نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 55

الثلاثاء 02 تشرين الثاني 2021

6.7 مليارات دولار في الطاقة المتجددة يمكن أن تحلّ أزمة الكهرباء

مقال اقتصادي

موريس متى

في العام 2018 حدّثت الحكومة اللبنانية عبر وزارة الطاقة والمياه خطة عملها الوطنية للطاقة المتجددة لتلحظ الوصول الى هدف تأمين نسبة 30% من حاجات لبنان من الكهرباء بحلول 2023 من خلال مشاريع للطاقة المتجددة تشمل الإنتاج من الرياح والطاقة الشمسية.

يعاني لبنان حاليا أسوأ ازمة كهرباء في تاريخه، حيث لا تتخطى التغذية بالتيار الـ 3 ساعات حدا اقصى يوميا، فيما تعاني معامل الانتاج وشبكات التوزيع أعطالا بالجملة تهدد دخول البلاد في أي لحظة في العتمة الشاملة، خصوصا في ظل أزمة نقص الفيول والعملة الصعبة لتمويل الصيانة. أمام هذا الواقع المرير تعود الى الواجهة أهمية التركيز في المرحلة الراهنة على تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاستثمار بالطاقة البديلة والمتجددة، في وقت كانت الخطة الوطنية للطاقة تضمنت عند وضعها التكنولوجيات الاساسية التي يجب العمل عليها ومنها الطاقة الشمسية لانتاج الكهرباء، والطاقة الشمسية لتسخين المياه، اضافة الى الطاقة التي يتم إنتاجها من الرياح والطاقة المائية الهيدروكهربائية المائية، وطاقة حرارة جوف الارض، وكل ذلك للوصول الى ان تمثل الطاقة المتجددة نحو 12% من الطاقة الإجمالية في لبنان مع حلول 2020. وفي تقرير صدر عن المركز اللبناني لحفظ الطاقة العام الماضي بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) ووزارة الطاقة والمياه، ان متوسط كلفة توليد 4214 ميغاواط من الطاقة المتجددة في لبنان يبلغ نحو 6.7 مليارات دولار، على أن تتكون هذه الطاقة من مصادر عدة هي:

الطاقة الشمسية (Solar PV) : 2500 ميغاواط بكلفة 2.6 ملياري دولار.

الرياح: 1000 ميغاواط بكلفة 1.8 مليار دولار.

الطاقة المائية (Hydropower): 601 ميغاواط بكلفة 1.9 مليار دولار.

الغاز الحيوي ( Biogas): 13 ميغاواط بكلفة 50 مليون دولار.

الطاقة الشمسية المركّزة (CSP): 100 ميغاواط بكلفة 309 ملايين دولار.

في هذا السياق، يعتبر الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الاميركية في بيروت مارك أيوب ان شبكة الكهرباء تنهار نتيجة إنتاجها ما بين 500 و600 ميغاواط فقط معتمدة على مصدر واحد هو الفيول العراقي، فيما يغيب عن المعامل أي صيانة دورية بسبب الحاجة إلى العملة الصعبة. وفي ظل الازمات المتلاحقة والتهديد بالعتمة الشاملة وشح الفيول المتواصل، لا يمكن إلا الولوج نحو الطاقات المتجددة في المرحلة المقبلة من ضمن رؤية شاملة للقطاع، من خلال الاعتماد على طاقتي الشمس والرياح كجزء لا يتجزأ من المزيج الطاقوي للبلاد.

في استطلاعٍ سريعٍ أجراه معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، بين تموز وآب 2021 وشمل 20 شركةً تعمل في مجال الطاقة الشمسيّة، تبيّن أنها تلقّت ما بين كانون الثاني وتموز نحو 6700 طلبٍ لتركيب نظام طاقة شمسية، أي بزيادةٍ تصل إلى 3-5 مرّات الطلب المسجّل في 2019 لكل شركة. وبحسب الاستطلاع، يشير أيوب الى انه من أصل 6700 طلب، فقط 516 منها أبصرت النّور، أي ما نسبته 7.7% والسبب يتعلّق بأنّ كلفة هذه الأنظمة المسعّرة بالدولار النقدي مثّلت عاملاً سلبياً في انتقال الطلبات إلى مرحلة التنفيذ. أما القدرة الإنتاجية الإجمالية للمشاريع الـ516، فهي تقدّر بنحو 7.75 ميغاواط. وتجدر الإشارة إلى أن الطلب على مشاريع الطاقة الشمسية كان مقدراً في السنوات الماضية، بحسب التقرير السنوي الصادر عن المركز اللبناني لحفظ الطاقة، على النحو الآتي:

56.37 ميغاواط في 2018، و78.65 ميغاواط في 2019، و89.84 ميغاواط في 2020. لكن أيوب يتوقّع أن يكون الطّلب المسجّل في 2021 هو الأكبر نظراً الى الإقبال المطّرد عليها في ظل تنامي المخاوف من فقدان كهرباء الدولة وتدني قدرات المولدات بسبب شح المازوت.

