نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 52

الثلاثاء 03 آب 2021

قانون 'الكابيتال كونترول' المتأخر سنة ونصف السنة... ملاحظات على أبرز البنود: مخالفات تعرضه للطعن

مقال اقتصادي

د. علي زبيب

لا بد من الإشارة إلى أن "إقتراح القانون الرامي إلى وضع ضوابط موقتة واستثنائية على #التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية"، وفي حال إقراره يكون قد تأخر أكثر من سنة ونصف سنة حيث كان يجب إقراره في اليوم التالي لاندلاع الحراك الشعبي في 17 تشرين الأول 9102 وذلك تفادياً لهروب رؤوس الأموال (بطريقة مشروعة أو خلافها). وخلال هذا الوقت الضائع "عمداً"، قامت المصارف بتهريب ما يفوق 9 مليارات دولارات، من أموال المودعين الى الخارج. فالمصارف وفي ظل الغياب الكُلّي للرقابة، تقوم منذ بداية الأزمة بتطبيق "قيود على رؤوس الأموال" بحكم الواقع على رغم عدم وجود قانون يبرر لها أفعالها أو يحميها. وعليه فإن استمرار عدم وجود قانون يقيّد التحويلات، يُعطي الحق للمصارف في أن تقوم بإجراء المزيد من التحويلات استنسابياً، ولو بشكل أقل مما سبق. يتطرّق هذا الاقتراح إلى 4 أمور: (1) السحوبات في الداخل، (2) التحاويل إلى الخارج من الودائع "القديمة"، (3) تحديد الأجهزة المشرفة على حسن تطبيق هذا القانون إن أُقر والصلاحيات الممنوحة لها، (4) مسألة الودائع الجديدة. واللافت أن الإقتراح سيُقدم بصيغة إقتراح قانون معجل مكرر، فتبرز جدلية تشريعية لطرحه بالصيغة غير العادية.

المخالفات القانونيّة العامة:

وقع إقتراح القانون في عدد كبير من التجاوزات التي تجعل إقراره معرّضا للطعن أمام المجلس الدستوري، وأبرزها:

لم يمنح أصحاب الودائع القديمة أي حقوق مكتسبة ولم يحمهم من التعسّف. فقد صنّفت بنود هذا القانون الودائع إلى فئات من دون تبيان الغاية وتحديد المعايير لهذا التمييز.

يبرئ القانون ذمة المصارف حكماً وبموجب قرينة قانونية غير قابلة لإثبات عكسها، بمجرد ردّ الأموال المودعة بالعملة ال#لبنانية وضمن سقوف من دون أخذ الرقم الإجمالي للحساب في الإعتبار. وعليه ومع توقعات انخفاض العملة اللبنانية بشكل كبير، قد يحتاج بعض المودعين الى فترات طويلة جداً لسحب أموالهم ولو ارتضوا أخذها بالليرة.

لا تعطي بنود القانون أيّ خصوصية لحسابات النقابات والشركات والمؤسسات والجمعيات مع مجمل الودائع بنفس الطريقة على نحو يتجاهل أدوارها الإجتماعية الإنمائية أو الإقتصادية.

يتضمن القانون مخالفة لقواعد الانتظام العام ومخالفة مبدأ عدم مرجعية القوانين حيث تنص إحدى مواده على أنه سيسري مفعول هذا القانون حتى على الدعاوى المقامة قبل صدوره ولم يصدر بشأنها حكم مبرم.

جعل القرارات الصادرة في ما يتعلق بمسألة رفض التحويل غير قابلة لأي طريق من طرق المراجعة القضائية، بتجاوز لحق التقاضي كما لصلاحيات السلطة القضائية لمصلحة الاجهزة المصرفية التي يكون لها القرار النهائي.

يتعارض هذا المقترح مع قانون الدولار الطالبي الذي منح المودعين ليس حقّا مكتسبا بتحويل مبلغ 10 آلاف د.أ وفق سعر الصرف الرسمي للدولار عن عام 2020-2021. وعليه، يؤدّي هذا المقترح الى نسف هذا الحق المكتسب.

حدّد المقترح 4 استثناءات تسمح بالتحاويل إلى الخارج، وهي على التوالي: (1) تسديد نفقات التعليم، (2) إيفاء القروض الشخصية السكنية الناشئة في الخارج، (3) تسديد ضرائب أو رسوم مالية متوجبة لسلطات رسمية أجنبية، (4) تسديد نفقات في الخارج عائدة للاشتراكات والتطبيقات على الإنترنت. واللافت هو أنها تتصل بنفقات تستحق في الخارج في ذمة المودع من دون أن ترتبط بالإقتصاد الوطني وتؤدي إلى تمييز الأشخاص الأقل تضررا غير المقيمين أو الذين لديهم ممتلكات أو مصالح في الخارج على حساب الأشخاص المقيمين (الأكثر تضررا) والذين ليست لديهم ارتباطات اقتصادية بالخارج. وهذا التمييز يشكل إخلالاً بمبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون.

أسوأ ما في الإقتراح هو تجريد القضاء من أي صلاحية للنظر في طلبات الحوالات بصورة رجعية، كونه نص على أنه يسري في حال إقراره على طلبات السحوبات والتحاويل التي تدخل ضمن مندرجاته والتي هي موضوع نزاع لدى المحاكم مهما كانت طبيعتها وعلى مختلف درجاتها والتي لم يصدر فيها قرار مبرم. فمن جهة، تنزع عنه صلاحية النظر في طلبات التحاويل الحاصلة في فترة قيود رأس المال غير الرسمية، وصلاحية النظر في قانون الدولار الطالبي، وصلاحية النظر في القرارات الإدارية المتخذة من الوحدة أو المجلس المركزي.

في الوقت الذي تُجيز القوانين إعلان توقف المصارف عن الدفع في حال عدم التزامها بموجباتها من قِبل القضاء العادي (المحكمة المصرفية الخاصة)، يستخدم الإقتراح القانون عبارة "التحاويل" ليجرد القضاء من هذه الصلاحية، من خلال أمرين. الأول جعل الهيئة المصرفية صاحبة الاختصاص لاتخاذ الاجراءات وفقا لحالات التوقف عن الدفع والإيفاء في حال عدم التزام المصرف بإجراء التحاويل، وذلك بدلا من القضاء العادي. والثاني إعطاء المصرف المركزي الحقّ بتنفيذ التحويل المشار إليه من السيولة المتوافرة لديه نيابة عن المصرف المتخلف عن الدفع، على أن يقوم المصرف بتسديد المبالغ المحولة خلال أسبوعين مع غرامة.

وبناءً على ما تقدّم، نورد أدناه التعليق القانوني بصيغة تفصيلية على مواد المسودة كل على حدة:

المادة الأولى: حظر التحاويل والحسابات:

الفقرة ( 2) – البند "أ":

الخلل: تحديد سقف السحوبات لكل مودع بـ 20 مليون ل.ل وهو يحتمل التأويل، وخصوصا لمن لديهم أكثر من حساب في المصرف نفسه، كالحسابات الشخصية والمُشتركة وحسابات الشركات أو الجمعيات أو المؤسسات.

الإقتراح: يجب إيضاح الأمر واعتبار الحسابات ذمما مالية مستقلة بعضها عن بعض بمعزل عن المستفيد الأخير.

الفقرة (2) – البند "ب":

الخلل: أخطر ما ورد في اقتراح القانون هذا هو هذه الفقرة كونها تُضفي الشرعية على السوق السوداء للإتجار غير القانوني بالعملة، وتُقونن عمليات المُضاربة والتي سيصبح سعر الصرف الذي سيصدر عن هذه العمليات بمثابة المرجع الأساسي للمصرف المركزي.

كما تم ذكر معادلة خاصة من دون تحديدها أو توصيفها.

الإقتراح: لا بد من إيضاح المعادلة الخاصة المُشار إليها، مع تحديد المعايير التي سيستند إليها.

الفقرة (4) – البند "ب":

الخلل (1): إشترطت هذه الفقرة عدم تجاوز السحوبات بالعملة الأجنبية 50% من قيمة السحوبات بالليرة المُشار إليها في الفقرة (2)، ولم تُحدد هذه الفقرة كيفية احتساب سعر صرف السحوبات وما إذا كانت تبلغ 50% من قيمة ما يتم سحبه فعلياً بالليرة اللبنانية، أم 50% من القيمة العُليا للسحوبات.

الإقتراح (2): لا بد من إيضاح كيفية احتساب نسبة الـ 50% من السحوبات بالدولار مقابل الليرة.

الخلل (2): تنص المادة على أحقية المجلس المركزي بالتشاور مع وزير المال في إعادة النظر بنسبة الـ 50%.

الإقتراح (2): لا يُمكن السماح بهذه الإستنسابية للسلطة الرقابية النقدية المُمثلة بالمجلس المركزي والذي أدّى تلكؤه عن القيام بموجباته من جهة أخرى، إلى تعميق الأزمة النقدية والمالية التي وقعت في لبنان. يجب إلغاء هذا المقطع.

الخلل (3): من المرفوض قيام هذا البند بإضفاء صفة الشرعية على تعميم مصرف لبنان رقم 568 تاريخ 26/08/2020 كمرجع، مع العلم بأن في هذا التعميم مخالفات دستورية وقانونية واضحة ولا يجوز تمريره بأي حال من الأحوال.

الإقتراح (3): يجب إلغاء السطرين الأخيرين وشطب أي إشارة الى التعميم 568 غير الأصولي وغير القانوني وغير الدستوري (المادة 7)، والواجب الطعن فيه وإلغاؤه.

المادة الثانية: الإستثناءات الدائمة:

الفقرة (1):

الخلل: يقوم إقتراح القانون بشرعنة تعبير "الأموال الجديدة" في سابقة خطيرة جداً سوف يكون لها أثر سلبي على القطاع المصرفي اللبناني لأجيال لاحقة، وسوف تكون بمثابة المسمار الأخير في نعش الثقة في الإقتصاد اللبناني، والتي إضمحلّت خلال الأزمة الأخيرة.

الإقتراح: عدم اللجوء لاستعمال هذا التعبير في سياق قانون صادر عن مجلس النواب.

المادة الثالثة: الإستثناءات المشروطة: (ثالثاً):

الخلل: ذكرت أن سقوف التحويلات تتضمن جميع عمليات التحويل الجارية لدى جميع المصارف العاملة في لبنان.

الإقتراح: لا بد من إيضاح هذه المادة.

المادة الخامسة: آلية البت بطلبات التحاويل:

ثانياً: (الخيار الأول)

الخلل: عند رفض المصرف طلب التحويل، يحق للعميل تقديم مراجعة أمام "الوحدة" لإعادة النظر بالقرار والتي يُعد قرارها بعد ذلك نهائياً وغير قابل لأي طريق من طرق المُراجعة.

يُعتبر هذا مخالفة واضحة للأصول القانونية والدستورية لناحية الرقابة على دستورية القوانين، وضرورة وجود مراجع قضائية عُليا يتم الإرتكاز عليها عن طريق الإعتراض أو الإستئناف. ومن هنا لا يتخد أي قرار صيغة الإبرام إلا من خلال القنوات القضائية بموجب أصول قضائية واضحة ومنصوص عليها.

الإقتراح: (إستبدال "ثانيا" - الخيار الأول بـ "ثانياً" - الخيار الثاني)

المادة الثامنة: تطبيق أحكام القانون على الطلبات موضوع نزاع لدى المحاكم:

الخلل: مادة حسّاسة كونها تتعارض بشكل واضح مع روحية العدالة لناحية مخالفتها المبدأ الدستوري والذي لا يُتيح إضفاء خاصيّة المفعول الرجعي للقوانين على الإجراءات القانونية والقضائية القائمة قبل صدور القانون، لما في ذلك من تشريع فاضح للمخالفات القانونية الواقعة قبل صدور القانون، بما يُشجع جميع الأطراف مستقبلاً على مخالفة القوانين وعدم احترام الدستور، ومن ثم الضغط لإقرار قوانين تُغطي أفعالها الجرمية، كما هي الحال هنا.

الإقتراح: تعديل هذه المادة وإلغاء المفعول الرجعي للقانون.

المادة التاسعة: مراقبة حسن التنفيذ

الخلل: تعيين مصرف لبنان كمراقب لحسن التنفيذ وهو الأمر المرفوض لما في ذلك من عدم فعالية وكفاءة المصرف المركزي للقيام بالرقابة في ظل التقصير الفاضح الذي قام به كسلطة رقابية، إذا لم نصفه بالمتواطئ.

الإقتراح: لا بد من تعيين هيئة قضائية متخصصة موجودة أو استحداث واحدة.

المادة العاشرة: تغطية التكاليف الضريبية والرسوم الرسمية:

الخلل: في سابقة خطيرة يتم احتساب الرسوم والضرائب الرسمية المتوجبة بحسب سعر صرف السوق السوداء بدل سعر الصرف الرسمي، الأمر الذي يُعتبر في غاية الخطورة، في ظل الإبقاء على سعر الصرف الرسمي المُعتمد.

الإقتراح: وضع معايير موحدة لسعر الصرف، وخصوصا عند تسديد الرسوم الحكومية.

المادة الحادية عشرة: مدة العمل بالقانون:

الخلل: لا يجوز لمجلس الوزراء، أي السلطة التنفيذية، الحلول كوكيل بدلاً من مجلس النواب كأصيل لناحية تمديد العمل بهذا القانون. وعليه يُعد هذا تفويضاً بالتشريع ويحمل تداعيات غير قانونية، خصوصا كون التمديد يحصل بناء على توصية وزير المال وحاكم مصرف لبنان مرفقة بتقرير معلّل يقدمانه كل ستة أشهر. وبذلك، تصبح مبادرة التمديد أو التقصير في يد الحاكم، وهو الأمر المرفوض وغير الجائز.

الإقتراح: إعادة الأمور إلى نصابها عبر استعادة مجلس النواب زمام المبادرة لناحية إقرار تمديد القانون، من دون وجود مانع من استئناس الآراء بحسب ما يجده المجلس مناسباً.

في الختام، أشارت آراء عدة الى أن المصارف هي واقعياً في وضع المصارف المتوقفة عن الدفع، ممّا قد ينسف في حال إثبات ذلك قضائياً بصورة أو بأخرى أي تمييز بين أموال جديدة وأموال قديمة ليدرجها كلها ضمن موجودات التفليسة، ويضرب اقتراح القانون هذا في صميمه، ويجعله باطلاً حُكماً. ولكن على رغم الشوائب الكثيرة التي تشوب هذا الإقتراح كما قمنا بتبيانه أعلاه، وعلى رغم عدم جدوى وضع قانون لـ"الكابيتال كونترول" بعد مرور أكثر من سنة ونصف سنة على الأزمة هُرّبت خلالها معظم الأموال، فلا بد من إقرار قانون يمنع المزيد من النزف المالي ويحد من استنسابية المصارف في اتخاذ إجراءات التحويل وفقاً لمصالح وأهواء سياسية وشخصية مختلفة لا تصب في مصلحة المودع أو في مصلحة الإقتصاد الوطني، ولكن شرط تعديل بنود هذا الإقتراح بما يتواءم مع العدالة والقانون والمنطق، ويصب في مصلحة المودع والإقتصاد الوطني، وتفادي الوقوع في فخ المزيد من الخلل التشريعي.

محامي دولي متخصص في الشؤون المصرفية

نشر ايضاً في جريدة النهار


الكاتب

د. علي زبيب


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك