نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 56

الخميس 02 كانون الأول 2021

خلل في النظام وتباين الانتماء

مقال سياسي

وسام القاضي

 البعض يعتبر لبنان لوحة فسيفساء، والبعض الآخر يعتبره مركزا لحوار الحضارات، وهنالك من يعتبره منارة الشرق، إلا ان الحقيقة الثابتة هي أن لبنان يعتريه مشكلة في نظامه الطائفي وبنيته الإجتماعية، والذي أدى عبر عهود طويلة إلى فقدان الروح الوطنية لدى شعبه فلم تعد الدولة هي محور حركته، ولم يعد الإنتماء الوطني هو الجامع بين أبنائه، بل ان البيئة الإجتماعية والتي تتمحور حول مذهب المواطن هي ملجأه ومبتغاه.

 إن طموح الإنسان يصنع له تصميما لدرب حياته ويعطيه دفعا للأمام على المثابرة نحو الهدف المنشود في وطنه، لكن عندما يكون نظام البلد عائقا أمام مسيرة المواطن من خلال التمييز بين المواطنين على أساس الإنتماء المذهبي، إبن ست وإبن جارية كما يقول المثل الشعبي، وتصنف التعيينات والترقيات وفق هذا المعيار، فعند ذلك يصبح ملاذ المواطن مذهبه وليس دولته، وبدل أن يراجع الدولة بكافة مؤسساتها لتلبية أموره من خلال المطالبة بحقوقه وقيامه بواجباته، فأصبح يلجأ لزعيم طائفته ليكون سندا يلجأ إليه ويعتمد عليه.

 وإستكمالا لهذا المنحى الخطير في تشتت الولاء الوطني، أخذت المذاهب والطوائف تبحث عن خط إمداد لها تحت شعار الخوف على المصير في ظل إنهيار الدولة وتحللها، ومن يقرأ التحولات في الإصطفافات الإقليمية والدولية منذ قيام الدولة اللبنانية ومن ينظر إلى مجريات الأحداث اللبنانية عبر كافة الحروب التي جرت وتقلبات أدوار ومواقع أطرافها يدرك أن اللاعب اللبناني ليس بمقرر في سير الأحداث بل منفذ لتفاصيلها، كما وأن غياب الدولة بأجهزتها التي فقدت هيبتها، وإداراتها ومؤسساتها التي فقدت مصداقيتها، كانت المساعد الرئيسي لفتح أبواب الساحة اللبنانية على كافة التدخلات الخارجية. ومن الطبيعي أن تجد تلك التدخلات أرضا خصبة على الساحة اللبنانية وأصبح هدف كل جهة خارجية إستقطاب طرفا لبنانيا مرتبطا بها وفق الإنتماء المذهبي ليزيد الإنقسام والتشرذم الداخلي.

 من المؤكد والثابت نتيجة الأحداث المتتالية التي جرت على إمتداد تاريخ لبنان أن النظام الطائفي اللبناني لم يعط طمأنينة وإستقرار لأي مجموعة مذهبية بل على العكس من ذلك كان مصدر قلق وتوتر دائم، ومن نتائج هكذا نظام أن النائب أصبح معقب خدمات ومعاملات لأبناء ملته، والوزير يشكل في مكتبه دائرة مستشارين من مجموعة بيئته الحاضنة، حتى ولو كانت حزبية فالحزب بالنظام اللبناني يمثل الطائفة أو جزءا منها لا الوطن أو جزءا منه. وإذا إنتقلنا إلى الموظفين من كافة فئات الدولة نجد المواطن عند تعقب معاملاته يبحث عن إبن ملته إيمانا منه أنه يساعده في إنجاز معاملاته.

 عندما أقر مجلس الشيوخ في إتفاق الطائف كان الهدف منه إعطاء الطمأنية والضمانة لكافة الطوائف اللبنانية من دون إستثناء، ويكون بذلك الخطوة الرئيسية للإنطلاق نحو الدولة المدنية، وينتج عن ذلك دفع مؤسسات الدولة للإنطلاق بالعمل بدون قيود مذهبية وطائفية، وعلى أن يتم إنتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، لكن يبدو في مكان ما أن البعض يتعاطى عكس ما يصرح، ولم يكن هنالك إندفاع بشكل عام لدى الأطراف الرئيسية في البلاد أو التي تتحكم بمقاليد الحكم أن تفرج غن أسر مجلس الشيوخ، وكما يبدو أيضا أن بعض الأحزاب اللبنانية بهيكليتها وتنظيمها مرتبطة بشكل جذري بالبيئة المذهبية التي تمثلها ولا تستطيع الإنطلاق نحو المفهوم الوطني بالعمل لأنه يلغي وجودها، وهذا الواقع هو بمثابة حجر عثرة أمام وضع قانون جديد للأحزاب والذي يعتبر خطوة أساسية ورئيسية لبناء عمل سياسي سليم في البلاد.

 ومن المؤسف أن معظم القواعد الشعبية للأحزاب والتنظيميات هي مرآة للإنقسام والتشرذم المذهبي الحاصل، حيث أن تلك القواعد مقتنعة بأن الأحزاب هي ملاذها عند أي مشكلة تصادفها وليس الدولة، والأحزاب هي سندها عند عوزها وليس الدولة، والأحزاب هي التي تحميها وليس الدولة. ومن جهة الدولة فأصبحت كالهيكل العظمي تناتشته الأحزاب الحاكمة كل حسب تمثيلها في الحكم، اي أن الدولة أصبحت كقطعة الجبن تقطع وفق الأحجام للطبقة الحاكمة. وهنا يكمن السؤال حول جدية الأحزاب اللبنانية بقيام دولة عادلة ومنصفة في لبنان تفصل الدين عن الدولة وتبسط سيادتها وهيبتها، ويبدو أن الجواب على هكذا سؤال واضح من خلال ممارسات بعض الأطراف التي لا تشير إلى موافقتها لقيام دولة بكل ما للكلمة من معنى.

 وإذا نظرنا إلى الفساد الحاصل في البلاد فهو فساد على عدة أوجه، من فساد سياسي حيث الدولة تتخبط في إعتماد نهج سياسي موحد في تعاطيها مع الملفات الخارجية والنأي بالنفس عن سياسات المحاور، وفساد مالي حيث الرشاوى والصفقات والسمسرات منتشرة على أوسع نطاق داخل إدارات ومؤسسات الدولة ويطلقون تسمية الهدر على السرقات الموصوفة. وفساد إداري حيث أن أجهزة الرقابة مغيبة عن سابق تصور وتصميم عن كافة الوزارات والمؤسسات الرسمية، ولو كان هنالك إنتماء فعلي للشعب تجاه الوطن لكان الحرص على أملاك ومال الدولة هو خط أحمر. ناهيك عن تهرب المواطنين من دفع الضرائب، فكم من وساطات تمارس أورشاوى تدفع للتخفيف من قيمة الضرائب المتوجبة على المواطن، هذا كله يقع في خانة عدم الإنتماء إلى الوطن.

 لقد حاول الرئيس الراحل فؤاد شهاب بناء دولة بمقوماتها الفعلية، وهو المشهود له بتأسيس أهم الإدارات الرسمية وأجهزة الرقابة، لكنه إصطدم بطبقة سياسية لا تريد ملاقاته لبناء دولة، وبشعب لم يتلقى التربية الوطنية الصالحة، فكشف ولمس عقم إصلاح الوضع اللبناني لهذا كان الرئيس الوحيد الذي طلب منه التمديد ورفض.

 التغيير المطلوب في لبنان يجب أن يكون على عدة أصعدة، لا يمكن فصل الأمور عن بعضها البعض، التغيير الأول في تربية المواطن وعلاقاته بين بعضه البعض، حيث عليه أن بتقبل الآخر ويعتمد الحوار والنقاش الإيجابي والداخلي وعدم تخوين الآخر، التغيير الأول في إعتناق مفهوم الحرية، حرية الفكر والمعتقد، حرية الإنسان ضمن الحدود المطلوبة، كما وعلاقة المواطن مع دولته، حيث يتوجب منه القيام بواجبات تجاه الدولة وعلى الدولة تأمين حقوق المواطن، أما الأحزاب والتنظيمات اللبنانية وهنا تكمن المعضلة الكبرى عليها أن ترقى بنفسها إلى المستوى اللائق على مساحة البلاد وتصبح ممثلة للمواطن بغض النظر عن إنتماءاته المذهبية، حيث الدين لله والوطن للجميع.