كما يعتبر ايوب ان الكثير من المستثمرين من الدول والجهات المانحة عبّرت في مناسبات عدة عن اهتمامها بالمضي قدما بمشاريع كهذه تعزز إنتاج الطاقة المتجددة، ولكن الاهم هو توصل لبنان الى اتفاق شامل مع صندوق النقد الدولي حول برنامج تمويلي يلحظ في جزئه الاصلاحي ملف الطاقة والكهرباء وكيفية التعاطي مع هذا القطاع في المرحلة المقبلة واستقطاب شركات عالمية للدخول كمستثمرين فيه شرط تأمين الارضية الاستثمارية المناسبة. فالاهم بالنسبة الى الدول المانحة والمستثمرين الدوليين هو تأمين ارضية مستقرة للإستثمار ودعم القطاع على ان تؤدي هذه الخطة في حال نجاحها الى حلول ذات مردود سريع ومستدام، لناحية زيادة ساعات التغذية بالكهرباء. أما تعزيز إنتاج الطاقة المتجددة بالنسبة الى الأفراد والمؤسسات ومنها المصانع والمنازل والشركات وغيرها، فيعتبر ايوب ان الاعتماد حاليا على الطاقة الشمسية يخفف الازمة مع ضرورة التركيز على النوعية الجيدة للمعدات، كما التفكير بمصادر تمويل تحفز المواطنين على الاستثمار في الطاقة المتجددة.

منتصف العام 2020، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة تقريرا أشار الى قدرة لبنان على توفير 30% من الكهرباء من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030 وتوفير 249 مليون دولار سنوياً في المتوسط وذلك بشكل رئيسي من خلال توفير استيراد الفيول المطلوب لمعامل انتاج الكهرباء. فلبنان يمتلك موارد طاقة متجددة كثيرة يمكن استغلالها بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ويبلغ إجمالي قدرة الطاقة المتجددة والمركّبة مجتمعة والتي يمكن إنتاجها 350 ميغاواط، إستنادا الى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وتتضمن 286 ميغاواط من مصادر الطاقة الكهرومائية و7 ميغاواط من مكب النفايات، اضافة الى توليد 56.4 ميغاواط من الطاقة الشمسية.

تعهّد لبنان خلال قمة كوبنهاغن للتغير المناخي في العام 2009 إنتاج ما نسبته 12% من حاجاته في مجال الطاقة من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة المتجدِّدة، اي الطاقة الشمسية وضغط المياه والرياح وغيرها. وقّع مصرف لبنان في العام 2010 مذكرة تفاهم للتعاون التقني مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بهدف إطلاق، وإنجاح، المبادرة الوطنية لتفعيل الطاقة والطاقات المتجددة (NEEREA). يومها أطلق مصرف لبنان هذه المبادرة من خلال تعميم أصدره في تشرين الثاني 2010، يتضمن آلية تمويل تتيح للمصارف، عن طريق إعفائها من الاحتياط الإلزامي، تمويل مشاريع توفير الطاقة والطاقات المتجددة والأبنية الخضراء بمعدلات فائدة تراوح ما بين صفر وواحد في المئة، وبفترات تمويل طويلة الأمد تصل إلى 14 سنة. وخصص مصرف لبنان قروضا مدعومة بقيمة إجمالية قاربت الـ 150 مليون دولار لتمويل مشاريع الطاقة البديلة للقطاعين العام والخاص بفائدة 0.3% على 10 سنوات. وفي العام 2010، أطلقت وزارة الطاقة والمياه برنامج دعم سخانات المياه الشمسية بالشراكة مع مصرف لبنان، بهدف الوصول إلى "سخان مياه شمسي لكل منزل"، نُفِّذ هذا المشروع يومها من خلال قروض عبر المصارف بفائدة صفر في المئة وبفترة سداد لغاية خمس سنوات، مع امكان حصول المقترض على منحة من وزارة الطاقة عبر مصرف لبنان بقيمة 200 دولار لكل سخان شمسي موافق عليه من المركز اللبناني لحفظ الطاقة LCEC التابع للوزارة.

اليوم، تعود الى الواجهة أهمية تحفيز إنتاج الطاقة المتجددة في ظل أزمة الكهرباء التي يعاني منها لبنان في الوقت الذي يبحث عن أي مصدر لتمويل المشاريع في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها. وتؤكد مصادر مصرف لبنان ان قرار إستخدام الاموال التي وصلت الى البنك المركزي مقابل حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد، لا يمكن للمصرف ان يستخدمها الا بالتنسيق مع الحكومة، خصوصا ان هذه الاموال لا يمكن إقراضها، بل يجب إستخدامها في الاولويات التي ينصح صندوق النقد باعتمادها. أما بالنسبة الى اعادة تفعيل القروض المدعومة للطاقة المتجددة، فهذه الخطوة يجب ان تأتي ضمن خطة شاملة تساهم في تمويلها جهات دولية او دول مانحة او صناديق خضراء، لكون الامكانات الحالية للمركزي لا تسمح له بالشروع بأي قروض ميسرة، فالاولوية حاليا هي للأدوية والمحروقات والمستلزمات الطبية والقمح، وبالكاد يمكن تأمين العملات الصعبة لتمويل استيرادها. ولكن، تعود المصادر لتؤكد ان أي اتفاق مع صندوق النقد قد يفسح في المجال امام لبنان للحصول على تمويل إضافي لهذا النوع من القروض.


الكاتب

موريس متى


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك