نشرة فصلية إعلامية تصدر عن رابطة أصدقاء كمال جنبلاط
"بعضهم يستجدي الألم و يمتّع نفسه بالشقاء لكي يصل...
و لكن طريق الفرح هي أكمل و أجدى... كل شيء هو فرح... هو فرح

العدد 52

الثلاثاء 03 آب 2021

لبنان اليوم: انهيار النظام الديموقراطي البرلماني ، وممارسة نظام رئاسي مخالف الدستور

ملح الارض

عباس خلف

منذ قيام دولة لبنان الكبير سنة 1920، وتحديداً بعد اعلان الدستور سنة 1926، اصبح لبنان دولة ديموقراطية برلمانية على غرار الديموقراطيات الاوروبية التي كانت قائمة آنذاك.

وتأكد هذا النظام مع الاعلان عن دستور الاستقلال سنة 1943. واستمر العمل بهذا الدستور ، ولو بدرجات متفاوتة . وكان الخروج على الدستور سبباً في حصول حركات احتجاجية للتصويب سنة 1952، وسنة 1958. وعند اتجاه الامور الى الخروج على الدستور من جديد في مطلع السبعينات اطلق المعلم كمال جنبلاط تحذيره للمسؤولين بهذه التعابير البالغة الدلالة التي تبدو وكأنها موجهة الى حكام اليوم ، علّهم يعتبرون ولا يكررون الاخطاء ذاتها التي جرّت البلاد الى الحرب الاهلية (1975 - 1990) وقد جاء فيه:

"يجب ان يتذكر الحاكمون ان الحكم في لبنان ديموقراطي جمهوري، وليس تسلطاً فردياً او شخصيا. نحن في لبنان لسنا في عهد ملكية وراثية ولا ديكتاتورية فردية او عسكرية او حزبية، والمفروض في الحكم ان يمثّل الشعب لا المصالح والمآرب الفردية والحزبية المختلفة. ألا يكفي البلاد انها تواجه في هذه المرحلة من تاريخها افظع موجة من الفساد والافساد يمارسها بعض ارباب الحكم والحكومة ، فيستولون على اموال الناس ، ويتسلطون على مصالحهم، ويتحكمون بحاضرهم ومستقبلهم . المطلوب وضع حدّ لهذه المآسي ولهذا الفساد المسيطر على تصرفات المسؤولين، ووضع حد للوضع الحكومي القائم."

(المرجع: بيان صحفي حول "مصير المواطن والدولة في لبنان أذاعه بتاريخ 25/01/1973، ورد في كتابه "العقلانية السياسية" ص. 134" )

خرج لبنان من الحرب الاهلية منهكاً، واختار للحكم دستوراً جديداً، ديموقراطياً برلمانياً، يشكل خريطة طريق لاخراج لبنان من فدرالية الطائفية السياسية، ويقيم الدولة المدنية الحديثة التي تقوم على اسس المواطنة وتحقق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وتضمن الحريات الاساسية للمواطنين دون تمييز .

غير ان الامور انحرفت عن مسارها الدستوري خلال مرحلة الوصاية السورية : 1990 – 2005 لصالح الزبائنية والمآرب الشخصية او الطائفية او المذهبية او الحزبية ، وتعطلت كافة المشاريع الاصلاحية.

وفي المرحلة التي بدأت بعد الانسحاب السوري شهد لبنان خللاً متزايداً في تركيبة الحكم وممارسة السلطات ، بحكم فائض القوة عند بعض الاطراف، القادرة على فرض حكم الامر الواقع. وبرزت نغمة الثلث المعطّل او الضامن لمصلحة طرف على حساب الاطراف الاخرى. ثم نغمة الديمقراطية الوفاقية والميثاقية ، حيث تعطلت امكانيات المراقبة والمحاسبة ، وبرزت ظاهرة الحماية المذهبية لكل مرتكب من الادانة القضائية ، فاستشرى الفساد والافساد في مختلف ادارات الدولة، وتحكّمت المنظومة الحاكمة بمقدرات البلاد ، ونهبت الاموال العامة والخاصة ، وانهار الاقتصاد والمال والنقد، وتفاقمت الازمات الاجتماعية والصحية والمعيشية . فالمسؤول غير مسؤول ، بل يكتفي بالتذمر والتأسف، وإعلان النية في مكافحة الفساد واعادة الاموال المنهوبة ومحاسبة المرتكبين، فيما التعطيل مستمر ويشل السلطات السياسية التنفيذية والتشريعية والقضائية والمالية والرقابية.

ومن خلال ركام ما وصلت اليه البلاد ، تبرز اكثر فأكثر ملامح نهج جديد في الحكم من أهمّها تدجين المجلس النيابي وتجاوز او تعطيل ما يصدر عنه من قوانين ، لرفض وضعها موضع التنفيذ، وتعطيل تشكيل حكومة للاستسغناء عن منصب رئيس للحكومة. والتفرد بادارة شؤون الدولة من خلال المستشارين من جهة ، ومن خلال حكومة تصريف اعمال تحولت فعلاً الى احد اطراف مجلس الدفاع الاعلى الذي يرأسه رئيس الجمهورية ويصدر الاوامر التنفيذية للوزراء وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية والمالية . وهذا يطرح السؤال : هل انتقل لبنان من النظام الديموقراطي البرلماني الى النظام الرئاسي الفردي الذي يتجاوز الدستور والميثاقية والاعراف؟ وهل يدرك من يدفعون البلاد الى هذا المسار ما يمكن ان يجره ذلك من خلل وخطر على البلاد والمواطنين والمواطنات والكيان والوجود؟

الى هؤلاء المسؤولين البارزين والمقنعين نقول: رحمةّ باللبنانيين والبلاد، تنازلوا قبل فوات الاوان عن طموحاتكم الشخصية او العائلية او الحزبية او الطائفية او المذهبية، وعن ارتباطاتكم الاقليمية او الدولية ، وعودوا الى ضمائركم والى شيء من لبنانيتكم المفترضة .واتخذوا ما يلزم من قرارات وطنية انقاذية بعيدة عن حسابات الربح والخسارة ، لانها الوحيدة التي تشكل خشبة الخلاص للبنان واللبنانيين.


الكاتب

عباس خلف

مقالات أخرى للكاتب

العدد 48

الخميس 01 نيسان 2021

مواقف لكمال جنبلاط ترسم خريطة طريق لانقاذ حاضر الوطن ومستقبل الكيان

عباس خلف


في السادس عشر من شهر آذار سنة 1977، اغتالت يد الغدر المعلم كمال جنبلاط قبل ان يتم الستين من عمره. وترك على هذه الارض الطيبة التي ناضل من اجل مستقبل افضل لمواطنيها، دعوة للبنانيين للثورة على الظلم والوصاية والتبعية والفساد والتحرر من السجن الكبير. لقد اغتالوا جسد المعلم ، ولكن فكره باق بقاء هذه الارض والتغيير آتٍ لا محالة اذا اراد اللبنانيون لوطنهم ان يستمر ويدوم

العدد 47

الثلاثاء 02 آذار 2021

كلمة حق

عباس خلف


"ان كلمة الحق التالية نشرتها على الفيسبوك بتاريخ 22 نيسان 2014، وقد كتبت بموضوعية وصدق بصرف النظر عن علاقة الصداقة التاريخية بين جان عبيد وبيني. وقد وجدت من المناسب ان اعيد نشرها في "ملح الارض" للتاريخ والذكرى، ولأن الفقيد الغالي حافظ على الالتزام الصارم بالقيم الاخلاقية والانسانية الى آخر يوم من حياته. تحية محبةٍ ووفاء الى روحه الطاهرة."

العدد 46

الإثنين 01 شباط 2021

عن اية دولة مدنية يتحدثون؟

عباس خلف


لبنان اليوم مهدد بكيانه ، وبمعاناة شعبه التي لم يشهد لها مثيلاً في اصعب مراحله التاريخية : انهيار مالي واقتصادي، اختناق اجتماعي، فقر مدقع وبطالة، هجرة تواجه اقفال ابواب السفارات في وجهها، دول شقيقة وصديقة تحولت عن الاهتمام بالقضايا

العدد 43

الثلاثاء 03 تشرين الثاني 2020

ملح الارض - قضايا الفكر يسيئ اليها الاجتزاء ، وتستدعي التجرد وحسن الاطلاع

عباس خلف


مناسبة هذا العنوان كلام مجتزأ نسب الى المعلم كمال جنبلاط، وخلق التباساً حول رؤية صاحبه للبنان الحداثة، وصوّره داعية للتقسيم الطائفي وفدرالية الطوائف. وبما اننا في رابطة اصدقاء كمال جنبلاط مؤتمنون وحريصون على ابراز تراث كمال جنبلاط الفكري والسياسي


شريط أخبار تويتر

شريط أخبار الفايسبوك