الأخير باثارة الشكوك والقلاقل.

فبدلا من الاهتمام بالاستثمار في الغاز ، واحد من أهم وقود الطاقة المستقبلي لموقعه كجسر بين عصر الهيدروكربون والطاقات المستدامة نظرا لقلة انبعاثاته الكربونية ، أوفي مناقشة ودراسة مدى الامكانية للاستفادة من تصدير الغاز للحصول على العملة الصعبة لانقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها، او في امكانية استعمال الغاز لردف الطاقة الكهربائية والصناعة المحلية بالوقود اللازم، نجد ان نتيجة هكذا نوع من تهويل وتهديد قد أصبح وسيلة لمضيعة الوقت وخلق جو مضطرب يعرقل اجتذاب الشركات المتخصصة للاستكشاف والانتاج في المياه اللبنانية الموعودة بالاحتياطات الغازية.

والدليل الفاضح على المأساة التي وصل اليها لبنان، مع الأسف، بسبب الخلافات السياسية والشخصية العقيمة في الشؤون العامة ، هو تقديم 52 شركة نفطية عالمية عطاءات للعمل في البلوكين 4 و9. ثم الاخفاق في اجتذاب عطاء واحد فقط للمناقصة الاخيرة للبلوكات البحرية الثمانية الاخرى التي فتحت ظروفها في منتصف شهر حزيران (يونيو) الجاري. وهو الامر الذي يشكل فضيحة كبرى بحد ذاته للاقتصادد اللبناني في حال الاستمرار في هذا النهج من الخطب الرنانة والتهديدات غير المسؤولة التي تلاقي اذانا صاغية اقليميا او محليا عند البعض، لكن التي تنفر اهتمام الاستثمارات الدولية التي يحاول لبنان بشق النفس اجتذابها في هذه المرحلة الحرجة.

ان النقاش والوصول الى اجماع وطني حول الحدود البحرية، بالذات مع العدو الاسرائيلي ، هو واجب وأمر وطني. لكن يجب ان يتم التأكد من شرعية الحدود ضمن اطار واضح يحترم : سيادة لبنان، الوقت المتاح لهذه المهمة بحيث لا يخسر لبنان اهتمام الشركات العالمية او الاسواق الموعودة، مراعاة خرائط ودراسات الجهات الحكومية المعنية (مدنية وعسكرية) والجهات الدولية المتخصصة، تفسير شفافي للاطراف المختلفة لاقتراحاتهم الحدودية . اذ لا يمكن اطلاق الكلام الشعبوي والتهديدات دون شفافية او مسؤولية . ففي حال كهذا، يدفع لبنان ثمن هذه المتاهات وسيستمر في هذا النفق دون أي ضوء لنهايته. فالبلاد تدفع الثمن حاليا، من التشوش الذي تم خلقه ما بين نقطتي الارتكاز 23 و29 البحرية .

فالتهديد بنسف المنصة او الباخرة المعنية ستعني حربا اقليمية جديدة. من نافل القول، ان الشعب اللبناني بغنى عن حرب اخرى على اراضيه وهو في هذه الحال الاقتصادية والاجتماعية المزرية التي اوصله اليها االأحزاب والحكام أنفسهم ، كما ان التهديد للمنشات الغازية البحرية هو سيف ذو حدين. فبامكان العدو توجيه تهديدات مماثلة وتدمير المنشات الغازية البحرية اللبنانية ، وهو الأمر الذي يدفع قيمة بواليص التأمين للشركات العاملة الى ارقام خيالية مما ينفر الشركات عن العمل نظرا للقيم العالية للمنشات الغازية البحرية. هذا، مع الأخذ أيضا بنظر الاعتبار ان اسرائيل قد اكتشفت حقولا ضخمة في المياه الجنوبية وتقوم حاليا بالتصدير. بينما لا يزال لبنان في الخطوات الأولية لهذه الصناعة. فالمخاطر عليه أكثر وأضخم، ودعوة الشركات العالمية للاستثمار الضخم في صناعة الغاز اللبنانية أصعب الان وفي السنوات القريبة المقبلة على ضوء الانهيار الاقتصادي المحلي. ان المهم للبنان في ظل أوضاعه المزرية الحالية هو تهدئة الأمور ، لا اشعالها، لكي يستطيع اجتذاب الشركات العالمية. وهذا امر ضروري للنجاح في هذه الصناعة.

اما مشكلة الكهرباء، فحدث ولا حرج. اذ يدور الكلام منذ عقدين من الزمن حول العشرات الملايين من الدولارات التي صرفت على هذا القطاع وأدت الى عجز في الموازنة أدى فيما أدى الى الكساد الاقتصادي في البلاد ، والانقطاع المستمر والتدهورغير المشهود في الامدادات. ولا من يسمع او يجيب على هذه التساؤلات. كل الذي يتم سماعه، هو ان هذه المحطة الكهربائية او تلك لا تعمل بكامل طاقتها، او ان الفيول اويل غير متوفر بسبب التهريب او غلاء سعره او لتقصير من مصرف لبنان. أين الخطط لتشييد محطة كهربائية جديدة دون الأخذ بنظر الاعتبار مصلحة مسؤول سياسي وحزبه.

والأمر نفسه ينطبق ايضا وفي نفس الوقت على تشييد السدود لتوفير المياه اللازمة. والشعب في حيرة من أمره عن استهتار السياسيين لمصالح البلاد ورعاياها.

يحدث هذا العجز الكبير في شبكة كهرباء لبنان ، والخطط في رفوف المسؤولين يتجمع عليها الغبار حول امكانية تشييد شبكات من الطاقة الشمسية . وبالانتظار هذا، يلجأ المواطن اللبناني الى دفع فواتير باهظة الثمن لوقود الموتورات الكهربائية المحلية بالدولار ، مستقبلا يوميا كميات ضخمة من التلوث الكربوني الناتج عنها ، وما يتبعها من امراض سرطانية. في وقت تقلصت فيه الخدمات الطبية واختفى بعض الدواء وارتفع سعره، ان وجد. فالبلاد قد وصلت الى حلقة مفرغة من الفساد، الاهمال والتقاعس، من قبل الفئات الحاكمة، التي قلما تراعي حقوق المواطنين في حياة عصرية وكريمة.

الأنكى في الأمر، ان العالم يمر الان بمرحلة انتقالية لاستخدام الطاقات المستدامة (الشمسية والرياح) خلال هذا القرن. فالاقطار الاوروبية، مثلا، قررت الالتزام باستعمال السيارة الكهربائية بحلول عام 2035. أين نحن من هذا؟ العالم يلجأ الى شيوع استعمال الكهرباء في مختلف مجالات الحياة ، ونحن نتراجع عما شيده اجدادنا من طاقة كهربائية خلال النصف الأول من القرن العشرين. اذا من غير الممكن للحكومات تزويد الكهرباء عبر المحطات الكهربائية ، لماذا لا يتم الشروع بأنشاء شبكات كبرى للطاقة الشمسية لتوفير كلفة الوقود المتزايدة اسعارها عالميا. كذلك، لحماية أرواح الناس من الأمراض السرطانية.

 يمر العالم اليوم بمرحلة دقيقة. فنظرا للأولوية لمكافحة التغير المناخي، تتردد شركات الطاقة الاستثمار في الصناعة الهيدروكربونية خوفا من القوانين البيئبة التي تم تشريعها في معظم الدول الصناعية. وكذلك خوفا من ردود فعل الرأي العام في الدول الصناعية من الاحتجاجات ضد الشركات لعدم التزامها بالقوانين البيئية. تشكل هذه الحالة الهجينة لاستعمال الطاقتين الهيدروكربونية والمستدامة اخلالا في الأسواق العالمية، حيث، على سبيل المثال، لم يتم تشييد مصاف لتكرير المنتجات البترولية في الولايات المتحدة منذ عقد السبعينات ولا توجد خططا اليوم لتشييد مصاف جديدة في المستقبل المنظور. وهناك كذلك النتائج المترتبة على حرب اوكرانيا. فقد حظرت اوروبا استيراد الوقود من واحدة من اكبر دول العالم انتاجا للنفط وتكريره، الأمر الذي سيزيد من الضغط على الأسواق وزيادة أسعار المنتجات البترولية. مما يعني بدوره ثقلا متزايدا مستقبلا من التكاليف على لبنان التي تستورد مختلف الوقود الهيدروكربوني.

هذا، وقبل ان يتحمل المواطن اللبناني الاف الدولارات الاضافية لنصب لوحات الطاقة الشمسية والبطاريات على سطح مسكنه، ومن قبل شركات حديثة العهد ذات الخبرة القليلة حتى الان، ناهيك عن مدى التزام هذه الشركات بأمور الصيانة اللازمة في السنوات المقبلة؟


الكاتب

وليد خدوري

مقالات أخرى للكاتب

العدد 60

الثلاثاء 29 آذار 2022

الاهداف المتوقعة والنتائج المترتبة على خطر النفط الروسي

وليد خدوري


أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، إثر الغزو الروسي لأوكرٌانيا، حظراً مباشراً على استيراد النفط الخام، والمنتجات البترولية، والغاز المسال، والفحم من روسيا. لكن تستمر السوق الأوروبية المشتركة حذرة من الآثار الاقتصادية المترتبة على مقاطعة الأعضاء

العدد 58

السبت 29 كانون الثاني 2022

الطريق الى الطاقات المستدامة : المعطيات والتحديات

وليد خدوري


فتح اتفاق باريس 2015 آفاقاً واسعة لمكافحة التغير المناخي وللتحول من عصر الطاقة الهيدروكربونية إلى عالم الطاقات المستدامة لتصفير الانبعاثات بحلول منتصف القرن. وكما هو متوقع، فإن انتقالاً تاريخياً بهذا المستوى سيواجه عقبات، ويتوجب عليه تشريع قوانين وأنظمة جديدة، وهذا بالفعل ما يحدث الآن.

العدد 56

الخميس 02 كانون الأول 2021

ما بعد "كوب 26" للمناخ في غلاكسو

وليد خدوري


شارك نحو 40 ألف شخص في مؤتمر «كوب 26» في غلاسكو الذي استمر خلال الأسبوعين الأولين من شهر نوفمبر (تشرين الثاني). وسيعقد «كوب 27» في عام 2022 في مصر، و«كوب 28» في عام 2023 في الإمارات.


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك