الخميس 30 كانون الأول 2021
الى المعلم كمال جنبلاط في شهر ولادته نقول : كم لبنان بحاجة لأمثالك اليوم؟
مع الاحداث
سعيد الغز
مع تفاقم الاوضاع المعيشية المترتبة على ما يعاني منه لبنان اليوم من ازمات نقدية ومالية واقتصادية واجتماعية وما يرافقها من شلل وشرذمة سياسية ومناكفات وتباين في المواقف والتطلعات والولاءات. انتج سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية عاجزة عن اتخاذ وتنفيذ القرارات اللازمة في الوقت المناسب لمواجهة الاوضاع المتفاقمة على معيشة اللبنانيين ومصير بلدهم ، يصبح السؤال اكثر من ضروري: الى اين تأخذون لبنان ايها السياسيون ايها الحكام ؟
هذا السؤال الذي نطرحه اليوم ليس بجديد على اللبنانيين ، ولكننا نعيد طرحه لتشابه الاوضاع، وكان طرحه المعلم كمال جنبلاط في 22 كانون الثاني 1966 عندما تأكدت له ملامح الخروج على المحاولة الشهابية لبناء لبنان الدولة الحديثة وبرره بما يلي :
"في كل وقفة تفرضها الازمة في مسار تطور اوضاع البلاد في هذا العهد ، يبدو للمراقب ان السياسة التي انتجتها السلطة لم تنجح في خلق جو وطني سليم في البلاد يطمئن اليه المواطنون على اختلاف ميولهم السياسية ، ففي كل مرة يتطلب الوضع من السلطة اتخاذ قرار في قضية هامة ، نرى فوراً، الطائفية بشكلها الحاد تطل برأسها ، وتحرك مختلف عناصر التفرقة لتعطيل القرار والاستمرار في الفراغ والعجز. ولكننا ، بما تيسر لنا من رؤية وبصيرة ، نعلن اننا لسنا قلقين على الاطلاق على مصير ما يحدث اليوم من اهل السلطة والسياسيين من مناورات واثارات ومواقف مستفزة ، داخل الحكومة وخارجها ، وكأن هناك رواية تشخص وتمثل بين من نعتقدهم اخصاماً في الظاهر يناؤون بعضهم بعضاً، ويدفعون الى شرذمة المواطنين الى تيارات متناقضة ومتعاكسة في نهجها واهدافها، وهم تربطهم من الوراء الخيوط ذاتها التي يحركها هذا الطرف الخارجي او ذاك ، لان هؤلاء السياسيين اعضاء كلفوا عن ادراك او غير ادراك في تشخيص الرواية الواحدة ذاتها، والمؤلف والمخرج واحد. ولذا نسألهم جميعهم: الى اين تريدون اخذ لبنان ؟"
(المرجع : مقال في جريدة الانباء بتاريخ 22/1/1966)
ان من اتيح له مثلنا ان يعيش عصر كمال جنبلاط ، ويتذكر وقائع تلك الحقبة من تاريخ لبنان، ومن يقرأ ما كتبه ويستوعبه جيداً، يتبين له ان كمال جنبلاط بنضاله وبممارساته السياسية ، وافكاره ومواقفه ، بل حتى في يومياته السياسية والاجتماعية ، وفي علاقاته مع الناس ، كم كان متميزاً كمفكر موسوعي الآفاق ، فكافة محاولات التغيير والتطوير وكافة صيغ التحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي والبلدي والبيئي كان كمال جنبلاط رائدها ومحركها وقائدها ، وكان فاعلاً فيها بفكره ونضاله ومواقفه وممارساته السياسية او بقيادته لمختلف جبهات التغيير التي تشكلت بزعامته ، بدءاً من الجبهة الاشتراكية في مطلع الخمسينات وانتهاء بالحركة الوطنية في مطلع السبعينات :
وهذا كشف بمشاريع القوانين التي اعدها كمال جنبلاط وسعى لإقرارها :
اسم المشروع تاريخ طرحه
الضمان الاجتمعي والتعويض العائلي 1950
التعويض للعمال العاطلين عن العمل 1950
تعديل قانون الانتخاب 1950
الغاء الالقاب 1950
تأمين مساكن للموظفين والمستخدمين 1952
تنظيم الاحزاب 1953
الضمان الصحي 1955
انشاء الحرس الوطني 1958
منع الجمع بين الوزارة والنيابة 1959
مكافحة زراعة الحشيشة غير مؤرخ
الغاء الطائفية السياسية غير مؤرخ
انشاء وزارة الثقافة غير مؤرخ
مراقبة موارد الصحف غير مؤرخ
نظافة الشارع غير مؤرخ
قانون الجنسية اللبنانية 1962
منع صيد الطيور 1962
تعديل قانون تملك الاجانب 1966
قانون جديد للانتخاب 1971
قانون جديد للاحزب السياسية والجمعيات 1972
قانون تعديل النظام اللبناني 1975
قانون الاصلاح السياسي 1975
وهذا ما حققه من اصلاحات اثناء توليه عدة وزارات في العهد الشهابي
- مخطط التنمية الشاملة بالتعاون مع بعثة ايرفد
- تأسيس وزارة التصميم
- تخصيص مبلغ 450 مليون ليرة للطرق والمياه والسدود والكهرباء
- تخصيص مبلغ 480 مليون ليرة لايصال الطريق الى 600 قرية
- وضع واقرار مشروع الضمان الاجتماعي والصحي
- تعميم البلديات على عدد كبير من القرى
- تأسيس المدارس الثانوية الرسمية وتوسيع التعليم الابتدائي
- وضع واقرار اسس وتوسيع التعليم التقني
- تأسيس جامعة بيروت العربية
- توسيع الجامعة اللبنانية
- تأسيس النقل العام بالباصات ومنع استخدام المازوت في السيارات
- تأسيس مجلس البحوث العلمية
- تأسيس مجلس المشاريع الكبرى.
وهذه نماذج عن مواقف له في فترات متنوعة من مسيرته النضالية السياسية تحاكي ما نواجهه في لبنان اليوم
"نطلب من ارباب السياسة الصدق "
"ما نطلبه ويطلبه الناس في هذا البلد من ارباب السلطة ومن ارباب السياسة على السواء هو الصدق ، اي ان يفعلوا ما يقولون به ، ويحققوا ما وعدوا به . فمعظم ارباب السياسة يكونون - او تظنهم – صادقين وهم خارج السلطة والحكم ، وان تسلموا الحكم تنكروا لكل ما قالوه ووعدوا به . هذا الكذب هو المصدر الرئيسي لتأخرنا في لبنان.
بروح الصدق نريد اليوم ان نتعامل مع ارباب السياسة والسلطة على السواء ، لعلهم يصدقون ولو لمرة قبل فوات الاوان ."
(المرجع: كتاب لبنان والجسر الوطني المقطوع – ص. 98)
- "الفضيلة" مقال له في جريدة الانباء بتاريخ 16/8/1957
"في البلاد قرصنة يجب ان يقضي عليها . اما القراصنة فمعروفون. هذا هو واقع الحال في لبنان . هذه هي مشكلتنا: كل شيء انحدر في مستواه في الدولة في مختلف اجهزتها. لان الدولة باتت اليوم قائمة على التحزب والتزلم والمحسوبية ، وعلى الذل لان مستوى الحاكمين انفسهم قد انحدر كثيراً. كل شيء في البلاد الى انسفال والانحدار الاخلاقي والفكري والمعنوي في غياب الادمية والشهامة. فكيف يمكن للذين يسهرون على تحقيق القانون وعلى شؤون الدولة ان يقوموا بواجباتهم وان يدركوا كنه القانون وان يتمسكوا به اذا كان يعوزهم هذا الشيء الذي منه انبثق القانون والدستور والديموقراطية . ملح الارض : الفضيلة . لا يمكن التسامح مع ارباب سلطة يحاولون قتل البلاد وتدنيسها وتزوير نفوس ابنائها."
- "الوضع الخطير وطريق الانقاذ "
"ان الطريق الذي نسكله لانقاذ لبنان مما يكتنفه من تخلف ويهدده من ازمات، ليس هو الطريق الذي يسلكه ارباب السلطة اليوم . ولاول مرة تبرز ضرورة التخطيط وتنفيذ هذا التخطيط بشكل شامل ، لا الاستمرار في الارتجال ، وفي مواجهة القضايا ، كل منها على حدة ، ثم الانتقال الى غيرها ، فتضيع فوائد التدابير الجزئية المتخذة ، وتضيع الدولة في بحران الشك والقلق والاضطراب ، وتضيع على الناس ثمار جهودهم ."
(المرجع: كتاب لبنان والجسر الوطني المقطوع ص. 166)
وبما اننا اليوم على ابواب انتخابات نيابية ورئاسية جديدة اليكم ما نصح به كمال جنبلاط في العام 1968
"على عتبة الانتخابات ، بين مبدأ او مبدأ وقضية وقضية
السياسة محنة وامتحان ، واليوم اذ تشرف البلاد على انتخابات يجدر بنا ان ندرك معنى المحنة وقصد الامتحان في هذه التجربة للوعي الاجتماعي والشعبي ، والا استمرينا لمرحلة جديدة وعهد جديد نادمين على ما توجهنا اليه في لحظة واحدة من ساعة الاقتراع، ولا يعود يفيد ان نطالب النواب بما لم نطالب به انفسنا يوم اقترعنا لهم .
اما المحنة في ما نواجهه ، فهي في الارتفاع فوق انجذاب المال وخدعة التعصب الطائفي الذميم التي طالما عطلت في هذا البلد سبل تقدمه ومناهج ارتقائه نحو الافضل . واما الامتحان فهو ان نعرف ان نختار ، لا بين الافراد المرشحين على الطريقة اللبنانية التقليدية، وما يتناسب مع ذوقنا الشخصي، بل بين مبدأ او مبدأ وبين قضية وقضية . وانتساب لهذا البرنامج او ذاك، الطريق واضح بين رجعية متحالفة مع مختلف الاحتكارات الجشعة في البلد ، وبين المبادئ الاصلاحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يناضل حاملوها من اجل انقاذ الوطن والمواطن ."
(المرجع : كتاب اسس بناء الدولة اللبنانية وتنظيم شؤونها ص. 152)
فهل من مستجيب يعتبر ، ويعمل للانقاذ من المعاناة وبناء دولة العدالة والمساواة والسيادة الوطنية؟