أرقام الموازنة غير موثوقة
مقال اقتصادي
غسان العياش
ينكبّ المجلس النيابي في الأيام والأسابيع المقبلة على درس مشروع موازنة سنة 2022، حتى التصويت عليها وإقرارها. وبالرجوع إلى المهل الدستورية لهذا العمل التشريعي الشديد الأهمّية، يتبيّن ان موازنة العام الجاري تأخّرت عن الموعد الأقصى المحدّد لصدورها، وهو اليوم الأخير من العام المنصرم.
مع ذلك فلا بدّ من حمد الله، الذي لا يُحمد على مكروه سواه، إذ يؤملُ أن تكون للبنان موازنة في العام الجاري. ففي مراحل سابقة، بقيت الدولة اللبنانية دون موازنة لفترات وصلت إلى اثنتي عشرة سنة متعاقبة، نتيجة الخلافات السياسية، وهو أمر غير معهود في كل دول العالم على الإطلاق.
إلا أن تحليل مشروع الموازنة في الوضع اللبناني الراهن هو مهمّة غير يسيرة، ولا يقلّ صعوبة عن إعداد مشروع الموازنة نفسه، بسبب ضياع الأرقام والمؤشّرات وعدم اليقين إزاء تقديرات الإيرادات والنفقات. فأرقام مشروع الموازنة لا توضع دون مرجعيّات محدّدة، بل بالاستناد إلى فرضيات شبه موثوقة ومؤكّدة.
إن العوامل الاقتصادية هي التي تتحكّم بتقديرات الموازنة. فالتقديرات توضع، على سبيل المثال لا الحصر، بالاستناد إلى استقراء حجم الناتج المحلي الإجمالي، فإن مستوى النموّ الاقتصادي يقرّر حجم الإيرادات. النموّ الجيّد يزيد من قدرة المكلفين على دفع الضرائب وتراجع النموّ يقود حكما إلى انكماش عائدات الدولة من الضرائب والرسوم. كما أن ارتفاع معدّل التضخّم يزيد أعباء الدولة، بسبب ارتفاع أسعار المشتروات والخدمات الحكومية واحتمال زيادة رواتب القطاع العام لتعويض ارتفاع الأسعار.
في الواقع اللبناني الراهن تتلاعب العواصف بأساس التقديرات، حيث لا نعرف، حتى على امتداد الأشهر المقبلة من العام الجاري، معدّل النموّ، بل الانكماش، ولا تطوّر نسب التضخّم وسعر الصرف المتغيّر صعودا وهبوطا على نحو قلّ نظيره في لبنان وسائر بلدان العالم.
ويصعب تحليل موازنة سنة 22 من حيث أثرها على واقع الأزمة غير المسبوقة التي يعيشها لبنان، بسبب انفصالها عمّا سبقها وما سيعقبها من تطوّرات مالية واقتصادية. فكان الأجدر أن يأتي مشروع الموازنة في سياق برنامج مالي واقتصادي تضعه الدولة للسنوات الخمس المقبلة، يهدف إلى تحقيق الإصلاحات التي كثر الحديث عنها، ويسعى بصورة خاصّة إلى تراجع متدرّج في عجوزات الموازنة ونسبة الدين العام إلى حجم الاقتصاد اللبناني ككل.
لأجل إعطاء فكرة سريعة عن الصيغة الأخيرة المعدّلة لمشروع الموازنة الذي أصبح بعهدة المجلس النيابي، تبلغ النفقات العمومية حسب المشروع حوالي 47 ألف مليار ليرة مقابل إيرادات مقدّرة بحوالي 41 ألف مليار بعجز كلّي يمثّل 16.7 بالمئة من النفقات وعجز أوّلي (النفقات دون خدمة الدين العام) يعادل 6.7 بالمئة منها. ولم تحتسب ضمن هذه الأرقام التحويلات المعهودة إلى مؤسّسة كهرباء لبنان.
ومن مثالب الموازنة المقترحة أن النفقات الجارية تمثّل ما يزيد عن 93 بالمئة من النفقات، ولا تتجاوز الاعتمادات المخصّصة للاستثمار 6.6 بالمئة من هذه النفقات.
وفي محاولة لتخفيف وطّأة العجز يقترح مشروع الموازنة زيادات في الضرائب والرسوم لتصبح بمعدّل 84 بالمئة من العائدات الإجمالية و81 بالمئة من النفقات.
جريا على موازنات الأعوام السابقة، تتفوّق عائدات الضرائب على الاستهلاك على عائدات الضرائب على الدخل والأرباح، بما يشكّل ثغرة كبيرة في العدالة الضريبية، لأن العبء الأكبر يتحمّله بذلك أصحاب الدخل المحدود. ففيما تقدّر الضرائب على المداخيل والأرباح بأقلّ من 2% من الناتج المحلي الإجمالي، تصل الضرائب على الاستهلاك إلى حوالي 5 بالمئة من الناتج، اذا احتسبنا الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة معا.
ستتصاعد الأصوات المعترضة على ما يلحظه مشروع الموازنة من زيادات على الضرائب في عزّ الضائقة المعيشية التي تعاني منها الطبقات المعسرة من الشعب اللبناني.
هذا أمرٌ يطول بحثه، ويمكن اختصار النتيجة أن زيادة واردات الدولة أمر لا بدّ منه، فلا مفرّ من تغطية أكبر قدر ممكن النفقات العامّة بالضرائب العادلة منعا لتراكم الضريبة المؤجّلة (الخطيرة) وهي الدين العام.
إلا أن من حق الشعب أن يعترض على دفع الضرائب لدولة فاقدة للرؤيا والعزم على الإصلاح، والتي يشك المواطنون بأن قسما كبيرا من نفقاتها هو أسير الهدر والفساد والمحسوبية والزبائنية.