حرصت رابطة اصدقاء كمال جنبلاط منذ تأسيسها سنة 2010، على مواكبة الاحداث الطارئة في لبنان ودنيا العرب ومنطقة الشرق الاوسط خاصة . وكانت تأمل ان تتكلل الثورات العربية اللاعنفية بالنجاح وتحقق للشعوب العربية امانيها المشروعة في الديموقراطية والحرية والعدالة والمساواة، لكن اصرار الانظمة الديكتاتورية على ممارسة سياسة القمع والقتل والتدمير، سمح لقوى اقليمية ودولية ان تتدخل ، وتعسكر الثورات خاصة في سوريا التي واجهت مأساة حقيقية شتتت الشعب السوري.
في مواجهة هذه المأساة ، والتنبه لمخاطرها على سوريا وبلدان الجوار ، نظمنا بتاريخ 24 كانون الثاني 2013، ندوة بعنوان : "النازحون من سوريا الى لبنان : مشكلة آخذة بالتفاقم، كيف سنواجهها" شارك فيها النائب وائل أبو فاعور ، الدكتور سامي نادر والدكتور ملحم خلف . يومها مع الاسف، لم تجد تحذيراتنا آذاناً صاغية ، واستمرت المأساة وازدادت تعقيداً وخطورة ، وترتبت عليها تداعيات آمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وصحية وتربوية من الصعب جداً تحمل نتائجها.
ومن مراقبتنا لهذه الاحداث وانعكاساتها، ظهر جلياً ان تزايد اعداد النازحين بأبعادها الخطيرة اصبحت تشكل احدى ابرز القضايا التي تواجه دول المنطقة وشعوبها وتشغل بال المسؤولين في العالم للبحث عن حلول لها، لم تعط ثمارها المرجوة حتى الآن.
من هنا ، كان قرارنا في الرابطة ان نجعل قضية النزوح من سوريا والعراق بأسبابها وتداعياتها عنواناً لمؤتمر الرابطة السنوي في 04/12/2014، وقد حرصنا على اختيار نخبة من اهل المسؤولية والاختصاص والخبرة من لبنان والاردن والمانيا، ممن كانت لهم بحكم مواقعهم ومسؤولياتهم وتجاربهم قدرة على تسليط الضوء على مختلف نواحي القضية المعالجة ، ومحاولة تقديم اقتراحات وحلول من شأنها المساعدة في الحد من المخاطر والتداعيات، وربما معالجة الاسباب التي كانت وراء نشوب ازمة النزوح.
وقلت يومها في كلمتي لافتتاح المؤتمر ما يلي:
ان حجم مشكلة النزوح وآثارها الخطيرة على وجود لبنان كدولة وككيان مستقل وشعب موحد ، يتطلب برأينا تنفيذ الخطوات الآتية :
- اولاً" المبادرة الفورية للقيام بإجراءات استثنائية على كافة الصعد الامنية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية تعجز عنها السلطة في وضعها الحالي، بسبب شغور مركز رئاسة الجمهورية ، رأس الدولة والقائد الاعلى للقوى المسلحة ، وغياب مجلس نيابي منتخب بموجب الدستور ، والنقص الهائل في عديد وعتاد الجيش والقوى الامنية ، وفي عدم قدرة الادارة العامة على تأمين الامساك الفاعل بالوضع الامني والاداري والقضائي في ظروف بالغة التعقيد وحافلة بالمخاطر المصيرية والمبادرة فورا لانتخاب رئيس للجمهورية ، والمباشرة بورشة عمل اصلاحية جدية في كافة ادارات الدولة ، والتصدي للفساد المستشري بمختلف اشكاله.
- ثانياً: تجميع النازحين المنتشرين عشوائياً على كافة الاراضي اللبنانية في مخيمات مسيطر عليها امنياً بشكل صارم ، مع ضمان مستلزمات الامان والرعاية الصحية الفورية للمقيمين في هذه المخيمات.
- ثالثا: بذل الجهود لقيام تعاون بين السلطات الرسمية والمجتمع المدني للمباشرة بحملات توعية بمختلف وسائل التواصل للتخفيف من حدة الاحتقان الشعبي الذي سيعود بضرر كبير على العلاقات الاخوية اللبنانية السورية .
ومرت الايام ، والتداعيات تتفاقم ، والمعالجات تتراجع.
ومن جديد ، انتدبنا انفسنا في رابطة اصدقاء كمال جنبلاط ، للتصدي لهذه المأساة المتمادية في غياب اية معالجات جدية ونظمنا ندوة جديدة في 26 نيسان 2017 بعنوان "لبنان في مواجهة مشكلتي النزوح واللجوء، تحديات وخيارات" تناولت ثلاثة محاور :
أ- النزوح السوري: اشكاليات العودة وتداعيات النزوح
ب- اللجوء الفلسطيني: اشكاليات سلاح المخيمات والعودة
جـ- السياسات والتدابير الواجب اتخاذها لمواجهة تداعيات المشكلتين.
وكانت الرابطة تتوقع ان تجد صدى لمحاولاتها هذه المرة بعد تعيين وزير لشؤون النازحين ، غير ان الكلام عن المعالجة استمر كلاماً بلا افعال ، والمسؤولون المطلوب منهم ايجاد الحلول والمعالجات اكتفوا بالمطالبة بالحلول وكأن غيرهم هو المسؤول.
وها نحن اليوم ، في الثلث الاخير من العام 2021، لا زالت مشكلة النزوح تتفاقم وترخي بأثقالها على اللبنانيين والنازحين على السواء. ولبنان يعاني من فراغ مستدام ومعطل ومعرقل على مستوى السلطة الاجرائية والتنفيذية ، وبشلل وعجزعلى مستوى الادارة والقضاء والسلطة التشريعية ، والناس تعاني من فقدان كل مقومات العيش الكريم . وكما طالبنا سابقاً نلحّ في المطالبة اليوم بضرورة اعادة بناء السلطات في لبنان والمبادرة لإيجاد الحلول للمشكلات المتفاقمة في مختلف القطاعات وعلى كل المستويات ، والقيام بعمل جدي يكفل العودة الآمنة للنازحين السوريين الى ديارهم، والا سيواجه لبنان واللبنانيون والنازحون على ارضه اوضاعاً غاية في المأساوية.