على ضوء نتائج الانتخابات ... المطلوب ذهنية سياسية جديدة للانقاذ
مع الاحداث
سعيد الغز
"لتستقيم الامور في لبنان السبيل الوحيد هو العودة الى الدستور والتقيد بتوزيع الصلاحيات بين السلطات حتى لا نقع في ما نعاني منه اليوم من تداخل. فالنظام الديموقراطي عقلاني ويجب ان يطبق بحذافيره حتى لا يفشل النظام ."
(كمال جنبلاط في مؤتمر صحافي له بتاريخ 5 حزيران 1973)
في 31 كانون الاول سنة 1971، خصص المعلم كمال جنبلاط في افتتاحيته لجريدة الانباء لتسليط الضوء على الذهنية السياسية السائدة في البلد ، والتي تعطّل تسيير اعمال الدولة ومنه ننطلق :
"في مواجهتنا للواقع السياسي اللبناني نواجه سدوداً وحواجز او مستنقعات من ترويج للاخبار الكاذبة والشائعات ومن المصالح الشخصية وصغائر التصرفات وتفاهة التوجهات ، وفي روح الوقيعة والدسّ والخداع والافتراء، ومن مآسي التقاعس والكسل عن القيام بالواجب وفعل الحق ، وكأن الطبع اللبناني المتغلب على التعاطي السياسي ثنائي وازدواجي في اصالته وتكوينه ، فلا مواقف صريحة في هذا البلد، وكأن اللبناني مطبوع على ان يضمر شيئاً ويقول شيئاً ويفعل شيئاً اخر.
على هذا النمط من التصرف استمر النظام السياسي الطائفي والزعامات الفردية ، وشبكات المصالح الزبائنية يمعن تهديماً في الاخلاق السياسية اللبنانية الى ان وصلنا الى هذه المرحلة من الثورة المعنوية على النظام واربابه ، خصوصا لدى الشباب والطلاب والعمال . والغريب ان هذه النقمة عوض ان تولّد رغبة في تبديل معالم النظام السياسي جعلت هذه الفئات المسيطرة المسؤولة عن الفشل تحتمي وراء الخلط بين النظام الفاسد القائم وبين بقاء لبنان والكيان وسواها من الوان الخلط الخاطئ."
ان ما نبّه منه كمال جنبلاط وقتئذ، واصل ارباب السلطة والنظام العمل في ذهنيته السياسية المعطلة والمدمرة التي اوصلت لبنان الى ما وصل اليه اليوم من معاناة وانهيار وتنافر.
وهذا ما دفعنا في رابطة اصدقاء كمال جنبلاط ، الاوفياء لفكر المعلم ورؤاه الاصلاحية الى المطالبة من جديد بالتخلي عن هذه الذهنية اذا كنا نريد فعلا انقاذ لبنان واللبنانيين مما يكابدونه ويواجهونه من مخاطر مصيرية .
لقد مرت الانتخابات النيابية ، وما سبقها من محاولات لتعطيلها والتهرب من اجرائها ، وما رافقها من شبهات ومناكفات وخطابات ومحاولات الغائية برهنت للمراقبين ان الذهنية السياسية التي لا تزال تتحكم باللبناني عامة والسياسيين خاصة هي ذاتها التي عانى منها اللبنانيون ومازالوا. وقد تتفاقم مع المجلس النيابي الجديد في تشكيل هيئات المجلس ، وفي تأليف حكومة جديدة مطلوب منها التصدي للازمات المعيشية والوجودية التي يتعرض لها لبنان واللبنانيون ، وكذلك في الغد القريب انتخاب رئيس جديد للجمهورية .
ان ما يطالب به الناس ، بعد النتائج التي اسفرت عنها الانتخابات النيابية ، هو التخلي عن هذه الذهنية السياسية التي اوصلتنا الى ما وصلنا اليه اليوم من انهيارات متدرجة نحو الاسوأ، واعتماد ذهنية سياسية جديدة بناءة قادرة على الانقاذ.
واول ما يجب التخلي عنه لانه السبب الرئيسي لتعطيل الدولة هو النظرة الطائفية المغلوطة للمناصب التي تتعارض مع روح الدستور والميثاقية.
ارباب السلطة والسياسة الحاكمون اليوم يسيئون بممارساتهم للدستور والميثاق الوطني ، ويعرّضون البلاد الى الخطر الداهم . وهذه البراهين :
1- مقام رئاسة الجمهورية ، وهو ميثاقياً مخصص للطائفة المارونية ، ولكن من يتسلمه هو ليس رئيساً للموارنة او لفريق منهم ، بل هو رئيس للجمهورية ولكل اللبنانيين . هو رأس الدولة وحامي الدستور والمشرف الاعلى على الادارة والقضاء والامن وسلامة الوطن والمواطنين . يمارس صلاحياته من خلال ترفعه فوق مستوى الحزبيات الضيقة والنزعات المتناقضة والزبائنية والفئوية. وعلى هذه الاسس يجب ان تبنى الذهنية السياسية لدى النواب الجدد في اختيارهم لرئيس للجمهورية تتوفر فيه هذه المزايا والقدرات.
2- مقام رئاسة الحكومة وهو ميثاقياً مخصص للطائفة السنية ، ولكنه دستورياً ليس ممثلا لطائفته ، بل هو رئيس حكومة لبنان ، ورأس السلطة التنفيذية المطلوب منه ترأس فريق عمل حكومي متجانس وقادرة على تصريف امور الدولة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والامنية والتربوية والصحية وسواها ، خارج نطاق المحاصصة وتقاسم المغانم الشخصية والفئوية والمذهبية وسواها من الممارسات التي لها انعكاسات سيئة على الوطن والمواطنين . فهل سيتحقق للبنان رئيس حكومة وحكومة جديدة بهذه المواصفات.
3- مقام رئاسة السلطة التشريعية ، وهو ميثاقياً مخصص للطائفة الشيعية ، ولكنه دستورياً هو رئيس سلطة التشريع والمحاسبة والمراقبة والعمل لكل ما يساعد على حماية مصالح المواطنين وتحسين ظروف معيشتهم . ومطلوب منه اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ، وتثبيت الثقة بحكومته ومحاسبتها. ومن هنا الدور التأسيسي للنواب الجدد في قدرتهم على حسن الاختيار والتحلي بذهنية سياسية جديدة تقدم مصالح الوطن والمواطنين على ما عداها ، ايا كان الدافع اليها.
اللبنانيون اليوم يتوقون الى رؤية اشخاص يرأسون هذه السلطات ، ويديرونها تتوفر فيهم الشروط المشار اليها اعلاه لكي تستقيم الامور في الدولة ، ويتعاون هؤلاء لوضع خطة شاملة للانقاذ والاصلاح والتطوير ، ويشرفون على حسن تنفيذها. فهل من يقظة ضمير تقنع جميع المتعاطين بالشأن العام بالتعالي عن المنافع الشخصية والفئوية والمذهبية والمحورية لمصلحة الوطن والمواطنين؟