 أما فيما خص الدولة فلا بد من أن يسود الإقتناع أن الدولة ليست بشركة مساهمة ويتم تقسيم أرباح الإنتاج على حصص المساهمين، فعلى جميع الأطراف أن تدرك أنها تحت قبة الدولة وليست فوقها، أي أنها تخضع لمؤسسات الدولة الإدارية والأمنية والقضائية، أما مبدا التوافق لا يبني دولة خاصة إذا كان التوافق على تقسيم إدارات الدولة وفق نفوذ كل طرف فيصبح المسؤولين عند ذلك خارج أطر الملاحقة أو المحاسبة عند إقترافهم أي خطأ، قتبنى عند ذلك المحميات ضمن الدولة. وإذا كان البعض يحظى بحق النقض "الفيتو" فهذا مناف لأبسط قوعد الديمقراطية الحقيقية وليست تلك اديمقراطية المزيفة التي يتغنى فيها البعض في لبنان. إن مفهوم الدولة يرتقي إلى المستوى المطلوب إذا طبق مبدأ الموالاة والمعارضة، ولكن كيف سيطبق هذا المبدأ إذا كان التمثيل هو تمثيل مذهبي وليس وطني، ويتم اللجوء إلى موضوع الميثاقية لضرب عمل الدولة والحد من إنطلاقتها، وقد شهدت السنوات التي مضت العديد من المحطات التي شلت الدولة بسبب ما يسمى بالميثاقية.

 إنه من دون شك نظام مهترىء معرض للإهتزاز عند كل إستحقاق ولا يوجد أعمدة صلبة يستند عليها لأن المواطنين متعددي الولاءات والإنتماءات ولا يوجد قاسم وطني يجمع ولاءاتهم وإنتماءاتهم تجاه دولتهم.

 هنا نستذكر ما ورد في كتاب "لبنان وحرب التسوية" للمعلم الشهيد كمال جنبلاط : "اننا إذا فكرنا هكذا وأيقنا بهذه الأشياء التي ليست هي معتقدات وهمية بل هي من صميم طبيعتنا وتراثنا ومن تجربة كل يوم، فإننا نكون قد علونا فوق مسار الآخرين وفوق انعطاف نفوسنا الى مهاويها ونستطيع آنذاك ان نكمل الطريق بالشجاعة المعنوية المطلوبة وبالارادة المتوجبة وباسترشاد قوة الضمير في نفوسنا فننتصر آنذاك ولا نعود نخاف أو نقلق على مصيرنا".

 لا بد من التحلي بجرأة الموقف وشجاعة القول وحكمة العقل ووضع الأصبع على الجرح لأن السفينة عندما تغرق، فهي تغرق بركابها وطاقمها وجميع العاملين فيها، وإذا ظن أحد ما أنه متمسك بقارب النجاة فهو واهم.


الكاتب

وسام القاضي

مقالات أخرى للكاتب

العدد 69

الخميس 29 كانون الأول 2022

خارج المكان والزمان

وسام القاضي


جرت العادة أن يستذكر القادة والزعماء في ذكرى وفاتهم أوإستشهادهم، أما ذكرى ميلادهم فنادرا ما يتم التطرق لها، إذ أن التوقف عند ذكرى الغياب له مدلولاته في التأكيد على المحافظة على الإرث النضالي والإستمرار بحمل شعلة القضايا والمبادىء التي سار على دربها من يتم الإحتفال بذكرى غيابه.

العدد 56

الخميس 02 كانون الأول 2021

خلل في النظام وتباين الانتماء

وسام القاضي


البعض يعتبر لبنان لوحة فسيفساء، والبعض الآخر يعتبره مركزا لحوار الحضارات، وهنالك من يعتبره منارة الشرق، إلا ان الحقيقة الثابتة هي أن لبنان يعتريه مشكلة في نظامه الطائفي وبنيته الإجتماعية، والذي أدى عبر عهود طويلة إلى فقدان الروح الوطنية لدى شعبه فلم تعد الدولة هي محور حركته، ولم يعد الإنتماء الوطني هو الجامع بين أبنائه، بل ان البيئة الإجتماعية والتي تتمحور حول مذهب المواطن هي ملجأه ومبتغاه.


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك